أسئلة الصحابة رضي الله عنهم للرسول عليه الصلاة والسلام- 2

منذ 2020-10-02

عن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه قال: «إن رجلًا قال: يا رسول الله، أيُّ الناس خير؟ قال: ((من طال عمرُه وحسُن عملُه))»

السؤال عن أفضل الأعمال والعبادات:

وعن أبي هريرة رضي الله عنه «أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سُئِل: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله ورسوله))، قيل: ثمَّ ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثُمَّ ماذا؟ قال: ((حج مبرور))» ؛ [متفق عليه].

قال القاضي عياض رحمه الله: قوله: ((حج مبرور))، قال شمر: هو الذي لا يخالطه شيء من المأثم، وقال الحربي: إذا رجع مبرورًا مأجورًا، وقيل: المبرور: المتقبَّل، قال الإمام النووي رحمه الله: وقول من قال: "المبرور المتقبل" قد يستشكل من حيث إنه لا اطِّلاع على القبول، وجوابه: أنه قد قيل من علامات القبول أن يزداد بعده خيرًا

وعن أبي ذرٍّ رضي الله عنه، قال: «سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله وجهاد في سبيله))، قال: قلتُ: أيُّ الرقاب أفضل؟ قال: ((أنْفَسُها عند أهلها وأكثرها ثمنًا))، قال: قلتُ: فإن لم أفعل؟ قال: ((تُعينُ ضائعًا أو تصنعُ لأخرق)) قال: قلتُ: يا رسول الله، أرأيت إن ضعُفْتُ عن بعض العمل؟ قال: ((تكفُّ شرَّكَ عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك))» ؛ [متفق عليه].

قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: ((أنْفَسُها عند أهلها)) فمعناه: أرفعها وأجودها، وقوله: (تصنع لأخرق))، الأخرق: هو الذي ليس بصانع

قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: هذه الأحاديث فيها بيان أن الأعمال مراتب في الفضل، وكلما كان أفضل، فهو أحَبُّ إلى الله عز وجل، وظاهر هذه الأحاديث أن بعضها يُخالف الآخر، فقيل: إن هذا الخلاف باعتبار حال السائل؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعرف من حال السائل أن الأفضل في حقِّه كذا دون كذا، ويبقى فضل العمل المطلق في الأحاديث الأخرى، وهذا أقربُ ما يكون.

وعن جابر رضي الله عنه قال: «سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الصلاة أفضل؟ قال: ((طول القنوت))» ؛ [أخرجه مسلم]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ظاهر الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام سُئل عن أفضل الصلاة، وظاهر الحديث العموم، يعني الصلاة في الليل وفي النهار، فقال: ((طول القنوت))، فما هو القنوت؟ هل هو القراءة أو الدعاء؟

الصواب: أنه يشمل هذا وهذا، وأن من هدي الرسول عليه الصلاة والسلام أن صلاته متناسبة، إن أطال في القيام، أطال في الركوع والسجود، والقعود، والرفع بعد الركوع، وإن خفَّف خفَّف فيها كلها؛ لكن ليس المعنى أن الركوع يكون بقدر القراءة، والسجود كذلك بقدر القراءة؛ بل القراءة لها طول خاص؛ لكن إذا طالت القراءة يطولُ الركوع والسجود.

وهذه المسألة اختلف العلماء رحمهم الله فيها، هل الأفضل إطالة القيام الذي يتضمَّن قراءة كلام الله عز وجل، أو الأفضل إطالة الركوع والسجود، لما فيهما من تعظيم الله عز وجل، وقرب العبد من ربِّه حال سجوده؟ ثم اختلفوا أيضًا: هل الأفضل تقصير هذه الأشياء مع كثرة الركعات أو الأفضل طول هذه الأشياء مع قلة الركعات؟

والصواب: أن الأفضل ما يُناسب حالك، فقد يكون الإنسان عنده كسل، فيكون المناسب لحاله أن يقصِّر القراءة، ويقصر الركوع والسجود، حتى تكثُر حركاته، ويزول عنه النوم، وقد يكون الإنسان عنده نشاط، يستطيع أن يطيل القيام والركوع والسجود وهو على نشاطه، ويرى أن هذا أخشع له، فنفضل ذلك على كثرة الركعات.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: «سُئل أيُّ الصلاة أفضلُ بعد المكتوبة؟ وأيُّ الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ فقال(أفضل الصلاة بعد الصلاة المكتوبة الصلاة في جوف الليل وأفضل الصيام بعد شهر رمضان صيام شهر الله المحرم)» [أخرجه مسلم]

قال الإمام النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل))، فيه دليل لما اتفق العلماء عليه أن تطوُّع الليل أفضل من تطوُّع النهار، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرَّم)) تصريح بأنه أفضل الشهور للصوم، وقد سبق الجواب عن إكثار النبي صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان دون المحرَّم وذكرنا فيه جوابين: أحدهما لعله إنما علم فضله في آخر حياته والثاني لعلَّه كان يعرض فيه أعذارٌ من سفر أو مرض أو غيرهما

وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قيل: إن أفضل الشهور أن يُصام فيه شهر المحرَّم، وفي هذا نظر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصوم شعبان أكثر من صيامه في المحرَّم، وقيل: إن المعنى أن تصوم الشهر كله، وهذا أيضًا فيه نظر؛ لأن عائشة رضي الله عنها - وهي من أعلم الناس بحال النبي صلى الله عليه وسلم - تقول: ما رأيتُه يصوم في شهر أكثر من صيامه في شعبان، وقيل: إن المعنى: أفضل صيام يصومه الإنسان في شهر محرَّم؛ لكن لا يصومه كله، ولا يجعله كشعبان، فتكون السنة العمليَّة مُبيِّنة للسُّنة القولية، وهذا هو أحسن ما أرى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: «يا رسول الله، أيُّ الصَّدَقة أفضلُ؟ قال: (جهد المقل وابدأ بمن تعول))،وعنه أن رجلًا قال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم؟ قال: ((أن تصدق وأنت صحيحٌ شحيحٌ، تخشى الفقر، وتأمل البقاء، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت: لفلان كذا ولفلان كذا، وقد كان لفلان))» [أخرجه أحمد]

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه, قال : «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الجهاد أفضل ؟ قال: (من عُقر جواده وأُهريق دمه ) وسئل  أي الصلاة أفضل؟ قال : ( طول القنوت ) [أخرجه أحمد] والجهاد في سبيل الله من أفضل الأعمال, فعن أبي هريرة رضي الله عنه, قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : دلني على عمل يعدل الجهاد ؟ فقال : ( لا أجده...هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك فتقوم فلا تفتر, وتصوم ولا تفطر ؟) قال ومن يستطيع ذلك ؟» [متفق عليه] 

وعن عبدالله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه, «أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الأعمال أفضل ؟ قال : ( إيمان لا شك فيه, وجهاد لا غلول فيه, وحجة مبرورة ) قيل : فأيُّ الصلاة أفضل ؟ قال : ( طول القنوت ) قيل :فأي الصدقة أفضل ؟ قال : ( جهد المقل) قيل : فأيُّ الجهاد أفضل ؟ قال : ( من جاهد المشركين بنفسه وماله ) قيل : فأي القتل أشرف ؟ قال : ( من أهريق دمه وعقر جواده )» [أخرجه أبو داود والنسائي واللفظ له]قال العلامة خليل أحمد السهارنفوري رحمه الله : قوله : ( من جاهد المشركين بماله ونفسه ) يدخل فيه من يجاهد الكفار والمبتدعين بإبطال مذهبهم, وردِّ أقوالهم باللسان والكتابة, وقوله : (وعُقر جواده ) أي قطع قوائمه, ولعل هذا محمول على أن عقر جواده وقع في حياته, وبمرأى منه, ثم قتل, فكأنه بذل ماله ونفسه في سبيل الله, وجاهد راكباً وماشياً, وقطع قوائمه كناية عن غاية شجاعته, وإنه كان مما لا يطاق أن يظفر به إلا بعقر جواده.

السؤال عن خير الناس وأفضلهم:

عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: «قيل يا رسول، أيُّ الناس أفضل؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله))، قالوا: ثم من؟ قال: ((مؤمن في شعب من الشعاب يتَّقي الله، ويدعُ الناس من شرِّه))، وفي رواية: أيُّ الناس خير؟ » [متفق عليه].

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وكأن المراد بالمؤمن من قام بما تعين عليه القيام به، ثم حصل هذه الفضيلة، وقال: وإنما كان المؤمن المعتزل يتلوه في الفضيلة؛ لأن الذي يخالط الناس لا يسلم من ارتكاب الآثام، فقد لا يفي هذا بهذا، وهو مقيد بوقوع الفتن، وفي الحديث فضل الانفراد لما فيه من السلامة من الغيبة واللغو ونحو ذلك، وأما اعتزال الناس أصلًا فقال الجمهور: محل ذلك عند وقوع الفتن، قال ابن عبدالبر: إنما أوردت هذه الأحاديث بذكر الشعب والجبل؛ لأن ذلك في الأغلب يكون خاليًا من الناس، فكل موضع يبعد على الناس فهو داخل في هذا المعنى.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: اختلف العلماء رحمهم الله: أيهما أفضل: العزلة، أم الاختلاط بالناس؟

فقال بعض العلماء: إن العزلة أفضل؛ لأنها أسلم لدين المرء.

 وقال بعضهم: بل الاختلاط بالناس أفضل، لما يتوقع من أمر بمعروف، ونهي عن منكر، ودعوة إلى الخير، وغير ذلك، والصحيح: أن الاختلاط بالناس أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم أعظَمُ أجرًا من المؤمن الذي لا يُخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم)) إلا إذا كان في الاختلاط شَرٌّ على المرء في دينه، فحينئذٍ تكون العُزْلة خيرًا؛ لكنها مؤقتة، بمعنى:

أنه إذا زالت الموانع اختلط بالناس؛ لأن الاختلاط بالناس فيه خيرٌ؛ كالدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ومعرفة أحوال الناس، والائتناس بهم، إلى غير ذلك من المصالح الكثيرة، والعزلة ينطوي الإنسان فيها على نفسه، ورُبما ينفتح عليه في هذه العزلة أبواب لا يستطيع سدَّها من الوساوس والتفكيرات السيئة حتى يذهب بذلك دينُه ودُنْياه.

وعن عبدالرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه رضي الله عنه قال: «إن رجلًا قال: يا رسول الله، أيُّ الناس خير؟ قال: ((من طال عمرُه وحسُن عملُه))» ؛ [أخرجه الترمذي]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الإنسان كلما طال عمرُه في طاعة الله زاد قُرْبًا إلى الله، وزاد رفعةً في الآخرة؛ لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره، فهو يُقرِّبه إلى ربِّه عز وجل، فخيرُ الناس من وُفِّق لهذين الأمرين، أما طول العمر فإنه من الله، وليس للإنسان فيه تصرُّف؛ لأن الأعمار بيد الله عز وجل، وأما حسن العمل، فإن بإمكان الإنسان أن يحسن عمله؛ لأن الله تعالى جعل له عقلًا، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وبيَّن المحجَّة وأقام الحُجَّة، فكل إنسان يستطيع أن يعمل عملًا صالحًا، على أن الإنسان إذا عمل عملًا صالحًا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرَ أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر، وذلك مثل صلة الرَّحِم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((مَنْ أحَبَّ أن يبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصِلْ رَحِمَه))، وصِلة الرَّحِم من أسباب طول العمر، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسُن عمله، فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائمًا أن يجعله ممن طال عمره، وحسُن عمله، من أجل أن يكون من خير الناس، نسأل الله أن يجعلنا وإيَّاكم ممن طال عمره وحسُن عمله، وحسُنت خاتمتُه وعاقبتُه، إنه جواد كريم.

  • 6
  • 1
  • 5,810

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً