رحمة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بمن خاصمه وخالفه.
نحدث الناس عن رحمته وعن حلمه وصبره وكرم أخلاقه لنقتدي به ونتعلم منه ونستن بسنته ونري أين نحن منه سائلين الله تعالى أن يجعل نصيبنا من محبته ومودته صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر .. اللهم آمين
أيها الإخوة الكرام: فى مثل هذه الأيام من كل عام أيها المؤمنون نسري عن أنفسنا ونروح عن قلوبنا ونذكر أنفسنا ونذكر المؤمنين بقبس من نور النبوة..
فى مثل هذه الأيام نسعد بحديث ماتع مع الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سيرته عن سنته عن صفاته عن شمائله عن فضائله عن أخلاقه عليه الصلاة والسلام..
نحدث الناس عن رحمته وعن حلمه وصبره وكرم أخلاقه لنقتدي به ونتعلم منه ونستن بسنته ونري أين نحن منه سائلين الله تعالى أن يجعل نصيبنا من محبته ومودته صلى الله عليه وسلم النصيب الأوفر .. اللهم آمين
نتحدث عن رحمته عليه الصلاة والسلام..
لن نتحدث عن رحمته بزوجه وأولاده وذوى رحمه وأصحابه وجيرانه لأن دلائل رحمته بهم تملأ الأسماع والأبصار وقد نشاركه في نصيب كبير منها..
ولن نتحدث عن رحمته عليه الصلاة والسلام بالضعفاء والفقراء وأصحاب الحاجات لأن رحمته صلى الله عليه وسلم بمثل هؤلاء مفروغ منها :
ولكنا نتحدث عن رحمته بمن خالفوه نتحدث عن رحمته بمن كذبوه بمن عاندوه بمن ظلموه بمن آذوه
نتحدث عن رحمته صلي الله عليه وسلم بخصومه لنقارن بين أقوالنا وأقواله وبين أعمالنا وأعماله وبين ردود أفعالنا وردود أفعاله. والمفترض فينا أننا مسلمون قدوتنا نبي الرحمة محمد صلي الله وسلم علي نبينا محمد ...
رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فى خصومه وأعداءه مرضى يجب إسعافهم , رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مخالفيه وأعداءه ضحايا يجب إنقاذهم..
فكان صلى الله عليه وسلم معهم ليناً من غير ضعف وهذا ما يجب أن نتنبه له كن لينا من غير ضعف..
وكان عليه الصلاة والسلام معهم حازماً من غير عنف فكن كما كان رسول الله كن حازما من غير عنف..
ها هو رأس النفاق عبد الله بن أبى بن سلول رجل له سجل حافل بالمكر والكذب والخداع والعداء للنبي عليه الصلاة والسلام..
دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خيري الدنيا والآخرة فأظهر خلاف ما يضمر وقال بلسانه ما ليس فى قلبه
وفى غزوة أحد قصم عدو الله ابن أبى ظهور المسلمين ورجع بثلث الجيش رجع وهو يهز كتفيه ويقول لو نعلم قتالاً لاتبعناكم , وبنى مسجدا ضرارا {وكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِّمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ..
ثم تولى ابن سلول كبره فى حادثة الإفك وقال فى حق العفيفة عائشة رضى الله عنها ما لا يقال , وفى وقت المحن والشدائد جعل يمشى بين الناس ويقول ( { لا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنفَضُّوا} )
جعل عدو الله ابن أبى يحارب الإسلام باستماتة وجعل يخادع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويمكر بالذين آمنوا حاله كحال الشيطان لا يكل ولا يمل يتعاون مع اليهود تارة ومع المشركين تارة ومع المنافقين تارة أخرى..
ومضت الأيام ومات عدو الله بعد أن ملأت رائحة نفاقه وعداوته كل مكان.. أتدرون كيف تعامل مع وفاته رسول الله صلي الله عليه وسلم؟
بعد ما مات عدو الله واستراحت منه العباد والبلاد جاء ابنه عبد الله وقد كان صادق الإيمان جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله لي إليك حاجة:
قال وما هي؟ قال اصفح عن ابن سلول فإنه قد أفضى إلى ما قدم, فقال نبى الرحمة قد صفحت عنه..
قال وأرجو أن يكفن في قميصك يا رسول الله لعل الله أن يرحمه فخلع نبى الرحمة قميصه حتى يُكفنَ فيه عدو الله..
ثم قال عبد الله يا رسول الله ولي طلب آخر:
قال وما هو؟ قال أن تصل على أبى لعل الله أن يجعل من صلاتك عليه رحمه..
فتقدم رسول الله ليصلى عليه فنهض عمر حتى أمسك بثوب رسول الله وقال تصلى على ابن سلولٍ يا رسول الله ؟!
فيتبسم صلى الله عليه وسلم تأنيساً لعمر وتطييباً لقلبه ويقول .. أخر عنى يا عمر .. قد قال لى ربى ( {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ} ) يا عمر إنى ربي خيرني وأنا اخترت وجعل رسول الله يستغفر له ويستغفر ويستغفر حتى نزل عليه قول الله ( { إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} )
عندها قال صلى الله عليه وسلم لو أعلم أنى لو زدت على السبعين يغفر الله له لزدت..
قلت صدق الله : ( {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين } )
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يؤلف بين قلوبنا وأن يصلح فساد نفوسنا..
الخطبة الثانية
بقى لنا فى ختام الحديث عن رحمة رسول الله بمن خالفوه وحسدوه وعاندوه وآذوه وكذبوه أن نقول كان قدوتنا وأسوتنا رسول الله بهم رحيما ومعهم كريما كان معهم لينا من غير ضعف كان معهم حازما من غير عنف
كان في العموم يدعو لهم ولا يدعو عليهم رجاء أن يهديهم الله رجاء أن يصلح الله أحوالهم وفى كل مناسبة كانت يداه ترتفعان ومعهما لسانه يقول ( اللهم اهد قومى فإنهم لا يعلمون )
أما نحن فوالله إننا لنظلم من ظلمنا ونقطع من قطعنا ونحرم من حرمنا فوالله إننا لنسب خصومنا فوالله إننا لندعو عليهم نفري في لحومهم نفضحهم نشنع عليهم نقول فيهم ما ليس فيهم انتصارا لأنفسنا وانتقاما منهم..
قلت: وهذا خلاف السنة التي نعرفها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يظلم من ظلمه ولم يكن يقطع من قطعه ولم يكن يحرم من حرمه ولم يكن يذم خصومه ولم يكن يدعو عليهم إلا ما ندر ولم يكن يشنع عليهم ولم يكن يتشفى منهم ولم يكن لينتقم لنفسه أبداً اللهم إلا أن تنتهك حرمة لله فكان ينتقم لله بها
أما نحن فنريد أن ندمر خصومنا وأن نسحق من خالفنا وأن نحرق من لا يرى رأينا هذه مصيبة ابتلينا بها ووقعنا فيها جميعا إلا من رحم الله.
الله سبحانه وتعالى حين تكلم عن المسلمين قال:
{ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}
فما أحوجنا لأن نكره الفعل السيء ولا نكره صاحبه ما أحوجنا لأن ننصح من أساء ما أحوجنا لأن نمد له أيدينا ونرحمه لأن ندعو له بأن يصلح الله حاله..
مر أبو الدرداء بنفر يضربون رجلا.. قال لماذا تضربوه؟
قالوا فعل كذا وكذا..
قال أرأيتم هذا الرجل لو سقط في بئر أكنتم تخرجوه؟
قالوا نعم نخرجه قال فعظوه وبصروه واحمدوا الله الذي عافاكم مما ابتلاه به
قالوا يا أبالدرداء ألا تبغضه قال إنما أبغض فعله فإن تركه فهو أخي.
نسأل الله العظيم أن يصلح أحوالنا وأن يحسن عاقبتنا في الأمور كلها.
- التصنيف: