السعادة في معاملة الناس (3-3)
ومقابلة الإساءة بما هو أحسن، يحتاج لصبر ومجاهدة، إذ إن النفوس تُحبُّ الانتقام ممن أساء إليها، لكن من تذكر الثواب من الله، ومحبة الناس له، هان عليه ذلك.
الحذر من الخصال التي تجعل الإنسان من شر الناس فيبغضه الناس
كل عاقل يرغب أن يكون من خير الناس ولا يرغب أن يكون من شر الناس، وشر الناس من طال عمره وساء عمله، فعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(شرّ الناس من طال عمره وساء عمله)» [أخرجه الترمذي]
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كتبت أم المؤمنين عائشة إلى معاوية رضي الله عنهم: أما بعد: فإن العبد إذا عمل بمعصية الله، عاد حامدهُ من الناس ذاماً، وعن سالم بن أبي الجعد عن أبي الدرداء قال: ليحذ امرؤ أن تعلنه قلوب المؤمنين، من حيث لا يشعر، ثم قال: أتدري مم هذا؟ قلتُ: لا قال: إن العبد يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله بغضة في قلوب المؤمنين، من حيث لا يشعر.
وهناك خصال ينبغي أن يحذر منها العبد لئلا يكون من شر الناس ومن هذه الخصال
ألا يرجى منه خير وأن يُخافُ من شره:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(شرُّكم من لا يرجى خيره ولا يؤمن شرُّه)» [أخرجه أحمد] ومن لا يرجي إحسانه، ولا يؤمن شره، فهو مكروه عند الناس.
أن يكون مفسداً بين الناس ويمشي بينهم بالنميمة:
عن أسماء بنت يزيد سكن الأنصاري رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(ألا أخبركم بشراركم؟) قالوا: بلى قال: (فشراركم المفسدون بين الأحبة المشاؤون بالنميمة الباغون البراء العنت)» [ أخرجه أحمد] والنمام من ينقل كلام بعض الناس لبعض بقصد الإفساد بينهم، والناس لا يحبون النمام ويكرهونه.
أن يكون ممن يُكرم اتقاء شره، لا محبة فيه:
فعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنهم أخبرتهُ: «أن رجلاً استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ائذنوا له، بئس ابن العشير، أو بئس أخو العشيرة ) فلما دخل عليه ألان له القول، فلما خرج، قالت عائشة: قلت له الذي قُلت، ثم ألنت له القول، فقال: ( أي عائشة شر الناس منزلة عند الله يوم القيامة، من ودعه الناس، أو تركه الناس، اتقاء فحشه )» [متفق عليه] وفي لفظ: «إن من شرار الناس، أو شر الناس الذين يكرمون اتقاء شرهم» [أخرجه أحمد]
أن يكون ممن يكثر من الكلام بدون فائدة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(ألا أُنبئكم بشراركم؟ الثرثارون المتشدقون) » [أخرجه أحمد] قال الإمام المناوي رحمه الله: الثرثارون: الذين يكثرون الكلام تكلفاً وتشدقاً.. والمتشدقون الذين يتكلمون بأشداقهم ويتمقعرون في مخاطبتهم"
والناس لا يحبون الثرثار الذي يكثر من الكلام بدون فائدة.
أن يكون صاحب وجهين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «(إن من شرٍّ الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجهٍ وهؤلاء بوجه)» [أخرجه مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: المراد من يأتي كل طائفة ويُظهرُ أنه منهم، ومخالف للآخرين مبغض، قال الإمام الأُبي رحمه الله: يفعل ذلك على غير الإصلاح، بل في الباطل والإفساد بالكذب، يزين لكل فعله، قال القاضي عياض رحمه الله: وهذا فيما ليس طريقه الإصلاح والخير، بل في الباطل والكذب، وتزينه لكل طائفة عملها، وتقبيحه عند الأخرى، وذم كل واحدة عند الأخرى"
أعمال تجلب محبة الناس ومودتهم:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: الإنسان لا حرج عليه أن يطلب محبة الناس، أي أن يحبوه، سواء كانوا مسلمين أو كفار، حتى نقول: لا حرج عليه أن يطلب محبة الكفار له، لأن الله عز وجل قال: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يُقاتلونكم في الدين ولم يُخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتُقسطوا إليهم} [الممتحنة:8] ومن المعلوم أنه إذا برهم بالهدايا أو الصدقات فسوف يُحبّونه، والمحذور أن تحبهم أنت"
لقد جاءت النصوص أعمال من قام بها، جلبت له محبة الناس ومودتهم، ومنها:
الإيمان وعمل الصالحات:
قال الله عز وجل: { {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن وُدًّا} } [سورة مريم/96] قال ابن عباس رضي الله عنه: يُحبهم ويحببهم إلى عباده، قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: أي في قلوب عباده، وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: يخبر تعالى أنه يغرس لعباده المؤمنين، الذين يعملون الصالحات، وهي الأعمال التي ترضي الله عز وجل، لمتابعتها الشريعة المحمدية، يغرس لهم في قلوب عباده الصالحين، محبة، ومودة، وهذا أمر لا بد منه، ولا محيد عنه، وقد وردت بذلك الأحاديث الصحيحة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال العلامة السعدي رحمه الله: هذا من نعمه على عباده، الذين جمعوا بين الإيمان والعمل الصالح، أن يجعل لهم وداً، أي: محبة ووداداً في قلوب أوليائه، وأهل السماء والأرض.... وإنما جعل الله لهم وداً، لأنهم ودّوه، فوددهم إلى أوليائه وأحبائه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «(إن الله سبحانه وتعالى إذا أحبَّ عبداً نادي جبريل: إن الله قد أحبَّ فلاناً فأحبه فيُحبهُ جبريل ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله قد أحبَّ فلاناً فأحبوه فيُحبُّهُ أهل السماء ويوضعُ له القبول في الأرض)» [متفق عليه]
مقابلة الإساءة بما هو أحسن
قال عز وجل: { {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} } [سورة فصلت/34] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: إذا أساء إليك إنسان، فلا تقابله بإساءةٍ، ولا تُقابله بحسنةٍ أيضاً، بل قابله بما هو أحسن...فإذا دفعت بالتي هي أحسن فاجأتك هذه الحال، وهي أن تنقلب عداوة الشخص الذي أساء إليك، فيصيرُ كأنه ولي حميم، يعنى صديقاً قريباً...لا تستبعد، هذه الأمور بيد الله، وكم من عدوٍّ انقلب صديقاً، وصديق انقلب عدواً.
وقال العلامة السعدي رحمه الله: أي إذا أساء إليك مسيء، من الخلق خصوصاً من له حق عليك، كالأقارب، والأصحاب، ونحوهم، إساءة بالقول، أو بالفعل، فقابله بالإحسان إليه... فإذا قابلت الإساءة بالإحسان، حصل فائدة عظيمة.
سُرقت دراهم من ابن مسعود رضي الله عنه فجعل الناس يدعون على من سرقها، اللهم اقطع يد السارق، فقال: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك فيه، وإن كان حملته جرأة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه. قال رجل لعمرو بن العاص رضي الله عنه: والله لئن قلت لي كلمة لأقولن لك عشراً، قال له عمرو: وأنت لئن قلت لي عشراً لم أقل لك واحدة، وقال رجل لسالم بن عبدالله بن عمر: ما أراك إلا رجل سوء! فقال: ما أحسبك أبعدت، وذُكر أن رجلاً سب رجلاً وقال له: إياك أعني، فقال الآخر: وعنك أعرض.
ومقابلة الإساءة بما هو أحسن، يحتاج لصبر ومجاهدة، إذ إن النفوس تُحبُّ الانتقام ممن أساء إليها، لكن من تذكر الثواب من الله، ومحبة الناس له، هان عليه ذلك.
الزهد فيما في أيدي الناس:
عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: « جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، دلني على عمل إذا عملتُهُ، أحبني الله، وأحبني الناسُ، فقال: (ازهد في الدنيا، يُحبُك الله، وازهد فيما في أيدي الناس يُحبُك الناس)» [أخرجه ابن ماجه] قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: الزهد فيما في أيدي الناس.. مُوجب لمحبة الناس قال الحسن لا تزالُ كريماً على الناس أول لايزال الناس يكرمونك ما لم تعاط ما في أيديهم فإذا فعلت ذلك، استخفوا بك وكرهوا حديثك، وأبغضوك وقد تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالاستعفاف عن مسألة الناس والاستغناء عنهم فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب لنفوس بني آدم فمن طلب منهم ما يحبونه كرهوه لذلك، وأما من زهد فيما في أيدي الناس، وعفَّ عنهم، فإنهم يحبونه، ويكرمونه لذلك، ويسودُ به عليهم، كما قال أعرابي لأهل البصرة: من سيد أهل هذه القرية ؟قالوا: الحسن. قال: بما سادهم؟ قالوا: احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم
إفشاء السلام
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «(لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيءٍ إذ فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)» [أخرجه مسلم]
إهداء الناس وقبول هداياهم:
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «(تهادوا تحابوا)» [أخرجه أبو يعلى] وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «( تهادوا فإن الهدية تُذهبُ وغر الصدر )» [أخرجه أحمد] فالهدية جالبة للمحبة، وعن سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن صفوان بن أمية قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ [أخرجه مسلم]
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: