التدبر ببعض الآيات في خلال رمضان: القسم الثاني
سأتكلم إن شاء الله تعالى عن اللطائف والأسرار والاستنباطات فحسب ولا أتكلم عن الأحكام ولا التفسير ولا غيره في موضوعنا التدبر هذا وقد أتكلم عن البلاغة وليس بكثير.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المرسلين وعلى آله ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين
أما بعد
فقد قال الله تعالى { { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } } [ البقرة: 21 ]
سأتكلم إن شاء الله تعالى عن اللطائف والأسرار والاستنباطات فحسب ولا أتكلم عن الأحكام ولا التفسير ولا غيره في موضوعنا التدبر هذا وقد أتكلم عن البلاغة وليس بكثير.
فأقول وبالله التوفيق:
أولا: قوله تعالى { {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ } } فيه تنويه لميزة وشرف هذا
الشهر المبارك الذي اختار الله لإنزال القرآن العظيم المبارك من دون سائر الشهور
ثانياً: قال تعالى أنزل بصيغة المجهول ولم يقل أنزل الله فيه القرآن لعلم المنزِّل وهو الله سبحانه وجل جلاله, لذلك ناسب هذا المقام هذا الإيجاز
ثالثاً: قد أنزل الله القرآن ليلة من هذا الشهر كما قال تعالى { { إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} } [ الدخان: 3 ]
إذاً يستنبط من هنا أن بركة الجزء بركة للكل , فالليلة جزء مبارك من الشهر فبارك الله به الشهر كله
فهو كما جاء في الحديث : " هم القوم لا يشقى جليسهم " كما شر الجزء شئم وشر للكل كما قال تعالى { {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} } [ الأنفال: 25 ]
رابعاً: وأيضاً بُسمَّى هذه الليلة المباركة ليلة القدر , وكثرة تعدد التسمية تدل على شرف المسمى كما قال تعالى { {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) } } الآيات [[ القدر: 1-2-3 ]]
وهي ليلة من بركاتها لو ظفر بها الإنسان -وهو عابد ربه لا من تمر عليه وهو نائم – ظفر بجزاءٍ خيرٌ من ألف شهر عبادةً , أفلا ينبغي أن نتعرض لهذه الرحمات والبركات والخيرات يعني أكثر من ثمانين سنة, فهي أكثر من غالب عمر الناس.
خامساً: ليلة القدر أي ينزل القدر عاما واحدا كما قال تعالى { {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5) } } [ الدخان:3- 5]
فهناك قدر مكتوب في اللوح المحفوظ وهناك قدر ينزل عاماً واحدا كما هو محل شاهدنا وهناك قدر يومي كما قال تعالى { {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} } [ الرحمن: 29 ]
أفليس فرصة غالية ثمينة لتدعوا ربك أن يثبت لك السعادة لك ولأولادك ليمحوا عنك وعن أولادك الشقاوة
أفليس فرصة ثمينة أن يسامحك الله ويرحمك في هذا الشهر المبارك لكونه إنما أنزل هذا القرآن في هذا الشهر المبارك للرحمة لأن الله سبحانه قال بعد هذه الآيات في أول سورة الدخان { {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } } [ الدخان:6] وقال تعالى { {وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ } } [ القصص : 86 ]
وقال تعالى { {وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} } [ القصص: 46 ]
سادساً: قوله تعالى { هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } هدى للناس أي حال كونه هدى للناس , فهو هدى للناس عامة مسلمهم وكافرهم بل بمجرد سماعه للكفار يتأثرون به ولو لم يفهموا ما يتكلم عنه باعجازه كما شوهد ذلك بكثير من الكفار .
بل حدث أن أبكى القرآن بمجرد سماعه أعتى الناس وألد أعدائه علج من العلوج في حبس أبي غريب معذبي عباد الله في دين الله كما روى لنا الصحفي صهيب.
علج من علوج (أبو غريب) يبكي من سماع القرآن:
وقد روى أحمد منصور مراسل الجزيرة في الفلوجة أيام حصارها رواية خلاصتها: أن الأمريكان عندما قبضوا على الصحفي في قناة الجزيرة صهيب الباز، وأودعوه في سجن (أبو غريب)، وبينما هو في جنباته يقرأ القرآن، ويتغنَّى به، إذ سمعه علجٌ من علوجها، وهو من كبار محققيها، وقال له: سمعتك أمس تردد بعض الترانيم، والأناشيد بصوت جميل، وأريد أن أسمعها منك مرةً أخرى، فقال له صهيب: هذه ليست أناشيد ولا ترانيم، ولكنه القرآن الكريم، صمت المحقق طويلاً، ثم قال له بتعجُّب: هل هذا هو القرآن؟ قال صهيب: نعم، فقال له المحقق: هل يمكن أن تتلو عليّ منه مرةً أخرى؟ يقول صهيب: فأخذت أتلو عليه بصوتي بعضًا من آيات القرآن، وبعد قليل بدأ يتأثَّر، ثم بكى رغم أنه لا يعرف اللغة العربية، فتوقفت حينما رأيته يبكي، فأشار ألا أتوقف، فأكملت ثم بعد قليل توقَّفت، وتوقف هو عن البكاء، ثم قال لي: لماذا أنت هنا؟ فرويت له قصتي، فقال لي: سأحاول جاهدًا أن أخرجك من هنا، لكن هذا الأمر سيستغرق مني بعض الوقت، وإلى أن يحين هذا سوف آتيك كل يوم؛ لتقرأ لي شيئًا من القرآن، وبالفعل تردد هذا المحقق عليّ عِدة مرات، وفي كل مرة كان يتكرَّر المشهد، ويبكي الرجل ثم يذهب، وفي يوم جاءني وقال: سوف تخرج؛ لقد نجحت في تسوية ملفك، وكان هذا بعد سبعة وسبعين يومًا قضيتها في معتقل (أبو غريب)، وبالفعل خرجت من المعتقل
انظر: "معركة الفلوجة، هزيمة أمريكا في العراق"؛ لأحمد منصور، ج1، ص (83). والعجيب وليس في أمر الله عجب, من المعلوم أن هؤلاء المحققين في سجن أبي غريب عُرٍفوا أنهم أقسى القساة في هذا العصر لما نكَّلوا وعذّبوا المسلمين بشتى ألوان التعذيبات والله حسيبهم, فإذا أثَّر فيهم القرآن بهذه الصورة البالغة حتى أبكاهم أياما متتالية فكيف الظن بك بالناس العاديين الآخرين.
أما { {وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ } } فهو للخاصة من العلماء, فهم الذين يستنبطون البينات من الهدى .
وأيضا فهو فرقان لهم أي للعلماء خاصة ليفرقوا به الحق والباطل والحلال والحرام والأمور المشتبهات والاجتهادية أيضا ,
والله أعلم .
الفقير إلى رحمة ربه وعفوه
عبد الفتاح آدم المقدشي
- التصنيف: