الخصومة مع العلم...!
قال تعالى: (( {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } )) [سورة البقرة]
تعجب غاية العجب، ولا ينفك عنك الاندهاش، من جراء ممارسات أقوام، يدّعون محبة الخير، ونشر الفضيلة، وتعميم الهداية، وإصلاح المجتمع وبناء الشباب،.... وهم من العلم الشرعي في موقف، أو بينهم شحناء، وليس من أولوياتهم، او أصول دعوتهم...!
بل أصول دعوتهم تنافي العلم، وتكتفي بشذرات معدودات، لا تخلو من ثغرات وفلتات،،،! ويعولون غالبا على دعوة عامة، وهداية فضفاضة، تفتقر دائما للدقة والتعميق...!
بل إن بعض مناهجهم الدعوية بلا منهج، وفي جفوة مع العلم الشرعي والفكر الدعوي...!
برغم قوله تعالى(( {فاعلم أنه لا إله إلا الله} )) [سورة محمد] . واستنباط الامام البخاري رحمه الله: (باب العلم قبل القول والعمل) إلا انهم لا يكترثون لذلك كثيرا، لكأنه خطاب قديم ليس لهم،،!
ويتعامون عن البصيرة الدعوية في قوله جل وعلا(( {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة} )) [سورة يوسف] .
وهي مستندة على العلم..!
ويعولون أيضا على ترفيه موسع، ومجالس تجميع فارغة، لا تنقي ولا تنتقي او تنتخب، بحيث يفرز الشباب، وتوزع الهموم والطاقات، وتكتشف المواهب والإبداعات،،،،!
رغم قول القرآن : (( { قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولوا الألباب} )) [سورة الزمر] .
وهو ما تعانيه الدعوة في غالب المناطق، من جراء حكرهم في مكان واحد، او حصارهم في نطاق محدد،،.؟
من نحو ملء فراغ المؤسسات، وبلا تأسيس شرعي او فكري، او جعلهم عناصر حركيّة موالية، بلا ترسيخ روحي ودعوي.، او مجموعة مريدين لايفقهون مسيرتهم ..!
لكن صناعة طالب علم متقن..
أو امام مسجد واع..
أو خطيب صداح مؤثر...
أو انتاج فَقِيه متمرس، وتربوي قائد....!
أو باحث ومفكر عزيز...!
فلا يكاد يطرأ في الاذهان، أو تتعشقه الأرواح ...!
لانعدام الفقه الشرعي المعمق، وخفاء الرؤية الدعوية والتربوية، والتي تبني وترسم وتستشرف.....!
ولذلك كأنهم في خصومة سلبية وعجيبة من العلم، وأدواته ومناحيه وطرائقه وثمراته.،..!
لا يهتمون بِه او يحفلون بأهله وحملته،،،،!
وهم صنوف واتجاهات:
١/ دعويون بالعموم: مقاصد عامة، ونصوص تذكيرية، تتلمس هداية الناس، ولا تقف بهم على اسرار النص، وفقه الدليل، وتحبيب الشرائع، حتى يخرج منهم محب او متخصص...!
٢/ وعاظ مشفقون: هدفهم صنع التوبة، والانتشال من براثن المعصية، وتكثير قوافل التائبين،،،! وهو مقصد سام، ولكن لماذا لا يضاف للتوبة صناعة الطلاب الجادين، والشباب العاملين،. والفتيان الحاذقين...؟!
٣/ موسسات فضفاضة: تركز على مناشط محدودة، ووسائل تقليدية مطروقة، ولا تضطلع ببرامج جادة، او مشاريع بنائية تأصيلية، وينتج منها محبون للدعوة، ولكن ليسوا بعاملين أشداء، ولا متفقهين اوفياء..!
وتلقى في مناشطهم كل تنوع وتفنن، الا العلم،،! فبلا تفنن وتحتم وتنور،...!
٤/ انفصاليون: ينأون بالدعوة عن العلم، ويجسدون مشكلة بينهما، وأنهما في تعارض وشقاق دائمين...!
وهذا ناتج من قلة الفقه، وضعف التجربة، بحيث يعتقدون قيام الدعوة بلا فقه وحكمة، او سيادتها بلا تعمق وتأصيل، او تمكينها بلا دراية شرعية متناهية،،،!
وهو شئ عجيب...!
ولربما اعترفوا بالحكمة الدعوية، وتجاهلوا بأنها ناتج العلم وثمرته ولا تحصل بلا فقه وعقل شرعيين دائبين...!
قال تعالى: (( {يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا } )) [سورة البقرة] .
٥/ حركيون مندفعون: يتخللهم الجهل، ويعبث بهم التسطيح، وتغتالهم البساطة، وكم من محب للخير لم يبلغه، والواجب اتصالهم بالعلماء، ودنوهم من المؤسسات العلمية البارزة، لئلا يحصل الخلل، ويتفاقم التلبيس...!
٦/ عاطفيون جاذبون: بحسن كلمة، او نداوة خلق، او طيابة روح...!
وما أجمل ان يُقرن ذلك بالعلم، الصانع للفهم ودقة التفكير،،!
ولكن لهوان تربيتهم وموقفهم المشوه من العلم، اعتقدوا كفاية العاطفة تربويا فعولوا عليها تعويلا عريضا، حتى بات العلم الشرعي غريبا بين ظهرانيهم، مزهودا فيه، منحّى حملته، واكتفوا بأداء عاطفي، لايصال الخير الى الناس والناشئة، ونما عندهم صعوبة العلم وعدم الحاجة اليه، وان الدعوة تقوم بسواه...!!
فانضوى تحت تلك الفكرة أفراد وناشئة متنوعون، مختلفون مع العلم، والتفت الدعوة على اخطاء وتجاوزات، لا تزال تعيش ضراءها الى الآن...!
لا تصلح استقامة شبابنا بلا قران وسنة، وفتح آفاق العلم لهم، وان حبك للدعوة لا يخليك من مسؤولية التحصين المبدئي، من تقلبات الحياة ومفاتنها...!
بتحفظ شئ من القران والسنة، وتوجيه الحذاق الى ذلك، ومن مالت به همته اليه دعمناه وشجعناه...!
ولنعتقد جميعا تفاوت الشباب واختلاف مواهبهم وميولاتهم، وانه لا يحق لنا اختزالهم في طريق واحد، او محطة واحدة، فنجني على الدعوة، ونجني عليهم ...!
وتجرد الأموال الباذخة في مهرجانات وملتقيات شعبية لا باس بها، ولكن على حساب الدروس العلمية، والمناهج الفقهية، والتي يعرو عنها برنامجهم السنوي او خطتهم الخمسية..!
وكان لذلك التوجه وتلكم الخصومة اثار شنيعة على الدعوة والتربية منها:
١/ اعتقاد صعوبة العلم، وعدم صلاحيته لبعض البيئات .
٢/ خروج أجيال غير مهتمة بالعلم وفقهه والتعمق فيه.
٣/ توالي الأخطاء الدعوية والتربوية، لانعدام القاعدة العلمية الرشيدة .
٤/ خلط المواهب، وقلب التوجهات بما لاينفع شبابنا وأبناؤنا .
٥/ صنع حاجز حقيقي بين العلم والدعوة،..! بعد أن كان وهميا، ويمكن ازالته بات يستند لقناعات لا يزيلها الا التثقيف المستدام ، وهذا يكلف عناء وجهدا طويلا..!
٦/ غلبة الجهل على الممارسات الدعوية والسلوكية من جراء فقدان العلم وتوهجاته وإشعاعاته..!
٧/ غياب المراجع الشبابية والمتخصصة في العلم وتقريبه من اخوانهم ، وحمل النوعيات الجادة على شبه ذلك.
٨/ التركيز على نمط دعوي محدد ومبسط، يستند على مقدمات ناقصة، وتصورات مغلوطة، وروائح إيمانية لا تلامس الجسد الإيماني المبرهن والمتقن..!
وليس قولنا ذلك ذما للمناهج الدعوية الأخرى، ولكنها دعوة للتنبه والتكامل، وتصدير العلم وعدم تهميشه او إلغائه...!
وإلا فالأمر كما الامام مالك بن أنس رحمه الله من حيث الفتح والميل والتوفيق من الله،،..: فيروى أنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيَّ العابد كَتَبَ إِلَى مَالِكٍ يحضه عَلَى الانْفِرَادِ وَالْعَمَلِ، ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم، فَكَتَبَ إِلَيْهِ مَالِكٌ : إِنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الأَعْمَالَ كَمَا قَسَّمَ الأَرْزَاقَ، فَرُبَّ رَجُلٍ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّلاةِ وَلَمْ يفتح لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الصَّدَقَةِ، وَلَمْ يُفْتَحْ لَهُ فِي الصَّوْمِ، وَآخَرَ فُتِحَ لَهُ فِي الْجِهَادِ، ولم يفتح له في الصلاة، وَنَشْرِ الْعِلْمِ وتعليمه مِنْ أَفْضَلِ أعْمَالِ البرّ، وَقَدْ رَضِيتُ بمَا فُتِحَ الله لِي فِيهِ من ذلك، وَمَا أَظن مَا أَنَا فِيهِ بِدُونِ مَا أَنْتَ فِيهِ، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ كِلانَا عَلَى خير وبر ، ويجب على كلِّ واحدٍ منَّا أن يرضى بما قُسِمَ له، والسلام .
وتعظم الحاجة للعلم، أنه فاتحة القول، وعمدة المسار، واصل الدعوة وفي الحديث عند الترمذي قال صلى الله عليه وسلم :(( «فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم، وإن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير» )).
والله الموفق...
- التصنيف: