فوائد من عدّة الصابرين (3-4)

منذ 2019-12-18

فوائد من عدّة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم

 

ذكر ما ورد في الصبر من نصوص الكتاب العزيز

ونحن نذكر الأنواع التي سيق فيها الصبر, وهي عدة أنواع:

أحدها:الأمر به, كقوله: {وَاصبِر وَما صَبرُكَ إِلّا بِاللَّـهِ}  [النحل:127] {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ } [الطور:48]

الثاني: النهي عن ضده, كقوله:  {ولَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ}  [القلم:48]

الثالث: تعليق الفلاح به, كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّـهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}  [ آل عمران:200]

الرابع: الإخبار عن مضاعفة أجر الصابر على غيره, كقوله:  { أُولَـئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}  [القصص:54]

قال سليمان بن القاسم: " كل عمل يُعرف ثوابه إلا الصبر " قال الله تعالى:   {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] قال: كالماء المنهمر.

الخامس: تعليق الإمامة في الدين به وباليقين, قال الله تعالى:   {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}  [السجدة:24]

السادس: ظفرهم بمعية الله سبحانه لهم, قال تعالى:    {إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصّابِرين}  [الأنفال:46]

السابع: أنه جمع للصابرين ثلاثة أمور لم يجمعها لغيرهم, وهي الصلاة منه عليهم, ورحمته لهم, وهدايته إياهم, قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّـهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَـٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}    [البقرة:155-157]

الثامن: أنه سبحانه جعل الصبر عوناً وعدة وأمر بالاستعانة به, فقال:   {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ } [البقرة:45] فمن لا صبر له لا عون له.

التاسع: أنه سبحانه علّق النصر بالصبر والتقوى, فقال:   {بلَىٰ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ } [آل عمران:125]ولهذا قال النبي صلى الله عيه وسلم:  «واعلم أن النصر مع الصبر» 

العاشر: أنه سبحانه جعل الصبر والتقوى جُنة عظيمة من كيد العدو ومكره, فقال تعالى:   {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا }[آل عمران:120]

الحادي عشر: أنه سبحانه أخبر أن ملائكته تُسلم عليهم في الجنة بصبرهم, كما قال تعالى: {وَالمَلائِكَةُ يَدخُلونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بابٍ * سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ}  [الرعد:23-24]

الثاني عشر: أنه سبحانه أباح لهم أن يعاقبوا بمثل ما عُوقبوا به, ثم أقسم قسماً مؤكداً غاية التوكيد أن صبرهم خير لهم, فقال:   {وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصّابِرينَ  } [النحل:126]

الثالث عشر: أنه سبحانه رتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر والعمل الصالح, فقال {إِلَّا الَّذينَ صَبَروا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولـئِكَ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبيرٌ  }[هود:11]

الرابع عشر: أنه سبحانه جعل الصبر على المصائب من عزم الأمور, فقال:   {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ  [الشورى:43]

الخامس عشر: أنه سبحانه وعد المؤمنين بالنصر والظفر, وهي كلمته التي سبقت لهم, فقال تعالى   {وتَمَّت كَلِمَتُ رَبِّكَ الحُسنى عَلى بَني إِسرائيلَ بِما صَبَروا}   [الأعراف:137]

السادس عشر: أنه سبحانه علق محبته بالصبر, وجعلها لأهله, فقال تعالى:   {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّـهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ }  [آل عمران:146]

السابع عشر: أنه أخبر عن خصال الخير أنه لا يلقاها إلا الصابرون, في سورة القصص في قصة قارون, وأن الذين أوتوا العلم قالوا للذين تمنوا مثل ما أوتى: {وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّـهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80]

الثامن عشر: أنه سبحانه أخبر أنه إنما ينتفع بآياته ويتعظ بها الصبار الشكور, فقال تعالى: { وَلَقَد أَرسَلنا موسى بِآياتِنا أَن أَخرِج قَومَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النّورِ وَذَكِّرهُم بِأَيّامِ اللَّـهِ إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكورٍ  } [إبراهيم:5]

التاسع عشر: أنه أثنى على عبده أيوب بأحسن الثناء على صبره, فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ  }  [ص:44] فأطلق عليه قوله: ] نِّعْمَ الْعَبْدُ [ بكونه وجده صبراً, وهذا يدل على أن من لم بصبر فإنه بئس العبد.

العشرون: أنه سبحانه حكم بالخسران حكماً عاماً على كل من لم يكن من أهل الحق والصبر, وهذا يدل أنه لا رابح سواهم, فقال تعالى:  {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[العصر:1-3]

الحادي والعشرون: أنه سبحانه خص أهل الميمنة بأنهم أهل الصبر والرحمة الذين قامت بهم هاتان الخصلتان, ووصوا بهما غيرهم, فقال تعالى:   {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ *أُولَـئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } [البلد:17-18]

الثاني والعشرون: إنه قرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان كلها.

فقرنه بالصلاة, كقوله:   {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ }  [البقرة:45]

وقرنه بالأعمال الصالحة عموماً, كقوله تعالى: {إلَّا الَّذينَ صَبَروا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ } [هود:11]

وجعله قرين التقوى, كقوله تعالى:  { إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر} [يوسف:90]

وجعله قرين الشكر كقوله {إنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكور}[إبراهيم:5]

وجعله قرين الحق, كقوله تعالى:   {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ

وجعله قرين الرحمة, كقوله: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة } [البلد:17]

وجعله قرين اليقين, كقوله:  { لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ}  [السجدة:24]

وجعله قرين الصدق, كقوله:{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ}  [الأحزاب:35]

وجعله سبب محبته ومعيته وعونه ونصره وحسن جزائه, ويكفيه بعض ذلك شرفاً وفضلاً

ما ورد فيه من نصوص السنة:

في الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أ «ن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى على امرأة تبكي على صبي لها فقال لها: ( اتقِ الله واصبري ) فقالت: وما تبالي بمصيبتي ؟ فلما ذهب, قيل لها: إنه رسول الله, فأخذها مثل الموت, فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين, فقالت: يا رسول الله لم أعرفك, فقال: (إنما الصبر عند أول صدمة ) وفي لفظ: ( عند الصدمة الأولى )»

وفي صحيح مسلم عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله علية الصلاة والسلام يقول «(ما من مسلم تصيبه مصيبة, فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها, إلا أخلف الله له خيراً منها ) قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة, أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها, فأخلف لي رسول الله صلى الله عليه وسلم»

فانظر عاقبة الصبر والاسترجاع, ومتابعة الرسول, والرضاء عن الله إلى ما آلت وأنالت أم سلمة نكاح أكرم الخلق على الله.

وفي جامع الترمذي ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان, عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولدي عبدي ؟ فيقولون: نعم, فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون: نعم, فيقول: ماذا قال عبدي ؟ فيقولون: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد. وفي صحيح البخاري من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه ثم صبر عوضتُه منهما الجنة» ) يريد: عينيه.

وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  « يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن جزاء إذا قبضتُ صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة» 

وفي صحيحه أيضاً عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: «ألا أريك امرأة من أهل الجنة ؟ قلت: بلى, قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وأتكشف, فادع الله لي, قال: ( إن شئت صبرت ولك الجنة, وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيك ) فقالت: أصبر, فقالت: إني أتكشف فادعُ الله أن لا أتكشف» .

وفي الصحيح «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم مالاً, فقال بعض الناس: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله, فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: (رحم الله أخي موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )»

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :  « ما يُصيبُ المسلم من نصب, ولا وصب, ولا حزن, ولا أذى, ولا غمِّ, حتى الشوكة يُشاكها, إلا كفَّر الله بها من خطاياه » 

وفي المسند من حديث أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:« لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة, في جسده, وفي ماله, وفي ولده, حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة» 

وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  « ما أعطى أحد عطاءً خيراً أوسع من الصبر »

  • 2
  • 1
  • 7,162

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً