الأندلس من الفتح إلى السقوط - (41) خطوات عبد الرحمن الناصر في الإصلاح
كانت خطوات عبد الرحمن الناصر في الإصلاح، فهي كما يلي:
سياسة الناصر في القضاء على المتمردين حوله وممالك النصارى
كان الموقف في عهد عبد الرحمن الناصر كما يلي:
أولاً: أصبحت قوة عبد الرحمن الناصر رحمه الله تضم قرطبة وإشبيلية وجيان وإستجة وهي جميعاً مدن الجنوب، بالإضافة إلى حصون مجاورة كثيرة، وهذا يمثل حوالي سدس الأندلس الإسلامية في ذلك الوقت.
ثانياً: أن صمويل بن حفصون ما زال يملك حصوناً كثيرة، ويسيطر سيطرة كبيرة على الجنوب الشرقي من البلاد، لكن قطعت عنه الإمدادات الخارجية سواء من النصارى أو الدولة الفاطمية أو إشبيلية.
ثالثاً: هناك تمرد في طليطلة وهي توجد في شمال قرطبة.
رابعاً: هناك تمرد في سرقسطة في الشمال الشرقي.
خامساً: هناك تمرد في شرق الأندلس ومقره بلنسية.
سادساً: هناك تمرد في غرب الأندلس يقوده عبد الرحمن الجليقي.
إذاً: الأندلس في سنة (٣٠٢هـ) كانت مقسمة إلى ستة أقسام: قسم واحد في يد عبد الرحمن الناصر ويشمل قرطبة وإشبيلية وما حولها، وخمسة أقسام موزعة على خمسة من المتمردين.
إذاً: المتوقع من عبد الرحمن الناصر رحمه الله أن يقاوم من جديد إحدى هذه التمردات من حوله، لكنه يفاجئنا ويفاجئ الجميع بأمر يجعل الواحد منا يقف فاغراً فاه لهذا الرجل المعجزة عبد الرحمن الناصر رحمه الله.
يترك عبد الرحمن الناصر كل هذه المؤامرات، ويتجه إلى الشمال الغربي، ليقاتل قوات النصارى في مملكة ليون التي هجمت على منطقة من مناطق المتمردين في غرب الأندلس، فيحاربهم لمدة سنتين كاملتين في أرض المتمردين.
ثم بعد أن ينتصر عليهم انتصارات كبيرة ويعود محملاً بالغنائم يترك البلاد ويعود إلى قرطبة وإشبيلية، وكأنه يعلم الناس أمراً في منتهى الوضوح، لكنه كان قد خفي عنهم، وهو أن العدو الحقيقي هم النصارى في الشمال وليست الأعداء من داخل المسلمين، وبهذا الفعل أحرج عبد الرحمن الناصر المتمردين إحراجاً كبيراً أمام شعوبهم، وحرك العاطفة في قلوب الشعوب نحوه، وكذلك تتحرك عواطف الشعوب تجاه من يدافع عن قضاياها الخارجية، ومن يقاتل أعداءها الحقيقيين.
هي نصيحة لكل المسلمين أن يوجهوا الشعوب إلى الأعداء الحقيقيين، بدلاً من تصارع كل قطرين مسلمين على الحدود بينهما، فنركز على قضية فلسطين، أو الشيشان، أو كشمير أو البوسنة أو كوسوفا أو غيرها من قضايا المسلمين الحقيقية.
وقد أتم عبد الرحمن الناصر رحمه الله في هاتين السنتين انتصارات عديدة بجيشه القليل نسبياً، فقد كان معه العلماء والمجاهدون يرغبون الناس في الجنة، والموت في سبيل الله.
وانتهت هذه الحملات بحملة في سنة (٣٠٤هـ)، وهي من أكبر الحملات التي قادها رحمه الله على النصارى، وعاد محملاً بغنائم كثيرة.
وحدث بعد عودته إلى قرطبة وإشبيلية أن انضمت سرقسطة بدون قتال إلى عبد الرحمن الناصر، وهذه هدية من الله لمن جاهد وثبت على دينه، ثم هدية أخرى من رب العالمين سبحانه وتعالى في سنة (٣٠٦هـ) وهي موت صمويل بن حفصون على نصرانيته مرتداً وقد بلغ من العمر ستاً وستين سنة، فيستغل عبد الرحمن الناصر الموقف ويضم إليه كل مناطق الجنوب الشرقي، واستتاب النصارى الذين انقلبوا من الإسلام إلى النصرانية لمدة ثلاثة أيام، فمن قبل منهم الإسلام قبله في جيشه، ومن أبى إلا أن يبقى على نصرانيته قتله ردة، وكان من بين هؤلاء ابنة عمر بن حفصون والتي كانت تحفز الناس على ألا يتركوا دين النصرانية، فقتلها ردة.
وفي سنة (٣٠٨هـ) تحرك عبد الرحمن الناصر إلى طليطلة، وما استطاع التمرد الذي كان فيها أن يقف أمام هذه القوة الإسلامية الجارفة فضمها إليه بسهولة، وكان عمره آنذاك ثلاثين سنة فقط.
وأصبح الطريق آمناً للشمال الشرقي والذي به سرقسطة، فضم طليطلة للمسلمين، ثم وجه حملة ضخمة جداً للنصارى، تعرف بغزوة موبش الكبرى في سنة (٣٠٨هـ)، ضد جيوش ليون ونافار المجتمعة، واستمرت الغزوة ثلاثة شهور كاملة وعبد الرحمن الناصر رحمه الله على رأس الجيوش، فتحققت انتصارات ضخمة وغنائم عظيمة، وضم إليه مدينة سالم والتي كان قد سيطر عليها النصارى من قبل.
وفي سنة (٣١٢هـ) قاد عبد الرحمن الناصر حملة ضخمة أخرى بنفسه على مملكة نافار، واستطاع في أيام معدودات أن يكتسحها اكتساحاً، وضم إلى أملاك المسلمين مدينة دندلونة عاصمة نافار، وبدأ رحمه الله يحرر الأراضي التي أخذها النصارى في عهد ضعف الإمارة الأموية.
وفي سنة (٣١٦هـ) قاد حملة على شرق الأندلس، وقمع التمرد الذي كان هناك، وضمها إلى أملاكه.
ثم في نفس العام قاد حملة على غرب الأندلس فهزم عبد الرحمن الجليقي، وضمها إلى أملاكه من جديد، وبذلك وحد الأندلس كلها تحت راية واحدة بعد ست عشرة سنة من الكفاح المضني، ولم يبلغ من العمر إلا ثمانية وثلاثين سنة فقط.
نظر إلى العالم الإسلامي من حوله، فوجد الخلافة العباسية قد ضعفت
- التصنيف:
- المصدر: