أخلاقنا أولاً
فعلى المسلم أن لا يعطى صورة سيئة بأخلاقة لغيره حتى لا يُؤتى الدين من قبله ويكون فتنة لغيره
قال تعالى : {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ. وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ. فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ. الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ. وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}"
إذا تأملنا فى سورة الماعون نجد أن الآيات قد قرنت بين فساد الأخلاق وفساد العقيدة فمن ينكر يوم الحساب يعانى من خلل فى عقيدته وينعكس ذلك على أخلاقه كما نرى من خلال السورة فتراه يعامل الناس بجفاء ولا يحسن إلى اليتيم ولا يطعم المسكين كما أن تقديم الأخلاقيات على العبادات ( متمثله فى الصلاة )فى السورة رسالة تحذير لمن يحصر الدين فى العبادات فقط وهذا يعنى أنه يعانى خلل فى فهمه لشموليه الدين
وإذا تأملنا أيضا نجد أن هذه الأخلاق كلها تدعو إلى الرفق واللين والرحمة بالضعيف والمسكين وليست تدعو إلى العنف حتى ولو بالقول فكلما رحمت ضعف الآخر رحم الله ضعفك فمن منا لا يحتاج إلى رحمة الله يرحم ضعفنا ويجبر الكسر فكلنا ضعف وعورات معنوية نريد من يستر عيوبنا وعوراتنا فمن لا يرحم لا يُرحم .
ثم يأتى الحديث عن الصلاة وعاقبة تأخيرها والتسويف فيها وقد عقب بالعبادة بعد الخُلق وذلك لأن صلاح حالك فى الصلاة صلاح لنفسك فقط إنما رحمتك باليتيم والمسكين هذا من الإصلاح فى الأرض والنفع المتعدى أفضل من النفع الفردى وقد ربطت الآيات بطريق عكسى بين الأخلاق والعبادة فسوء خلق المسلم مرتبط بعدم انضباطه فى الصلاة فهو يصلى للناس فقط إن هو صلى.
وإذا تأملنا أيضا نجد أن السورة ختمت بالأخلاق كما بدأت بها وهذا شأن كل سور القرآن نجد هناك مناسبة بين مقدمة السورة ونهايتها لنعرف أنه نسيج واحد لا ريب فيه وذلك في قوله " {ويمنعون الماعون } " أى يمنعون أى عطاء أوإعانة وإن كانت زكاة مال أو أى مساعدة لمن يحتاج وذلك لبيان أهمية الأخلاق فى بناء المجتمع هكذا كانت الأخلاق هى الفيصل بين المؤمن والكافر فى هذه السورة ولما لا تكون كذلك وأول ما وصف به المولى عز وجل النبى صلى الله عليه وسلم إذ قال تعالى :" {وإنك لعلى خلق عظيم} " [سورة القلم] ،كما وصفته السيدة عائشة أنه كان قرآن يمشى على الارض وعندما نزل عليه الوحى أول مرة ذهب إلى السيدة خديجة يخبرها بالأمر فهل قالت له انك كثير صلاة وصيام وعبادة ؟ أم أنها مدحت أخلاقه ومساعدته للناس إذ قالت إنك لتحمل الكل وتُكسب المعدوم وتُقرأ الضيف كلها من المعاملات البسيطة التى فيها إحساس بالغير عالى والتى أهلته ليحمل الرسالة للعالمين وليس بكثرة صلاة وصيام .
ونحن نرى الان حتى المتدينين ينأوون بأنفسهم عن مساعدة الناس فهم انفسهم من ساهم فى تشوية صورة المتدين وأعطى الفرصة للإعلام أن يشوه الصورة ويصوره على أنه شخصية مريضة تعانى من انفصام فى الشخصية أمام الناس يظهر بصورة وبينه وبين نفسه صورة أخرى لا يستطيع مواجهه شهواته وهذا لأننا لا نربط بين العبادة والأخلاق فكلا يصب فى بوتقة واحده
فعلى المسلم أن لا يعطى صورة سيئة بأخلاقة لغيره حتى لا يُؤتى الدين من قبله ويكون فتنة لغيره فتجد من لا تريد أن تتحجب أو تصلى لأنها رأت سلوكيات غير طيبة من المحجبات أو المصلين ونست بذلك أن كل محاسب بعمله وليس عمل غيره وليعلم كل مسلم أن العبادة والأخلاق جزء واحد لا يتجزأ.
وعلى المسلم المتدين أن يقدم القدوة الحسنة بأخلافة وليعلم أن لا صلاح للمجتمع بغير صلاح أخلاقه وليعلم أنه بحسن الخلق يبلغ أعالى الجنان وله مثل درجة الصائم القائم وأنها وسيلة للقرب من الله أيضا فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « «إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا» " [رواه الترمذى وصححه الألبانى]
وإن سوء الأخلاق يهبط بالعبد أسفل سافلين فى جهنم حتى وإن كثر صيامة وصلاته فها هو رجل يأتى إلى النبى صلى الله عليه وسلم فيقول : «يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذي جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ في النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذي جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ في الجنَّةِ» ." [صححه الألبانى] هكذا مادخل حسن الخلق على شئ إلا جمَله وزينه
فلنعد إلى التمسك بالأخلاق الحميدة والدعوة إليها ليعود للناس الثقة فى الدين وأن النصر والغلبة لدين الله حتما ولكنه لن يكون ذلك إلا عندما ننتصر نحن على أنفسنا ولنتترس بأخلاقنا فهى الحصن الحصين الذى لا يستطيع أن يخترقه أعداء الإسلام .
- التصنيف: