كن وفيا..
أما النذر بمعناه الضيق فهو أن تلزم نفسك بقربة تتقرب بها إلي الله من غير أن يلزمك الله بها لله عليّ أن أفعل كذا لله علي أن أذبح كذا لله عليّ أن أتصدق بكذا..
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه ( {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } )
أيها الإخوة الكرام إن الوفاء من شيم الكرام ..
إن الوفاء من الصفات الكريمة ومن الأخلاق الحميدة التي رغبت فيها وبقوة آيات من كتاب الله ورغبت فيها وحببت فيها وبقوة كثير من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام.
وعلي الرغم من كل هذا وجدنا الوفاء من الأخلاق العزيزة ومن الصفات التي قل وجودها وندر حضورها في كثير من مواقف الحياة.
الوفاء بين الخليل وخليله..
الوفاء بين المرء وزوجه..
الوفاء بين الولد ووالديه..
الوفاء بيننا وبين من أسدي إلينا معروفا أو صنع معنا جميلا ..
مواقف الحياة تقول:
إن الوفاء بات في الناس عزيزا فقليل هم الأوفياء والله المستعان .
وأيما كان الأمر ..
فحديثنا عن الوفاء سينتظم فقط عن صورة من صور الوفاء فيما بين العبد وربه وتحديدا الوفاء بالنذر
( {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } )
نتعرف علي النذور ما هي ؟
نتعرف علي المستحب من النذور ما هو ؟ لنفعله , نتعرف علي المذموم من النذور ما هو ؟ لنجتنبه .
سائلين الله تعالي أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا .
غير أننا في مستهل اللقاء وفي بداية الحديث عن الوفاء بالنذور كوعد وكعهد فيما بينك وبين الله تعالي نقول :
إن موضوع النذور من الموضوعات الدقيقة في الإسلام ووجه الدقة فيه أن موضوع النذور موضوع يتسع ويتسع ويكبر ويكبر حتي يشمل الدين كله ..
وفي المقابل نقول إن موضوع النذور من الموضوعات الغريبة في الإسلام ووجه الغرابة فيه أن موضوع النذور موضوع يضيق ويضيق ويصغر ويصغر حتي يكون فرعا من فروع الفقه ..
واليوم نتحدث عن الوفاء بالنذور كوعد وعهد فيما بينك وبين ربك :
لكن من الزاوية الواسعة التي تشمل الدين كله ( {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} )
هذه الآيات من أواخر سورة الأنعام ماذا تقول ؟؟
( {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} )
هذه الآيات تقول إن الإنسان إذا عرف ربه معرفة حقيقية وإذا العبد أحب ربه حبا حقيقيا وإذا العبد قدّر ربه حق قدره طابت نفس العبد أن ينذر وأن يهب وأن يبذل حياته كلها لله رب العالمين .
وأعود فأقول : إن المؤمن إذا عرف ربه معرفة حقيقية وإذا المؤمن أحب ربه حبا حقيقيا وإذا المؤمن قدّر ربه حق قدره طابت نفسه أن ينذر أن يهب أن يبذل أنفس ما يملك لله رب العالمين..
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
شبابه لله عمره لله قوته لله ذكاؤه لله علمه لله لسانه لله ماله لله حياته كلها لله رب العالمين ..
النذر بمفهومه الواسع هو أن تبذل كل ما تملك وأن تقدم كل ما تحب عن طيب نفس لله رب العالمين أدلل بهذا أبرهن بهذا علي أن حبي لربي أقوي وأكبر وأعظم من حبي لنفسي ومالي ومن حبي لكل ما أملك وعلي مقدار الصدق يكون القبول من الله عز وجل..
يذكر أصحاب السير وأصل الخبر في الصحيح
من حديث أنس بن مالك قال غاب عمي أنس بن النضر عن قتال المسلمين للمشركين في يوم بدر فقال يا رسول الله غبت عن أول قتال قاتلت المشركين فيه والله يا رسول الله لئن أشهدني ربي قتال المشركين يوما ليرين الله ما أصنع ( كلامه هذا ما معناه ؟) معناه أنه علي استعداد تام أن يقدم روحه لله وقوته لله وحياته لله .
قال أنس بن مالك فلما كان يوم أحد خرج أنس بن النضر يجاهد في سبيل الله تحت لواء النبي عليه الصلاة والسلام .. قدر الله في ذلك اليوم أن تكون الحرب تارة لصالح المسلمين وهذا في أول اللقاء ثم نتيجة لمخالفة الرماة أمر رسول الله دارت الدائرة علي المسلمين في آخر المعركة فانهزموا وانكشف المسلمون وولوا الأدبار ونكل المشركون بالمسلمين في ذلك اليوم تنكيلا ..
حتي رسول الله عليه الصلاة والسلام أوذي أذية بالغة حتي شاع بين الناس أن رسول الله قتل ....
هذه الشائعة جعلت همم بعض المسلمين في الحضيض فقعدوا عن القتال وقالوا وعلام نقاتل وقد قتل رسول الله !!
إلا ناسا من المسلمين بقيت عزائمهم قوية منهم أنس بن النضر رضي الله عنه ..
نظر إلي من قعد عن القتال من أصحاب رسول الله وقال اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء , ثم نظر إلي المشركين وقال وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء. ثم تقدم رضي الله عنه يجود بنفسه في سبيل الله فاستقبله سعد بن معاذ فقال إلي أين يا أنس ؟
فقال يا سعد إلي الجنة وربي إني لأجد ريحها من دون أحد قال أنس بن مالك فوجدنا به بضعا وثمانين ما بين ضربة بالسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم ووجدناه قد قتل وقد مثل به المشركون فما عرفه أحد إلا أخته عرفته ببنانه .
قال أنس بن مالك كنا نرى أو نظن أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه..
{ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً} }
أنس بن النضر ماذا فعل ؟؟ عرف ربه أحب ربه فقدم حب الله علي كل شيئ فنذر لله شبابه وقدم لله قوته وبذل لله حياته فتقبله ربه بالقبول الحسن هذا هو النذر وهذا هو الوفاء به بمفومه الواسع..
ومنه أيضا ما ورد في سورة آل عمران ( {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} )
هذه المرأة ماذا ملكت ؟ هذه المرأة ماذا فعلت ؟
هذه المرأة أنفس ما تملك وليدها فنذرته لله علي اعتبار أنه ذكر ( {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} ) لماذا الذكر ؟ لأن الذكر يصلح لخدمة بيت المقدس ولا تصلح الأنثي .. لكن حكمة الله سبقت ألا يكون المولود ذكرا وإنما سيكون المولود أنثي ( {وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى} ) يعني ليس الذكر الذي تنمته امرأة عمران كالأنثي التي وهبها الله لها فهذه الأنثي مقبول نذرها من الله رب العالمين وسيجعلها الله تعالي سيدة نساء العالمين ثم إنها ستكون يوما ما أما لنبي كريم وستكون هي وولدها آية للعالمين ( {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ} )
هذا هو النذر أيها المؤمنون هذا هو النذر بمعناه الواسع
الذي يكبر ويكبر حتي يشمل الدين كله فأعز ما تملك وأنفس ما تملك من مال وشباب وعلم وفقه وحياة قدمه لله وتقرب به إلي الله فإن كنت صادقا وإن كنت مخلصا وجدت القبول الحسن من الله تعالي إن كنت صادقا إن كنت مخلصا وجدت الثواب العظيم من الله تعالي في الدنيا وفي الآخرة..
أمسك عمر رضي الله عنه بتفاحة فقال إن أكلتها ذهبت , وإن أعطيتها بقيت , ثم قال لا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله علما , ولا بورك لي في طلوع شمس يوم لم أزدد فيه من الله قربا هذا هو النذر بالمعني الواسع أن لابد أن تجعل لله شيئا ..
تقدم به علي ربك فينفعك الله به ( {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} )
______________________
بقي لنا في ختام الحديث عن الوفاء بالنذور كعهد بينك وبين الله تعالي , بقي لنا في ختام الحديث عن الوفاء بالنذور كوعد بينك وبين الله تعالي أن نقول للنذر مفهوم واسع يشمل الدين كله وهو أن تجعل أعز ما تملك لله (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )
أما النذر بمعناه الضيق فهو أن تلزم نفسك بقربة تتقرب بها إلي الله من غير أن يلزمك الله بها لله عليّ أن أفعل كذا لله علي أن أذبح كذا لله عليّ أن أتصدق بكذا..
ومن هذا النذر ما هو مذموم ومنه ما هو محمود .. أما النذر المذموم فهو ما كان فيه اشتراطا علي الله تعالي يقول أحدهم لله عليّ إن نحج ولدي أن أتصدق بألف .. ويقول آخر إن شفي الله مريضي لأصومن شهرا ..
هذا نذر هذا نذر يجب الوفاء به وهذا النذر علي الرغم من وجوب الوفاء به إلا أنه لا ثواب عليه .. لأنه نذر مذموم لأن فيه اشتراطا علي الله ولا يحق للعبد أن يشترط علي ربه قال إن شفي الله مريضي لأصومن شهرا وهذا لا يصح فيما بيننا وبين الله تعالي وهذا النوع من النذر هو المنهي عنه وهو الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام ( إنه لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل )
أما النذر المحمود فهو ما كان من باب الشكر لله تعالي نجح ولدي شفاك الله وعافاك رزقت بمولود أعطاك الله نعمة فقلت الحمد لله وقلت لله علي أن أتصدق بكذا أو أن أصوم كذا هذا نذر هذا نذر يجب الوفاء به لقول النبي عليه الصلاة والسلام ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) والنذر في الطاعة له عند الله ثواب عظيم وهو الذي امتدح الله أهله في قوله (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا )
ومن النذور ما لا يجوز الوفاء به وهو نذر المعصية .. نذر فلان ألا يكلم أخاه , نذر فلان أن يشرب خمرا هذا نذر معصية لا يحل الوفاء به قال النبي ( ومن نذر أن يعص الله فلا يعصه )
وفي الختام
من نذر نذرا لم يسمه أي لم يحدده فكفارته كفارة يمين .. وإن نذر فلان أن يتصدق وعجز عن الصدقة .. إن استمر عجزه فكفارة النذر كفارة اليمين وإن نذر فلان أن يعص الله فماذا يفعل ؟
لا يفي بنذره وعليه كفارة يمين قال ابْن عَبَّاسٍ "مِنْ نَذَرَ نَذْراً لَمْ يُسَمِّهِ, فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ, وَمَنْ نَذَرَ نَذْراً فِي مَعْصِيَةٍ, فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ, وَمَنْ نَذَرَ نَذْراً لَا يُطِيقُهُ, فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ"
وهي كما قال الله ( {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } ).
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علمنا..
- التصنيف: