حياة المؤمن بين الصبر والشكر
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى: فالمؤمن على كل حال ما قدَّر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيرًا له، فنال بهذا أجر الصائمين.
بسم الله والحمد لله، وبعد:
فإن من أعظم العبادات وأجل القربات الصبر والشكر لله تعالى.
وهذه كلمات في توضيح هاتين المنزلتين العظيمتين.
أولاً : المؤمن بين الشكر والصبر
في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» . [رواه مسلم] .
- لذلك إذا أراد العبد أن تكون حياته كلها عبوية لله تعالى.
فعليه إن أصابته سراء أن يشكر، وإن أصابته ضراء أن يصبر.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:
فالمؤمن على كل حال ما قدَّر الله له فهو خير له، إن أصابته الضراء صبر على أقدار الله، وانتظر الفرج من الله، واحتسب الأجر على الله؛ فكان ذلك خيرًا له، فنال بهذا أجر الصائمين.
وإن اصابته سرَّاء من نعمة دينية؛ كالعلم والعمل الصالح، ونعمة دنيوية؛ كالمال والبنين والأهل، شكر الله؛ وذلك بالقيام بطاعة الله عز وجل، فيشكر الله فيكون خيرًا له، ويكون عليه نعمتان: نعمة الدين، ونعمة الدنيا.(شرح أحاديث رياض الصالحين الحديث رقم ٢٨ باب الصبر).
ثانياً :في بيان أنواع الصبر
١- الصبر على الطاعة
٢- الصبر عن المعصية
٣- الصبر على أقدار الله تعالى.
في مواقع الصبر:
- صبر القلب : وهو حبسه عن التسخط.
- وصبر في القول: فلا يخرج منه أقوال فيها جزع،مثل الدعاء على النفس بالهلاك.
- وصبر في العمل: فلا يصدر من أعمال فيها تسخط كلطم الخدود وشق الجيوب .
قال العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية { {إِنَّمَا یُوَفَّى ٱلصَّـٰبِرُونَ أَجۡرَهُم بِغَیۡرِ حِسَابࣲ} }[سورة الزمر ١٠].
وهذا عام في جميع أنواع الصبر، الصبر على أقدار اللّه المؤلمة فلا يتسخطها، والصبر عن معاصيه فلا يرتكبها، والصبر على طاعته حتى يؤديها، فوعد اللّه الصابرين أجرهم بغير حساب، أي: بغير حد ولا عد ولا مقدار، وما ذاك إلا لفضيلة الصبر ومحله عند اللّه، وأنه معين على كل الأمور.
ثالثاً: في بيان أنواع الشكر :
١- شكر القلب،مثل الاعتراف أن الفضل لله وحده.
٢- وشكر اللسان،في مثل حمده والثناء عليه سبحانه.
٣- وشكر الجوارح والأركان،في استعمالها في الطاعة وترك المعصية.
- ونعم الله سبحانه وتعالى كثيرة لا تحصى وأعظمها الهداية إلى الإسلام والسنة.
وشكر ذلك يكون في العمل بالإسلام والسنة.
- شرح هذه المراتب من كلام العلامة السعدي في تفسيره على هذه الآية{فَٱذۡكُرُونِیۤ أَذۡكُرۡكُمۡ وَٱشۡكُرُوا۟ لِی وَلَا تَكۡفُرُونِ}[سورة البقرة ١٥٢].
ثم من بعده أمر بالشكر عموما فقال: {وَاشْكُرُوا لِي} أي: على ما أنعمت عليكم بهذه النعم، ودفعت عنكم صنوف النقم، والشكر يكون بالقلب، إقرارا بالنعم، واعترافا، وباللسان، ذكرا وثناء، وبالجوارح، طاعة لله وانقيادا لأمره، واجتنابا لنهيه، فالشكر فيه بقاء النعمة الموجودة، وزيادة في النعم المفقودة، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} وفي الإتيان بالأمر بالشكر بعد النعم الدينية، من العلم وتزكية الأخلاق والتوفيق للأعمال، بيان أنها أكبر النعم، بل هي النعم الحقيقية؟ التي تدوم، إذا زال غيرها وأنه ينبغي لمن وفقوا لعلم أو عمل، أن يشكروا الله على ذلك، ليزيدهم من فضله، وليندفع عنهم الإعجاب، فيشتغلوا بالشكر. ولما كان الشكر ضده الكفر، نهى عن ضده فقال: {وَلَا تَكْفُرُونِ}المراد بالكفر هاهنا ما يقابل الشكر، فهو كفر النعم وجحدها، وعدم القيام بها، ويحتمل أن يكون المعنى عاما، فيكون الكفر أنواعا كثيرة، أعظمه الكفر بالله، ثم أنواع المعاصي، على اختلاف أنواعها وأجناسها، من الشرك، فما دونه.
الخاتمة:
اجعل حياتك كلها دائرة بين الصبر والشكر، فلا تخرج من الصبر إلى الجزع ولا تخرج من الشكر إلى الكفر .
فإذا نزل بك بلاء فاصبر وإذا حصل لك سراء فاشكر، وهكذا تكون حياتك كلها دائرة بين عبادة الشكر والصبر لله تعالى، فتكون حياتك خير لك كلها في جميع تفاصيلها،إلى أن تلقى الله عز وجل.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وكتبه يزن الغانم أبو قتيبة.
- التصنيف: