الانتهازيون
قال ابن القيم: " للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا، ومتى قصّرت عنه كان نقصا ومهانة ". الفوائد
بنداود رضواني
لا ضير أن يكون للمرء طموح في معاشه و أهداف في حياته...فذاك أمر فطر عليه ابتداء...
لكن أن يقعد بطموحاته و غاياته في سفاسف المطالب و يحبسها في توافه الأمور فذاك أمر منبوذ...
لأن من طبائع النفس السوية أنها تأبى حياة الهون، ولا ترضى بالدون...، تعيب الدعة، وتسفه الكسل...
تقول الشاعرة غادة السمان: " كم أرّقني طموح فراشة صمَّمت على التحليق مع النسور ".
لكن بالمقابل إذا تجاوز المرء الحد المطلوب للطموح فسيسلك بصاحبه مسالك الشر حتى يفضي به إلى البوائق والمهالك لامحالة، لأنه تعلق بما هو أكبر من مُكْنَته، واستولت عليه رغبات فوق طاقاته. قال ابن القيم: " للأخلاق حد متى جاوزته صارت عدوانا، ومتى قصّرت عنه كان نقصا ومهانة ". الفوائد/ الصفحة 196، فصل حدود الأخلاق.
و لشرود الإنسان عن فضيلة الطموح صور وأشكال كثيرة...، لكن أبرزها و أقبحها: الجموح نحو الانتهازية و الإنحراف في اتجاه الوصولية...
فما هي الإنتهازية ؟ ومنهم الإنتهازيون ؟
يعرف علم النفس الشخص الإنتهازي بالذي يضع نفسه في المقدمة من دون تردد أو خجل أو شعور بالذنب.
والظاهر أن هذا التعريف يبقى قاصرا في الإلمام بهذه الشخصية الماكرة. فأفضل راصد لسلوك الانتهازي هما واقع الأنام اليوم، وتاريخ السابقين والأقدمين.
من مواصفات الشخصية الانتهازية :
- أنها تحب المديح والظهور، و تقدس الأنا على حساب الأخلاق والقيم والمبرات...
- إنها مغرمة بالفيلسوف توماس هوبز صاحب مذهب النفعية، لذا - واقتداء به - فهي تدور مع المنفعة الشخصية حيث دارت، وتسير خلفها أنى سارت...
لا تعبأ السخصية الإنتهازبة بالغير، ولا تحمل هم الآخر....، بل لا تكثرت أن تطأ من تلاقيه في سبيل أهدافها الذاتية ومراميها الشخصية.
- في ساعات المغنم يكثر الإنتهازيون، لكن عند لحظات البذل والمغرم يتخلفون ويعتذرون... {يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَورَةٌ وَمَا هِيَ بِعَورَةٍ, إِن يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً} [الأحزاب/13] .
- الشخصية الإنتهازية ماهرة في تغيير جلدها وأقنعتها، تتقن فنون التملق و طرائق التزلف...
- الانتهازيون لا مشروعا يعيشون لأجله، و لا فكرة نبيلة يسعون إليها، إنهم غير جاهزين للتضحية بامتيازاتهم في سبيل أي مشروع أو فكرة أو مبدأ...
- الانتهازيون هم ورثة عبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين، ومدراء مدرسة النفاق الجدد...!!!
- من عيوب هذا الزمان وآفاته، أن لهم فيه شيوع وانتشار، لكن شر الإنتهازيين وأسوأ الوصوليين هم أولئك الذين جعلوا الدين والدعوة إلى الله مطية لأغراضهم الذاتية ومصالحهم الشخصية...
لكن ماهي نتيجة الانتهازية؟ وماهو مستقبل الإنتهازيين؟
إن نزاع الخير والشر الكامن في الإنسان يجعل الوصولي قلق النفس، متقلب المزاج، مضطرب الفؤاد، حذرا متوجسا، كئيبا حزينا...، خائفا من انكشاف أمره وافتضاح سريرته...
وبالفعل إن لم يتب ويعد عودا حميدا إلى الله، لن تنقضي أيامه حتى يعرف حاله بين الناس، وتظهر حقيقته على رؤوس الأشهاد.. ويصير منبوذا من القريب قبل البعيد...
إن الدنيا لمغرية، والفتن براقة، والملذات أخاذة، والطموحات كثيرة...، و ضبطها إنما يكون بالتجرد لله وابتغاء الدار الآخرة، وتهذيبها فيحصل بمنهج التوسط والاعتدال..
و الطريق إلى كل ذلك كامن في هدايات القرآن الكريم وبصائره، و آثار النبي الأمين وسنته صلى الله عليه وسلم.
- التصنيف: