مظاهر نور الطاعة في الدنيا والآخرة (2-3)
ويظهر أثر نور القلب في انكشاف حقائق الأشياء له، في والفرقان بين الحق والباطل، فهو يمشي بين الناس كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الظلمة، فهو يرى أهل الظلمة في ظلماتهم، وهم لا يرونه.
التمسك بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:
من رام النور التام فعليه بالتمسك بما جاء به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يزيده نوراً، قال الله عز وجل: ﴿ {يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ } ﴾ [المائدة:15] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله:ما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كله نور..يشع، إن تأملت أخباره استنرت بها، وأحكامه كذلك، فهو نور يستنير به الإنسان في طريقه إلى الله عز وجل، وفي طريقه إلى معاملة عباد الله، هو أيضاً نور في القلب، فكل من تمسك بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم ازداد نوراً في قلبه.
أداء الصلاة بطمأنينة وخشوع:
عن أبي مالك الأشعري عز وجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( «الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن –أو تملأُ- ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور» ...الحديث) [أخرجه الإمام مسلم] قال الإمام النووي رحمه الله: وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور ) قيل معناه أن يكون أجرها نوراً لصاحبها يوم القيامة...وقيل معناه أن تكون ظاهراً على وجهه يوم القيامة، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور ) فهي نور في الوجه، وفي القلب، وفي القبر، ويوم القيامة، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق فقال: ( الصلاة نور )
العفة:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: سورة النور: سُمِّيت بهذا الاسم لقوله تعالى: ﴿ {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} ﴾ [سورة النور:35] وإذا تأملت السورة وجدت ذكر النور فيها، وأن الله نور السموات والأرض، وقوله جل جلاله: ﴿ { وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} {} ﴾ [سورة النور:40] تبين لك أن العفة من أسباب نور القلب"
المشي في الظلم إلى المساجد:
عن بُريدة عز وجل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة» [أخرجه أبو داود والترمذي]
قال الإمام العيني رحمه الله: البشارة: الإخبار بما يظهر سرور المخبر به، المشائين: جمع مشاء، مبالغة ماشي...والمراد..من هذه الصيغة، تكثير الفعل، وهو الذي يكثر مشيه إلى المساجد في الظلم، والظُلَم، بضم الظاء وفتح اللام، جمع ظلمة، وفيه حثّ وتحضيض في كثرة السعي إلى المساجد في ظلمات الليالي، وبشارة أن جزاءه يوم القيامة: نور تام حين يموت الناس في الظلمات؟
وقال الإمام المباركفوري رحمه الله: المشائين: جمع المشاء وهو كثير المشي، ( النور التام) الذي يحيط بهم من جميع جهاتهم أي على الصراط.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة، ومعهما مثل المصباحين، يضيئان بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد، حتى أتى أهله.[أخرجه البخاري]
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: المشي إلى المساجد، والرجوع منها، في الليالي المظلمة، ثوابه النور من الله عز وجل...فإنه أفضل ما مشى إليه المسلمون في الدنيا.
وقال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الراجحي: وفي إعطائهما النور دليل على أن المشي إلى المساجد من أسباب النور التام يوم القيامة.
ملازمة أحب البقاع لله عز وجل المساجد:
قال عز وجل ﴿ {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ } ﴾ [النور:35-37] قال العلامة السعدي رحمه الله: لما كان نور الإيمان والقرآن أكثر وقوعه أسبابه في المساجد ذكرها منوهاً بها.
الدعاء بطلب النور:
عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، وكان يقول في دعائه: ( «اللهم اجعل في قلبي نوراً وفي بصري نوراً وفي سمعي نوراً وعن يميني نوراً وعن يساري نوراً وفوقي نوراً وتحتي نوراً وأمامي نوراً وخلفني نوراً واجعل لي نوراً» «» «» «» )[متفق عليه] قال كريب: فلقيتُ بعض ولد العباس فحدثني بهن، فذكر عصبي ولحمي، ودمي، وشعري، وبشرى، وذكر خصلتين.
ذكر ابن بطال كما نقل عنه الحافظ ابن حجر رحمهما الله في الفتح: أن الخصلتين اللتين نسيهما: ( اللهم اجعل في عظامي نوراً وفي قبري نوراً ) وقال الحافظ ابن حجر: إن الأظهر أن المراد بهما: اللسان والنفس، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: وهذه الأنوار التي دعا بها النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن تحمل على ظاهرها، فيكون معنى سؤاله: أن يجعل الله له في كل عضو من أعضائه نوراً يوم القيامة، يستضئ به في تلك الظلم، هو ومن تبعه، أو من شاء الله تعالى ممن تبعه، وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: فطلب صلى الله عليه وسلم النور لذاته ولأبعاضه ولحواسه الظاهرة والباطنة ولجهاته الست.
التوبة النصوح:
قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ﴾ [التحريم:8] قال العلامة السعدي رحمه الله: أمر الله بالتوبة النصوح في هذه الآية، ووعد عليها بتكفير السيئات، ودخول الجنات، والفوز والفلاح، حين يسعى المؤمنون يوم القيامة بنور إيمانهم، ويمشون بضيائه، ويتمتعون بروحه وراحته، ويشفقون إذا طفئت الأنوار التي تعطى المنافقين، ويسألون الله أن يتم نورهم فيستجيب الله دعوتهم، ويوصلهم بما معهم من النور واليقين إلى جنات النعيم، وجوار الرب الكريم، وكل هذا من آثار التوبة النصوح، والمراد بها: التوبة الشاملة لجميع الذنوب، التي عقدها العبد لله، لا يريد بها إلا وجه الله، والقرب منه، ويستمر عليها في جميع أحواله
من مظاهر نور الطاعة في الدنيا والآخرة:
النور في القلب:
من نور الطاعة ما يكون في القلب، قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة نوراً في القلب".
ويظهر أثر نور القلب في: محبة الله عز وجل، وتعظيمه، وإجلاله، وكثرة ذكره، وفي الامتناع عن المعاصي، وفي كثرة الطاعات، قال العلامة السعدي رحمه الله: وهذا النور الذي يكون في القلب هو الذي يمنع العبد من ارتكاب الفواحش".
ويظهر أثر نور القلب في قوة الفراسة، ودقة الاستنباط للإحكام الشرعية، وزيادة المعرفة بشريعة الله،، وغير ذلك، قال الله عز وجل: ﴿ { أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ } ﴾ [الزمر:22] قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: من فوائد الآية الكريمة: أن من شرح الله صدره للإسلام فقبل الحق، فإنه على نور من ربه، ويتفرع عليها: زيادة علمه، لأن العلم نور، كما قال تعالى: ﴿ {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا }﴾ [النساء:174] ويتفرع عليها: قوة الفراسة بمعنى أن الله يعطى الإنسان فراسة، بحيث يعلم ما في قلوب الناس من لمحات وجوههم، بل أكثر من ذلك يستدلُّ بالحاضر على الغائب ويُعطيه استنتاجات لا تكون لغيره.
ويظهر أثر نور القلب في انكشاف حقائق الأشياء له، في والفرقان بين الحق والباطل، فهو يمشي بين الناس كما قال العلامة ابن القيم رحمه الله: كما يمشي الرجل بالسراج المضيء في الظلمة، فهو يرى أهل الظلمة في ظلماتهم، وهم لا يرونه، كالبصير الذي يمشي بين العميان، وقال رحمه الله: أضاء لهم نور الوحي المبين فرأوا في نوره أهل الظلمات في ظلمات آرائهم يعمهون، وفي ضلالتهم يتهوكون، وفي ريبهم يترددون.
ومما ينبغي التنبيه إليه أن ليس كل ما يقع في القلب من إلهامات يكون صحيحاً، فمنه ما هو من الكريم الرحمن، ومنه ما هو الشيطان، قال العلامة السعدي رحمه الله: ما يقع في القلوب من الإلهامات والكشوف، التي يكثر وقوعها...لا تدل بمجردها على أنها حق، ولا تصدق حتى تعرض على كتاب الله وسنة رسوله، فإن شهد لها بالقبول، قبلت، وإن ناقضتها ردت، وإن لم يعلم شيء من ذلك، توقف فيها ولم تصدق، ولم تكذب، لأن الوحي والإلهام يكون من الشيطان، فلا بد من التمييز بينهما والفرقان، وبعدم التفريق بين الأمرين، حصل من الغلط والضلال، ما لا يحصيه إلا الله."
النور في الوجه:
قال ابن عباس رضي الله عنه: إن للحسنة ضياءً في الوجه، وقال الإمام النووي رحمه الله:قوله صلى الله عليه وسلم: (الصلاة نور) قيل معناه أنها تكون نوراً ظاهراً على وجهه يوم القيامة، ويكون في الدنيا أيضاً على وجهه البهاء، وقال العلامة السعدي رحمه الله: ومتى امتلأ القلب من هذا النور فاض على الوجه، فاستنار الوجه، وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: تجد للعلماء الربانيين، نوراً في وجوههم يكاد يكون محسوساً، أما المعنوي فمعلوم حتى لو كان العالم الرباني جلده ليس بأبيض فإنه يستنير وجهه، والنور شيء واللون شيء آخر.
ونور الوجه يُعطي صاحبه المهابة، والجلالة، قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ترى صاحب إتباع الأمر والسنة قد كُسي من الروح والنور وما يتبعهما من الحلاوة والمهابة والجلالة والقبول ما قد حُرمه غيره، كما قال الحسن: إن المؤمن رُزق حلاوة ومهابة، وقال رحمه الله: المهابة أثر من آثار امتلاء القلب بعظمة الله ومحبته وإجلاله، فإذا امتلاء القلبُ بذلك حلَّ فيه النورُ، ونزلت عليه السكينة، وأُلبس رداء الهيبة، فاكتسى وجهُه الحلاوة والمهابة، فأخذ بمجامع القلوب محبةً ومهابةً.
- التصنيف: