مش متدين، لكنه طيب
من المفاهيم التي تحتاج تصحيحاً -وبشدة!
من المفاهيم التي تحتاج تصحيحاً -وبشدة!-:
(فلان أو فلانة مش متدين لكنه طيب، محترم، "جنتل"، مستقيم، مُتقن لعمله)..
وكأنَّ هذه الصفات كلها ليست جزءاً من التدين !
وهذا ناتج عن تصور "التَّدَيُّن" وكأنه محصور في شعائر معينة كالحجاب واللحية، واجتناب العلاقات غير المنضبطة بين الجنسين وما إلى ذلك.
- والصحيح أن علينا أن نوسع دائرة التدين في حِسِّنا وتَصَوُّرنا لتشمل كل خُلق جميل وكل معنىً من المعاني السامية كالخيرية والطيبة وحسن التعامل ومعونة الناس وإتقان العمل.
- ألم تسمع قول الله تعالى:
- {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يَعِظُكم لعلكم تذكَّرون}..
- ورسولُنا صلى الله عليه وسلم وسَّع الدائرة في الحديث الذي صححه الألباني:
- مر على النبي رجلٌ فرأى أصحابُ النبي من جَلَده ونشاطه ما أعجبهم، فقالوا: (يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله)!
- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياء وتفاخراً فهو في سبيل الشيطان}.
- المسلم والمسلمة، الذي لم يفعل ما يخرجه من دائرة الإسلام، والذي يعظم الله ويحب الله ورسوله ويُقر بأن المرجعية هي لشرع الله عز وجل، ويعترف لله بأخطائه وذنوبه ولا يبررها، ويقوم بأركان الإسلام لا يهدمها، فهو أو هي يصلي ويصوم ويزكي و إن استطاع حجَّ...فإن كل خُلق طيب لديه وكل عمل صالح يعمله هو "تَدَيُّن"، حتى وإن كان عاصياً مذنباً في جانب من الجوانب.
- في المقابل، من العبارات الخطيرة: (فلان متدين لكنه جلف في التعامل مع والديه/مهمل لأبنائه/"عواطلي" أو اتكالي لا يسعى على رزق عياله/يستدين من الآخرين ولا يهتم بسداد الدَّين/حقود...إلخ)
- (فلانة متدينة لكنها تغتاب زميلاتها، تحسدهن...إلخ)..
- وكأن هذه الذنوب لا تقدح في وصف "التدين" !
- كما أن كبائر الجوارح تقدح في "التدَيُّن" فكذلك كبائر القلوب تقدح فيه، بل كثيراً ما تكون أسوأ من كبائر الجوارح كما نص ابن القيم...فكم من شخص يوصف بأنه "متدين" وعنده حسد/سوء ظن بالمسلمين/عُجب/كبر...
- وكم من شخص لا يصنف –بالتعريف الضيق- ضمن دائرة المتدينين وعنده من خيرية القلب وسلامة الصدر وحسن الخلق ما يجعله يسبق "المتدين" في عرف الناس، ففي الحديث الصحيح قال نبينا صلى الله عليه وسلم:
«إنَّ اللهَ لَيبلغُ العبدَ بحُسنِ خُلُقِه درجةَ الصومِ والصلاةِ»، ولا يُقصد به طبعاً أنه يكفيه حسن الخلق ولو هَدَم ركنين من أركان الإسلام (الصوم والصلاة)! بل فيه التأكيد على أهمية شمول حسن الخلق في دائرة الطاعة و "التدين".
- حصر التدين في شعائر معينة خلل فكري كبير يكرس للعلمانية. وصحيح أن علينا الحذر من التهوين من شأن المعاصي وإجراء المقارنات التي لا معنى لها (فلانة متبرجة وأحسن من كثير من المتحجبات)..فهي مقارنات تُذكر في سياق التهوين من شأن هذه المعاصي.
- لكن في الوقت ذاته، علينا الحذر من تضييق دائرة "التدين"...فكل خير يجب أن يكون مشمولاً فيها، وكل صفة سيئة فإنها تنتقص منها وإن تمسك المسلم أو المسلم ببعض شعائر الدين:
{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ (47)}(سورة الأنبياء).
- التصنيف:
- المصدر: