الإيمان بالكتب المنزلة - وقوع الشرك من النوعين في العرب
كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، بل اتخذ أهل كل دار صنما لهم في دارهم، ولا تسأل عن انتشار الأصنام، وعبادة النار والكواكب في فارس، والمجوس، والصابئة، وأمم سواهم.
أول وقوع الشرك من النوعين في العرب وغيرهم،
وبعثة خاتم الأنبياء محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هكذا تتابع أنبياء بني إسرائيل، وكان آخرهم المسيح عيسى ابن مريم -عليه السلام- وعلى حين فترة من الأنبياء والرسل، وكان الشرك من الصنفين: عبادة القبور والكواكب قد انتشر في الأرض، وكانت العرب على إرث من ملة أبيهم إبراهيم في جزيرة العرب، ولكن كان عمرو بن لحي الخزاعي في رحلته المشئومة إلى الشام، رآهم بالبلقاء لهم أصنام يستجلبون بها المنافع ويستدفعون بها المضار، فجلب مثل ذلك إلى مكة:
في وقت كانت ولاية البيت لخزاعة قبل قريش وكان هو سيد خزاعة، فكان برحلته المشئومة هذه، هو أول من غير دين إسماعيل، وانحرف عن ملة إبراهيم، فَنَصَبَ الأوثان في البيت الحرام، وسيب السائبة، وبحر البحيرة، ووصل الوصيلة، وحمى الحامي.
من هنا اتخذت العرب الأصنام، وكان أقدمها: "مناة" وكان على ساحل البحر بقُديد بين مكة والمدينة، ثم "اللات" بالطائف وهي صخرة مربعة يُلت عندها السويق، ثم "العُزّى" وهي بوادي نخلة بعد: "الشرائع" للخارج من مكة شرقا.
ثم تعددت الأصنام في جزيرة العرب، وكان لكل قبيلة صنم من شجر أو حجر، أو تمر، وهكذا، حتى كان منها حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، بل اتخذ أهل كل دار صنما لهم في دارهم.
ولا تسأل عن انتشار الأصنام، وعبادة النار والكواكب في فارس، والمجوس، والصابئة، وأمم سواهم منهم من يعبد الماء، ومنهم من يعبد الحيوان، ومنهم من يعبد الملائكة.
ومنهم من قال: الصانع اثنان، هم الثنوية من المجوس،
وهم شر من مشركي العرب، وعظموا النور، والنار، والماء، والتراب، وهكذا في أمم سواهم من: الصابئة، والدهرية والفلاسفة، والملاحدة، فصل ابن القيم -رحمه الله تعالى- فيهم وفي مذاهبهم، ومعبوداتهم: القول في: "إغاثة اللهفان: 2 / 203 - 320".
بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لما كانت أمم الأرض كذلك من الشرك، والوثنية، بعث الله النبي الرسول الخاتم لجميع الأنبياء والمرسلين، المبشر به من المسيح، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين، داعيا إلى ملة إبراهيم، ودين المرسلين قبل إبراهيم وبعده داعيا إلى: "التوحيد الخالص" ونبذ الشرك أرضيه، وسماويه، وسد ذريعة هذا وهذا، فَنَهى عن اتخاذ القبور مساجد، ونهى عن الصلاة عليها، وإليها، وعن تشريفها؛ وهذا لسد ذرائع الشرك الأرضي الآتي من: "تعظيم الموتى" في قوم نوح -عليه السلام- ونهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها؛ لسد ذرائع "الشرك السماوي" الآتي من: "عبادة الكواكب" في قوم إبراهيم -عليه السلام- .
والخلاصة: أن الإيمان بالله -تعالى-، الذي هو المطلوب من جميع الثقلين، لا يتم تحقيقه إلا بالاعتقاد الجازم بأن الله -تعالى- رب كل شيء، ومليكه، وأنه متصف بصفات الكمال والجلال، وأنه -سبحانه- هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، والقيام بذلك، علما، وعملا، ولا يتحقق ذلك إلا باتباع خاتم الأنبياء والمرسلين محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا كما يظن المتجاهلون،
أن الإيمان بالله يتحقق بالإيمان بوجوده، وربوبيته، دون الإيمان بأسمائه وصفاته، وتوحيده في عبادته، ودون المتابعة لرسوله محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مما جعلهم ينادون بالاتحاد بين الإسلام الحق، القائم على التوحيد الكامل وبين كل دين محرف مبدل، فيه من نواقض هذا الإيمان ما تقشعر منه جلود الذين آمنوا.
بكر بن عبد الله أبو زيد
عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية سابقاً ورئيس المجمع الفقهي الدولي ... رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ولوالديه ولمشايخه ولتلامذته ولمحبيه.