لآلئ مسند أحمد وفوائده...!
قال ابن عساكر الدمشقي رحمه الله: فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه - أي كتب الحديث - مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وهو كتاب نفيس، يُرغب في سماعه وتحصيله، ويرحل إليه
من أكبر مسانيد الإسلام، وأحسنها وأضخمها ، مطالعته تشعرك بالهيبة والقوة، وتعجب من كتابته وجمعه وغزارته ، ومؤلفه كما قال الحافظ الذهبي:( الإمام حقا ، وشيخ الإسلام صدقا ، أبو عبد الله ، أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني البغدادي ) توفي (٢٤١). رحمه الله ، وهنا مفاتيح وتنبيهات تجلي لآلئ ما فيه وعائدته على طلاب العلم :
١/ المسند الإمام : جعله مرجعاً للناس، وملاذا عند الاختلاف، روي عنه أنه قال: ( عملتُ هذا الكتاب إماما، إذا اختلفت الناس في سنة رسول الله ، رُجع إليه ).
قال ابن عساكر الدمشقي رحمه الله: ( فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه - أي كتب الحديث - مسند الإمام أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وهو كتاب نفيس، يُرغب في سماعه وتحصيله، ويرحل إليه، إذ كان مصنفه الإمام المقدم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم، مشهورا عند أرباب العلم ) .
قال ابن الجزري رحمه الله :
وإنّ كتابَ المسند البحر الرضي/ فتى حنبل للدين أية مسند ِ
هوى من حديث المصطفى كلَّ جوهر/ وجمّع فيه كل درٍّ منضدِ
فما من صحيح كالبخاريّ جامعا/ ولا مسند يلغى كمسندِ أحمدِ
٢/ مجموع منتقَى: فهو يشبه السنن من حيث الانتقاء والاحتجاج ، نقل عنه : ( إن هذا الكتاب قد جمعته وأتقنته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفًا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإن كان فيه، وإلا فليس بحجة ).
وتعقبه الذهبي : بأنه من باب الغالب...!
قال الناظم:
وأحمدٌ صنّفه كالجامعِ/ وقال ما سواه غير نافعِ
والذهبي تعقّب الكلاما/ وقال غالباً ولا ملاما
٣/ تعليمُه الأبناء : قال أبو بكر بن يعقوب المطّوّعي : ( اختلف إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل اثنتي عشرة سنة ، وهو يقرأ المسند على أولاده ).
٤/ كراهيته التصنيف : وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: ( وكان أحمد شديد الكراهة لتصنيف الكتب، وكان يُحِبُّ تجريد الحديث ، ويكره أن يُكتَب كلامه، ويشتدُّ عليه جدًا ). ولكنه آثر أن يكتب الحديث، لأنه من السنة وليس من كلامه .
٥/ أمالي لعبدالله : ذكر الحافظ الذهبي أن أحمد كان يُملي المسند على ابنه عبد الله، وأن عبد الله هو من اعتنى بالمسند، ورتبه وهذّبه، قال: ( وهذا المسند لم يصنفه هو، ولا رتبه ولا اعتنى بتهذيبه بل كان يرويه لولده نسخًا وأجزاءً ويأمره أن ضع هذا في مسند فلان وهذا في مسند فلان..).
٦/ منهجه : اشتمل المسند على الأحاديث المرفوعة، وهو الغالب في الكتاب، وعلى خلاف شرط المسانيد احتوى على قليل من المرسل وقليل من الموقوف على الصحابي، وقليل من المقطوع، مثل أقوال عطاء وعكرمة، كما اشتمل على بعض الآثار المروية في التفسير....!
٧/ درجة أحاديثه : المسانيد لا تهتم بصحة الحديث، وهو كذلك فهو لم يشترط الصحة، حيث قال ( قصدت في المسند الحديث المشهور، وتركت الناس تحت ستر الله تعالى، ولو أردت أن أقصد ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، ولكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث، لست أخالف ما ضعف ، إذا لم يكن في الباب ما يدفعه ).
خلافا لدعوى أبي موسى المديني أنه صحيح .
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: ( وأما قول الحافظ أبي موسى عن مسند الإمام أحمد: إنّه صحيح فقول ضعيف؛ فإنَّ فيه أحاديث ضعيفة، بل وموضوعة، كأحاديث فضائل مرو، وعسقلان، والبرث الأحمر عند حمص، وغير ذلك، كما بيَّنه عليه طائفة من الحفاظ ).
٨/ موقفه من الضعيف: قال أيضا: ( إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها تساهلنا في إسناده، وإذا جاء الحديث في الحدود والكفارات والفرائض ، تشددنا فيه ).
٩/ مقارنته بأبي داود: يرى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه أحسن من أبي داود إسناداً فقد قال:
( شرط أحمد في المسند أقوى من شرط أبي داود في سننه، وقد روى أبو داود عن رجال أعرض عنهم أحمد في المسند، كمن يُعرف أنه يكذب مثل محمد بن سعيد المصلوب ونحوه، ولكن قد يروي عن من يُضعَّف لسوء حفظه، فإنه يكتب حديثه ليعتضد به ويعتبر، وهذا يقتضي أن مسند أحمد أعلا شرطًا من سنن ابن ماجة، لأنها أدنى كتب السنن ).
١٠/ ترتيبه: مُرتب كباقي المسانيد على أحاديث الصحابة، حيث يحتوي مسند أحمد على (١٨) مسندًا، افتتحه بمسند العشرة المبشرين بالجنة، فبقية الصحابة المكثرين، ثم مسند المدنيين، ثم الشاميين والكوفيين والبصريين، ثم مسند النساء، فبدأ بحديث عائشة بنت أبي بكر لأنها الأكثر رواية، وفيه مسند القبائل، ويبدو عدم التريب، وأنه مات رحمه الله قبل أن يرتب وينقح ...
١١/ تعداده: اختُلف في ذلك ،قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله:( والكتاب كبير العدد والحجم، مشهور عند أرباب العلم، تبلغ عدد أحاديثه ثلاثين ألفًا سوى المعاد، وغير ما ألحق به ابنه عبد الله من عالي الإسناد )، ويقول الشيخ أحمد شاكر:( هو على اليقين أكثر من ثلاثين ألفًا، وقد لا يبلغ الأربعين ألفًا ).
وعلى ترتيب مؤسسة الرسالة (٢٧٦٤٧) حديثاً بتحقيق الأستاذ الأرناؤوط رحمه الله وأعوانه، ، منها (٦٤٢) حديثًا من زوائد نجلِه عبد الله ...!
١٢/ ثلاثياته : فيه نحو (٣٠٠) حديث ثلاثي الإسناد، وهي ما كان إسناده على ثلاثة رواة فقط .
١٣/ قيمة الكتاب : قال ابن كثير الدمشقي رحمه الله: ( وكذلك يوجد في مسند الإمام أحمد ، من الأسانيد والمتون شيءٌ كثير مما يوازي كثيرًا من أحاديث مسلم، بل والبخاري أيضًا، وليست عندهما ولا عند أحدهما، بل ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الأربعة، وهم أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة ) ، وقال:( لا يوازي مسندَ أحمد، كتاب مسندٌ في كثرته، وحسن سياقاته ).
١٥/ الضعيف والموضوع: قطعا فيه أشياء مضعفة ومنكرة، واعترف بها الإمام، وأمر بالضرب عليها- أي حذفها- واختلف هل فيه موضوعات؟
قال الإمام الذهبي رحمه الله :( فيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ، ولكنها قطرة في بحر ).السير (11/329) .
وقال المحققون في طبعة الرسالة لمسند الإمام أحمد :
( وأقلّ ما يقوله المتمكن في هذا الفن ، بعد النظر في هذه الأحاديث وما أجاب به العلماء عنها : إنها بالغة الضعف ، وكثير منها يُعلم بطلان متونها بالبداهة ، فلا يمكن أن تشد أزرها تلك المتابعات والشواهد ). المسند (١/٧٧) طبعة مؤسسة الرسالة .
والأحاديث التي حكم عليها في هذه الطبعة بأنها " شبه موضوع " ثمانية أحاديث.
وصرح المحققون على حديث واحد فقط بأنه (موضوع) ، وهو حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (عَسْقَلَانُ أَحَدُ الْعَرُوسَيْنِ ، يُبْعَثُ مِنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا لَا حِسَابَ عَلَيْهِمْ ...).
قال الحافظ: ( ليس في المسند حديث لا أصل له، إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة ، منها حديث عبد الرحمن بن عوف أنه يدخل الجنة زحفا ، والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا ، أو ضرب وكتب من تحت الضرب ). تدريب الراوي (١/١٧٣) .
وقال في تعجيل المنفعة:( والحق أن أحاديثه غالبها جياد ، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات ، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد ، أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئا فشيئا ، وبقي منها بعده بقية ، وقد ادعى قوم أن فيه أحاديث موضوعات...لا يتأتى القطع بالوضع في شيء منها ، بل ولا الحكم بكون واحد منها موضوعا ، إلا الفرد النادر ، مع الاحتمال القوى في دفع ذلك..).
١٦/ قبوله وقابليته : قال أبو الفرج ابن الجوزي رحمه الله: ( صح عند الإمام أحمد من الأحاديث سبعمائة ألف وخمسين ألفًا، والمراد بهذه الأعداد الطرق لا المتون، أخرج منها مسنده المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول والتكريم، وجعلوه حجة يُرجع إليه ويُعول عند الاختلاف عليه ).
١٧/ ترتيبه فقهيا : كونه مسند يشق البحث فيه ولاستخراج الفائدة منه، حتى عمد إليه الشيخ المحدث أحمد بن عبد الرحمن البنا الساعاتي رحمه الله بهمة عالية، ففرزه فرزا، ونحته نحتا، حتى قربه للناس في أبواب ومعالم، وسماه( الفتح الرباني بترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني ) وطبع في (٢٢) جزءا كبيرا، مشروحا طباعة ( دار إحياء التراث العربي ) وأصبحت هي كالتالي في سبعة أقسام:
١- قسم التوحيد: وذكر فيه ما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم من أحاديث تختص بأمور العقيدة .
٢- قسم الفقه بفروعه المختلفة من طهارة وصلاة...
٣- قسم التفسير: وما يختص بالقرآن وفضائله.
٤- قسم الترغيب : وأحاديث الفضائل والمرغبات.
٥- قسم الترهيب : والتخويف مما يفعله الإنسان من الكبائر والذنوب. ٦- قسم التاريخ : وما كان من خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، والكلام عن سيرة النبى صلى الله عليه وسلم ومناقب الصحابة وغيرها .
٧- قسم ذكر أحوال الآخرة : والفتن والملاحم والجنة والنار..
فأجاد فيه وجود، ثم أتبعه بشرح رائق مفيد، عنوَنه ( بلوغ الأماني بأسرار الفتح الرباني ) .
١٨/ شروحاته : لطوله وأسانيده لم يخدم فقهيا بالشرح، إلا ما كان من :
• حاشية موجزة للشيخ السندي رحمه الله، من إصدارات الأوقاف القطرية (١٤٢٨)هـ .
• بلوغ الأماني المتقدم ذكره للشيخ البنا الساعاتي رحمه الله.
• شرح ثلاثياته للسفاريني رحمه الله .وسماه( نفثات صدر المكمد..)
• وخرّج أحاديثه الشيخ المحدث أحمد شاكر رحمه الله مع تعليقات على أجزاء منه، وعمل فيه قبل مؤسسة الرسالة، ويحتوي عمله على روائع من النقد الحديثي، ولو عُرف بتساهله رحمه الله .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل...
- التصنيف: