فوائد من كتاب التبيان في أيمان القرآن(1-3)

منذ 2019-10-15

وكما هي عادة العلامة ابن القيم رحمه الله فقد سال قلمه بالكثير الكثير من الكنوز والفوائد في مواضيع شتى, وقد يسّر الله الكريم فاخترتُ شيئاً من تلك الفوائد, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن مصنفات العلامة ابن القيم رحمة الله كتابه الموسوم بـ : " التبيان في أيمان القرآن " تكلم فيه عن الأيمان والأقسام الواردة في القرآن الكريم, قال رحمه الله في مقدمة كتابه: فهذا كتاب صغير الحجم, كبير النفع, فيما وقع في القرآن العزيز من الأيمان والأقسام, والكلام عليها يميناً, وارتباطها بالمقسم عليه, وذكر أجوبة القَسَم المذكورة والمقدَّرة, وأسرار هذه الأقسام, فإن لها شاناً عظيماً يعرفه الواقف عليه في هذا الكتاب.

وكما هي عادة العلامة ابن القيم رحمه الله فقد سال قلمه بالكثير الكثير من الكنوز والفوائد في مواضيع شتى, وقد يسّر الله الكريم فاخترتُ شيئاً من تلك الفوائد, أسأل الله أن ينفع بها, ويبارك فيها.

النفسُ المعطيةُ:

النفسُ المعطيةُ هي النفَّاعةُ المحسنة, التي طبعُها الإحسان وإعطاءُ الخير اللازم والمتعدي, فتعطى خيرها لنفسها ولغيرها, فهي بمنزلة " العين" التي ينتفع الناس بشربهم منها, وسقي دوابهم وأنعامهم وزروعهم, فهم ينتفعون بها كيف شاءوا, فهي ميسرة لذلك, وهكذا الرجل المُباركُ ميسر للنفع حيث حلُّ, فجزاء هذا أن ييسره الله لليسرى كما كانت نفسه ميسرةً للعطاء.

النفس اللوامة:

كل نفس لوامه, فالنفس السعيدة تلوم على فعل الشر, وترك الخير, فتبادر إلى التوبة, والنفس الشقية بالضد من ذلك.

ونبه سبحانه بكونها لوامة على شدة حاجتها وفاقتها وضرورتها إلى من يُعرِّفُها الخير والشَّرَّ, ويُرشدُها إليه, ويُلهمها إياه, فيجعلها مريدة للخير مُؤثرة له, كارهة للشر مُجانبة له.

المتقى ميسر عليه أمور دنياه وآخرته: 

المتقى ميسر عليه أمور دنياه وآخرته, وتارك التقوى وإن يُسرت عليه بعض أمور دنياه تعسر عليه من أمور آخرته بحسب ما تركه من التقوى, وأمًّا تيسير ما تيسر عليه من أمور الدنيا فلو اتقى الله تعالى لكان تيسيرها عليه أتمُّ, ولو قُدر أنها لم تُيسر له فقد يسر الله له من الدنيا ما هو أنفع له مما ناله بغير التقوى, فإن طيب العيش, ونعيم القلب, ولذة الروح وفرحها وابتهاجها من أعظم نعيم الدنيا,//

وهو أجلُّ من نعيم أرباب الدنيا بالشهوات واللذات, ونعيم أهل التقوى بالطاعات والقربات أعظم وأجلُّ.   

حقيقة اليسرى:

وحقيقة اليسرى أنها الخلة والحالة السهلةُ النافعةُ الواقعة له, وهي ضد العُسرى, وذلك يتضمن تيسيره للخير وأسبابه, فيُجري الخير ويُيسِّرُه على قلبه, ونيته, ولسانه, وجوارحه, فتصير  خصالُ الخير وأسبابه ميسرة عليه, مذللة له, مُنقادة لا تستعصي عليه, ولا تستصعب, لأنه مُهيأ لها, ميسر لفعلها, يسلك سُبلها ذُلُلاً, وتنقاد له علماً وعملاً.  

اقتران اسم "الودود" بـ"الرحيم" وبـ"الغفور"

"الودود" المتودد إلى عباده بنعمه, الذي يودُّ من تاب إليه وأقبل عليه وهو "الودود" أيضاً أي: المحبوب, قال البخاري في صحيحه: "الودود" الحبيب.

والتحقيق: أن اللفظ يدلُّ على الأمرين, على كونه واداً لأوليائه مودوداً لهم,...فهو الحبيب المحبُّ لأوليائه, يحبهم ويحبونه.

وما ألطف اقتران اسم "الودود" بـ"الرحيم" وبـ"الغفور" فإن الرجل قد يغفر لمن أساء إليه ولا يحبُّه, وكذلك قد يرحم من لا يحبُّه, والرب تعالى يغفر لعبده إذا تاب إليه, ويرحمه, ويحبه مع ذلك, فإنه يحب التوابين, وإذا تاب إليه عبدُهُ أحبهُ ولو كان منه ما كان. 

لطيفة في التعبير عن الأعمال بالسِّرِّ:

قال تعالى:{يوم تبلى السرائر}  أي: تختبر السرائر, قال مقاتل: تظهر وتبدو.

وفي التعبير عن الأعمال بـ" السِّرِّ" لطيفة, وهي أن الأعمال نتائج السرائر الباطنة, فمن كانت سريرته صالحة كان عمله صالحاً, فتبدو سريرته على وجهه نوراً وإشراقاً وحسناً, ومن كانت سريرته فاسدة كان عمله تابعاً لسريرته – لا باعتبار صورته- فتبدو سريرته على وجهه سواداً وظلمة وشيناً.

انتشار الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل والأرواح الإنسانية عند إقبال النهار

شُرع عند إقبال الليل وإدبار النهار ذكر الرب تعالى بصلاة المغرب...كما شُرع ذكر الله بصلاة الفجر عند إدبار الليل وإقبال النهار.

ولمَّا كان الرب تبارك وتعالى يُحدثُ عند كل واحدٍ من طرفي إقبال الليل والنهار وإدبارهما ما يحدثه, ويبثُّ من خلقه ما يشاء, فينشر الأرواح الشيطانية عند إقبال الليل, وينشر الأرواح الإنسانية عند إقبال النهار, فيُحدث هذا الانتشار في العالم أثره شرَعَ سبحانه في هذين الوقتين هاتيت الصلاتين العظيمتين.

جمال الظاهر والباطن:

قال تعالى: {لا أقسم بيوم القيامة * ولا أقسم بالنفس اللوامة } [القيامة:1-2]

من أسرار هذه السورة أنه سبحانه جمع فيها لأوليائه بين جمال الظاهر والباطن, فزيَّن وجوههم بالنضرة, وبواطنهم بالنظر إليه, فلا أجمل لبواطنهم, ولا أنعم, ولا أحلى, من النظر إليه, ولا أجمل لظواهرهم من نضرة الوجه, وهي إشراقه تنحسينه وبهجته, وهذا كما قال في موضع آخر:{ولقاهم نضرةً وسروراً} [الإنسان:11]

قلم التعبير:

القلم التاسع: قلمُ التعبير, وهو كاتبُ وحي المنام, وتفسيره, وتعبيره, وما أُريد به, وهو قلم شريف جليل, مترجم للوحي المنامي, كاشف له, وهو من الأقلام التي تصلح للدنيا والدين, وهو يعتمد على طهارة صاحبه, ونزاهتهُ, وأمانته, وتحرِّيه للصدق, وللطرائق الحميدة, والمناهج السديدة, مع علم راسخ, وصفاء باطن, وحسٍّ مُؤيدٍ بالنور الإلهي, ومعرفةٍ بأحوال الخلق, وهيئاتهم, وسيرهم.  

قلم الرد على المُبطلين:

القلم الثاني عشر: القلم الجامع, وهو قلم الردُّ على المُبطلين, ورفعِ سُنة المحقين, وكشفِ أباطيل المبطلين على اختلاف أنواعها وأجناسها, وبيان تناقضهم, وتهافتهم, وخروجهم عن الحق, ودخولهم في الباطل.

وهذا القلمُ في الأقلام نظير الملوك في الأنام, وأصحابه أهلُ الحجة الناصرون لما جاءت به الرسل, المحاربون لأعدائهم, وهم الداعون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة, المجادلون لمن خرج عن سبيله بأنواع الجدال, وأصحاب هذا القلم حرب لكل مُبطل, عدو لكل مخالف للرسل.   

الرياح من أعظم آيات الرب, الدَّالة على عظمته, وربوبيته, وقدرته:

في الرياح من العبر: هُبُوبها, وسُكونها, ولينها, وشدتها, واختلاف طبائعها وصفاتها ومهابها, وتصريفها, وتنوع منافعها, وشدة الحاجة إليها.

فللمطر خمس رياح: ريح تنشر سحابه, وريح تؤلف بينه, وريح تلقحه, وريح تسوقه حيث يريد الله, وريح تذرو ماءه وتفرقه.

وللنبات ريح, وللسفن ريح, وللرحمة ريح, وللعذاب ريح, إلى غير ذلك من أنواع الرياح, وذلك يقضي بوجود خالقٍ مصرفٍ لها, مُدبر لها, ويصرفها كيف يشاء, ويجعلها رُخاءً تارةً, وعاصفةً تارةً, ورحمةً تارةً, وعذاباً تارةً.

وهي مع قوتها ألطف شيءٍ, وأقبلُ المخلوقات لكل كيفية, سريعة التأثر والتأثير, لطيفة المسارب, بحر بين السماء والأرض.

تحمل الأصوات إلى الآذان, والرائحة إلى الأنف, والسحاب إلى الأرض الجُرُز.

وهي من روح الله تأتي بالرحمة, ومن عقوبته تأتي بالعذاب, وهي أقوى خلق الله.

...فالرياح من أعظم آيات الرب, الدَّالة على عظمته, وربوبيته, وقدرته.

خطورة اللسان:

جعل سبحانه على اللسان: غلقين, أحدهما: الأسنان, والثاني: الفم...وجعل على العين غطاءً واحداً, ولم يجعل على الأذن غطاءً, وذلك لخطر اللسان, وشرفه, وخطر حركاته.

وفي ذلك من اللطائف: أن آفة الكلام أكثر من آفة النظر, وآفة النظر أكثر من آفة السمع, فجعل للأكثر آفاتٍ طبقتين, وللمتوسط طبقاً واحداً, وجعل الأقلَّ آفةً بلا طبق.

  • 0
  • 1
  • 2,144

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً