فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة (2-2)

منذ 2019-12-09

فوائد من كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم

 

ذَوْقُ حلاوة القرآن بتدبر قراءته:

وبالجملة فلا شيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر فإنه ... يورث المحبة والشوق، والخوف والإنابة، والتوكل والرضا، والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله، وكذلك يزجُرُ عن جميع الصفات والأفعال المذمومة التي بها فساد القلب وهلاكه.

فلو علِم الناس ما في قراءة القرآن بالتدبر، لاشتغلوا بها عن كل ما سواها ... فقراءةُ آيةٍ بتفكرٍ وتفهُّمٍ خيرٌ من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة القرآن.

فرح التائب بتوبته:

التوبة توجب للتائب آثارًا عجيبةً ... منها: أن الله سبحانه يحبه ويفرح بتوبته أعظمَ فرحٍ، وقد تقرر أن الجزاء من جنس العمل، فلا ينسى الفرحة التي يظفر بها عند التوبة النصوح.

وتأمل كيف تجد القلب يرقص فرحًا وأنت لا تدري سببَ ذلك الفرح ما هو، وهذا أمر لا يُحِسُّ به إلا حييُّ القلب، وأما ميت القلب فإنما الفرح عند ظَفَرِه بالذنب ولا يعرف فرحًا غيره.

فوازِنْ إذًا بين هذين الفرحين، وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالذنب من أنواع الأحزان والهموم والغموم والمصائب، فمن يشتري فرحة ساعة بغمِّ الأبد؟ وانظر ما يعقبه فرح الظفر بالطاعة والتوبة النصوح من الانشراح الدائم والنعيم وطيب العيش، ووازن بين هذا وهذا، ثم اختَرْ ما يليق بك ويناسبك، وكلٌّ يعمل على شاكلته.

أهل الطاعة أهل النعمة المطلقة:

لو عرف أهل طاعة الله أنهم هم المُنعَمُ عليهم في الحقيقة، وأن لله عليهم من الشكر أضعاف ما على غيرهم وإن توسَّدوا الترابَ ومضغوا الحصى؛ فهم أهل النعمة المطلقة، وأنَّ مَن خلَّى الله بينه وبين معاصيه، فقد سقط من عينه وهان عليه، وأن ذلك ليس من كرامته على ربه، وإن وسَّع الله عليه في الدنيا ومدَّ له من أسبابها؛ فإنهم أهل الابتلاء على الحقيقة.

من آثر الراحة فاتته الراحة:

أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأن بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة والملذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذةَ لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلًا استراح طويلًا، وإذا تحمل مشقة ساعةً قادته لحياة الأبد، وكلُّ ما فيه أهل النعيم المقيم فهو ثمرة صبر ساعة.

فوائد متفرقة:

 المخلص لله إخلاصُه يمنع غلَّ قلبه ويُخرِجه ويزيله جملةً؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه، فلم يبقَ فيه موضع للغلِّ والغِشِّ.

 لا بد لكل نعمة من حاسد، ولكل حقٍّ من جاحد ومعاند.

 الحياء ... سببه كمال حياة القلب، وتصوُّره حقيقة القبح ونفرته منه، وضدُّه الوقاحةُ والفحش، وسببه موت القلب وعدم نفرته من القبيح.

 قلمٌ بلا علم حركةُ عابث.

 سُئل بعض العلماء عن عشق الصور، فقال: قلوب غفلت عن ذكر الله، فابتلاها بعبودية غيره

فالقلب الغُفْلُ مأوى الشيطان ... قد التقم قلب الغافل يقرأ عليه أنواع الوساوس والخيالات الباطلة.

 إذا كان القلب قاسيًا حجريًّا لا يقبل تزكيةً، ولا تؤثِّر فيه النصائح - لم ينتفع بكل علمٍ يعلمه؛ كما لا تنبت الأرض الصلبة ولو أصابها كلُّ مطر، وبُذر فيها كلُّ بَذْرٍ.

 العلم طعام القلب وشرابه ودواؤه، وحياته موقوفة على ذلك، فإذا فقد القلبُ العلمَ فهو ميت، ولكن لا يشعر بموته.

 التوفيق ألَّا يكِلَك الله إلى نفسك ... والخِذلان أن يخلَّيَ بينك وبين نفسك.

 اللذة بالمحبوب تضعُف وتقوى بحسب قوة الحب وضعفه، فكلما كان الحب أقوى كانت اللذة أعظم؛ ولهذا تعظُم لذةُ الظمآن بشرب الماء البارد بحسب شدة طلبه للماء وكذلك الجائع، وكذلك من أحب شيئًا كانت لذته على قدر حبِّه إياه.

 قيل: من عُرِض عليه حقٌّ فردَّه ولم يقبله، عُوقب بفساد قلبه وعقله ورأيه.

 الرجل إما أن يكون بصيرًا، أو أعمى متمسكًا ببصير يقوده، أو أعمى يسير بلا قائد.

 كلما طالت المخالطة ازدادت أسباب الشر والعداوة وقويت، وبهذا السبب كان الشر الحاصل من الأقارب والعُشراء أضعافَ الشر الحاصل من الأجانب والبعداء.

 محبة العلم من علامات السعادة، وبغض العلم من علامات الشقاوة، وهذا كله إنما هو في علم الرسل الذي جاؤوا به، وورَّثوه للأمة لا في كل ما يسمَّى عِلمًا.

 لا راحة للمؤمن دون لقاء ربه، والدنيا سجنه حقًّا؛ فلهذا تجد المؤمن بدنُهُ في الدنيا وروحُهُ في المحل الأعلى.

 المحب الصادق إن نطق نطق لله وبالله، وإن سكت سكت لله.

 العلم غِنًى بلا مال، وعزٌّ بلا عشيرة، وسلطان بلا رجال.

 من قواعد الشرع والحكم أيضًا أن من كثُرت حسناته وعظمُت، وكان له في الإسلام تأثير ظاهر - فإنه يُحتمل له ما لا يُحتمل لغيره، ويُعفى عنه ما لا يعفى عن غيره ... وهذا أمر معلوم عند الناس مستقر في فِطَرِهم: أن من له ألوف من الحسنات، فإنه يُسامَح بالسيئة والسيئتين ونحوها ... والله سبحانه يوازن يوم القيامة بين حسنات العبد وسيئاته، فأيهما غلب كان التأثير له.

 أحسن ما أُنفقت فيه الأنفاسُ التفكر في آيات الله وعجائب صنعه، والانتقال منها إلى تعلق القلب والهمة به دون شيء من مخلوقاته.

 كان شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: من فارق الدليل ضلَّ السبيل، ولا دليل إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

 قال سفيان الثوري: من أراد الدنيا والآخرة، فعليه بطلب العلم.

 قال بشر: لو فكر الناس في عظمة الله ما عصَوه.

 قيل: إذا استكمل العبد حقيقة اليقين، صار البلاء عنده نعمة والمحنة منحة.

 كان الحسن إذا رأى السحاب قال: في هذا والله رزقُكم، ولكنكم تُحرمونه بخطاياكم وذنوبكم.

 أزهد الناس في العالِم أهله وجيرانه، وأرغبهم فيه البعداء عنه.

 حرَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم كلَّ ذي نابٍ من السباع ومِخْلَبٍ من الطير؛ لضرره وعدوانه وشره، والمغتذي شبيه بالغاذي، فلو اغتذى بها الإنسان لصار فيه من أخلاقها وعدوانها وشرها ما يشابهها به؛ فحرم على الأمة أكلها.

 لو رأى العبد ما في البحر من ضروب الحيوانات والجواهر والأصناف التي لا يحصيها إلا الله، ولا يعرف الناس منها إلا الشيء القليل الذي لا نسبة له أصلًا إلى ما غاب عنهم - لرأى العجب، ولَعَلِمَ سَعةَ ملكِ الله وكثرة جنوده التي لا يعلمها إلا هو.

 الجزاء من جنس العمل؛ فمن عفا عفا الله عنه، ومن سامح أخاه في إساءته سامحه الله في إساءته، ومن أغضى وتجاوز تجاوز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه ... فالله عز وجل يعامل العبدَ في ذنوبه بمثل ما يعامل به العبدُ الناسَ في ذنوبهم.

فمن أحب أن يقابل اللهُ إساءته بالإحسان، فليقابل هو إساءة الناس إليه بالإحسان.

 تأمل هذا الخُلُقَ الذي خُصَّ به الإنسان دون جميع الحيوان؛ وهو خلق الحياء، الذي هو من أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصية الإنسانية؛ فمن لا حياء فيه، ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء.

 إذا كان للذنوب عقوبات ولا بد، فكلما عُوقب به العبد من ذلك قبل الموت خيرٌ له مما بعده وأيسر وأسهل كثيرًا.

 خُصَّ الذَّكَرُ بأن جمل وجهه باللحية وتوابعها؛ وقارًا وهيبة وجمالًا، وفصلًا عن سنِّ الصبا، وفرقًا بينه وبين الإناث.

 من بُلِيَ بالآفات صار من أعرف الناس بطرقها، وأمكنه أن يسُدَّها على نفسه وعلى من استنصحه من الناس، ومَن لم يستنصحه.

 من بنى أمره على ألَّا يقفَ عن ذنب، ولا يقدم خوفًا، ولا يَدَعَ لله شهوةً، وهو فرِحٌ مسرور يضحك ظهرًا لبطن إذا ظفر بالذنب - فهذا الذي يُخاف عليه أن يُحاَل بينه وبين التوبة ولا يُوفَّق لها.

 الله سبحانه إذا أراد بعبده خيرًا، أنساه رؤية طاعاته ورفعها من قلبه ولسانه ... فعلامة السعادة أن تكون حسنات العبد خلف ظهره وسيئاته نَصْبَ عينيه، وعلامة الشقاوة أن يجعل حسناته نصب عينيه وسيئاته خلف ظهره.

 شهود العبد ذنوبه وخطاياه توجب له ألَّا يرى لنفسه على أحد فضلًا ولا له على أحد حقًّا ... وإذا شهِد ذلك من نفسه، لم يرَ لها على الناس حقوقًا من الإكرام يتقاضاهم إياها ويذمهم على ترك القيام بها ... فيرى أن من سلَّم عليه أو لَقِيَهُ بوجه منبسط، فقد أحسن إليه وبذل له ما لا يستحقه، فاستراح هذا في نفسه، وأراح الناس من شكايته وغضبه على الوجود وأهله، فما أطيب عيشه! وما أنعم باله! وما أقر عينه!

 الله تعالى لا يتكرم عليه أحد وهو أكرم الأكرمين، فمن ترك لوجهه أمرًا أو فعله لوجهه، بذل الله له أضعاف ما تركه من ذلك الأمر أضعافًا مضاعفة، وجازاه بأضعاف ما فعله لأجله أضعافًا مضاعفة.

 لله سبحانه من الحِكم في ابتلائه أنبياءه ورسلَه وعبادَه المؤمنين ما تتقاصر عقول العالمين عن معرفته، وهل وصل من وصل إلى الغايات المحمودة والنهايات الفاضلة إلا على جسر المحنة والابتلاء؟

 طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وويل لمن نسيَ عيبه وتفرغ لعيوب الناس، هذا من علامة الشقاوة، كما أن الأول من أمارات السعادة.

 لمَّا كانت خاصة العقل النظرَ إلى العواقب والغايات، كان أعقل الناس أتركَهم لِما ترجحت مفسدته في العاقبة، وإن كانت فيه لذة ما ومنفعة يسيرة بالنسبة إلى مضرته.

 كثيرًا ما يقرِن تعالى بين هذين الاسمين (العزيز الحكيم) في آيات التشريع والتكوين والجزاء؛ ليدل عباده على أن مصدر ذلك كله عن حكمة بالغة وعزة قاهرة.

 الطِّيَرَةُ من الشرك وإلقاء الشيطان وتخويفه ووسوسته، يكبُر ويعظُم شأنها على من أتبعها نفسه واشتغل بها وأكثر العناية بها، وتذهب وتضمحل عمن لم يلتفت إليها ولا ألقى إليها بالًا ولا شغل بها نفسه وفكره ... والمتطير متعب القلب، منكد الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفًا، وأنكدهم عيشًا، وأضيقهم صدرًا، وأحزنهم قلبًا.

        كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

 

  • 7
  • -1
  • 4,831

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً