أحرام هو ؟؟
قوله «رفع يديه» فيه قمة الأدب النبوي،، فلا ذم ولا تعبير، ولا غضب ولا تنفير، ولا زجر ولا تعسير، لا يعرف لغة التعييب لطعام أو شراب، فقط تعامل بسيط في ثوب رقيق فلا يهين بذلك جالسا أو يهون من بذل صانع.
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستغفره لذنوبنا إنه كان غفارا، ونسأله العفو والعافية، وأن يمددنا بأموال وبنين، وأن يجعل لنا جنات ويجعل لنا أنهارا
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد،
وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الداعي إليه جهرا وإسرارا، والمنزل عليه قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا}
اللهم فصل وسلم على سيدنا محمد سيد السادات، والمنقذ من الضلالات، صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه القادات، وعلى التابعين لهم بإحسان في العادات والعبادات .
أما بعد
روى البخاري ومسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- «عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْتَ مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ [أي مشوي]، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ، فَقَالَ بَعْضُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ: أَخْبِرُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يُرِيدُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ؟ فَقِيلَ: هُوَ ضَبٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ [أي جررته] فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ»
** «الضب»: حيوان، أو دويبة من جنس الزواحف يشبه الفأر الكبير، قصير الأرجل جداً، حتى كأنه يزحف على بطنه، لا يزيد وزنه عن كيلو جرام واحد، يسكن الجبال غالباً في الجحور.. معروف باليمن ولا يوجد بمكة
//يقال أن حفرة الضب متعرجة يحفرها تارة يمنا وتارة يسرا، فلذلك ضرب به المثل ( «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا فِي جُحْرِ ضَبٍّ لاتَّبَعْتُمُوهُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ آلْيَهُودَ وَالنَّصَارَى قَالَ فَمَنْ» )
** في رواية: فقالت ميمونة إنه لحم ضب فكف -صلى الله عليه وسلم- يده ثم قال: (هذا لحم لم آكله قط) فأكل الفضل ابن عباس وخالد بن الوليد وامرأة كانت معهم، وقالت ميمونة: لا آكل طعاما لم يأكله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
** قوله «رفع يديه» فيه قمة الأدب النبوي،، فلا ذم ولا تعبير، ولا غضب ولا تنفير، ولا زجر ولا تعسير، لا يعرف لغة التعييب لطعام أو شراب، فقط تعامل بسيط في ثوب رقيق فلا يهين بذلك جالسا أو يهون من بذل صانع.
وفي الحديث: ما عابَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طعاماً قطّ إن اشتهاه أكله وإلا تَرَكَه
//والذي ينبغي للإنسان إذا قدم له الطعام أن يعرف قدر نعمة الله سبحانه وتعالى بتيسيره وأن يشكره على ذلك، وألا يعيبه، إن كان يشتهيه وطابت به نفسه فليأكله وإلا فلا يأكله، ولا يتكلم فيه بقدح أو بعيب لأنه جحود للنعمة وتنفير للغير منه، كما أن ذم الطعام يتأذى منه صاحبه.
//أما قوله -صلى الله عليه وسلم- لأكل الضب «لَا، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ» فبيان لكراهته لا إظهار عيبه .. فالمرء ابن بيئته ولا يطعن عليه كونه سائر على عادتهم
//وفي رواية عند مسلم عن ابن عمر قال: سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الضب فقال: ( «لست بآكله ولا محرمه)» .
وفي رواية عند مسلم عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ( «كلوا فإنه حلال، ولكنه ليس من طعامي» ).
وهذا نص صريح على عدم الحرمة الشرعية، وإشارة إلى الكراهة الطبيعية.
//وعن جابر بن عبد الله عن عمر بن الخطاب أن نبي الله -صلى الله عليه وسلم- لم يحرم الضب ولكن قذره وأن الله لينفع به غير واحد وأنه لطعام الرعاء ولو كان عندي لأكلته.
//وفيه دليل على أن من الحلال ما تعافه بعض النفوس
//وفيه دليل على خطأ من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في الضب (لست بمحله ولا بمحرمه) وأنه لو كان حراما لم يؤكل على مائدته
** قال ابن حجر: وقد ورد سبب آخر أخرجه مالك من مرسل سليمان بن يسار، فذكر نص حديث ابن عباس وفي آخره: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كلا - يعني لخالد بن الوليد، وعباس- فإنني يحضرني من الله حاضرة).
قال المازري: " يعني الملائكة، وكان للحم الضب ريحاً فترك أكله لأجل ريحه، وهذا إن صح يمكن ضمه إلى الأول ويكون لتركه الأكل من الضب سببان" .
** ومما ينبني على هذا الموقف ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم–: «إِذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي شَرَابِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَنْزِعْهُ فَإِنَّ فِي إِحْدَى جَنَاحَيْهِ دَاءً وَالْأُخْرَى شِفَاءً» [أخرجه البخاري وأبو داود] وزاد «وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء»
ومنه يستفاد أن الذباب ميتته طاهرة، وكان ما وقع فيه من الشراب طاهرا، فأي شراب يقع فيه ذباب ويموت فهو طاهر ويشرب، فإن كرهه الإنسان فله تركه ولا شيء عليه، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قدم إليه الضب وهو حيوان معروف ولم يأكل منه فقيل له أحرام هو يا رسول الله قال «لا ولكنه ليس في أرض قومي فأجدني أعافه» وتركه وهو حلال، فإن كانت نفسك لا تتحمل شراب وقع فيه ذباب فلا عليك أن لا تشربه
فإن قال قائل إذا وقع الذباب في شراب فمات فيه فغمسته ثم أخرجته فهل يلزمني أن أخبر الشارب بأن الذباب وقع فيه ومات؟ الجواب: لا يلزمك، لأن موت الذباب فيه لم يؤثر شيئا، ولم ينقله من الحل إلى التحريم، ولا من الطهارة إلى النجاسة.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
[email protected]
- التصنيف: