الخطط الأمريكية لتغيير مناهج التعليم في العالم الإسلامي
تمثل مناهج التعليم المدخل الأمريكي الجديد لإعادة صياغة العقل والشخصية العربية والإسلامية، وتمثل مناهج التعليم والسيطرة عليها وتوجيهها أحد الأدوات الحاكمة في العقل الغربي لإحداث التغيير في أي منطقة..
تمثل مناهج التعليم المدخل الأمريكي الجديد لإعادة صياغة العقل والشخصية العربية والإسلامية، وتمثل مناهج التعليم والسيطرة عليها وتوجيهها أحد الأدوات الحاكمة في العقل الغربي لإحداث التغيير في أي منطقة؛ ذلك لأن التعليم ومناهجه هي التي تشكل وعي الإنسان وتصيغ طريقة تفكيره وشخصيته ومن ثم فالسيطرة على هذه المناهج هو الذي يضمن في المستقبل صياغة الشخصية وسلوكها وأفكارها وفق المضامين التي تضمنتها مناهج التعليم.
ومن الواضح أن أمريكا تعكف بجدية شديدة على كيفية السيطرة على الشخصية العربية والأسلامية عبر تغيير هويته، ولأن مناهج التربية الدينية والتاريخ واللغة العربية هي التي صاغت الشخصية العربية والاسلامية فإن إعادة صياغة هذه المناهج سوف يقود إلى الهدف الأمريكي وهو استنساخ شخصية جديدة لا تمثل تهديداً أو تحدياً للولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت مناهج التعليم الديني الإسلامي أحد أهم تجليات التصورات الأمريكية لمنع ظهور طالبان جديدة أو ظهور ابن لادن جديد، وعملت أمريكا فعلاً على تغيير مناهج المدارس التي تخرجت منها طالبان في باكستان كما عملت على تغيير مناهج التعليم في الجامعات السعودية الإسلامية وأيضاً في المستويات التعليمية الأدني في المراحل ما قبل الجامعية، وفي مصر تم تغيير مناهج التعليم الأزهري بكامله فيما وصف بأنه محاولة لعلمنة الأزهر.. ويجري العمل الآن لتغيير مناهج التعليم الديني في المدارس العامة بما في ذلك التفكير في إلغاء كتاب التربية الإسلامية واستبداله بما يسمي مادة الثقافة الدينية والتي يشترك في تدريسها الطلاب المسلمين وغير المسلمين.
وفي هذا السياق نشرت جريدة الأسبوع المصرية المستقلة ملخصاً لتقرير أعدته مجموعة من الخبراء السياسيين الأمريكيين البارزين والذين يعرفون بأنهم "مجموعة الـ19" وتم رفع هذا التقرير إلى جهاز الأمن القومي الأمريكي وعنوان هذه الدراسة " الجوانب النفسية للإرهاب الإسلامي " وقدم معدو الدراسة مجموعة من التوصيات التي تم رفعها للرئيس الأمريكي ووافق عليها فما هي هذه الدراسة المرعبة؟
مضمون التقرير الأمريكي:
اعتبرت الدراسة أنه أصبح من الواجب إيجاد صيغة ملزمة للتعاون بين الدول العربية وأمريكا فيما يخص تغيير مناهج التعليم والسياسة والإعلام والقبول بأدوار مشتركة بين الطرفين، واعتبرت الدراسة أن الصورة السلبية عن أمريكا وإسرائيل هي التي تشكل البذرة الأولى للأفعال الإرهابية ومن ثم فتغيير مناهج التعليم التي تحض على كراهية اليهود والعالم الغربي خاصة مما يدعو إلى القيام بأعمال إرهابية مثل مفهوم الجهاد الذي يحرض المسلمين على قتل أنفسهم في مقابل تدمير وإرهاب كل ما هو غير مسلم - على حد زعم التقرير -.
وتمضي الدراسة لتقول: إن أهداف الحملة الأمريكية على الإرهاب يمكنها السيطرة علي الأجيال القادمة لمدة عشر سنوات وهو ما يعتبر مسكِّن وقتي لكن تغيير مناهج التعليم من المرحلة الابتدائية هي التي تضمن وجود أجيال غير إرهابية.
وتشير الدراسة إلى أنه في كل 15 عاماً تظهر أجيال عنيفة فيما يشبه الدورة، وكل جيل يبدو أكثر عنفاً من الذي يسبقه والسبب ـ على حد زعمهم - هو الكتاب المقدس للمسلمين وهو القرآن وهناك صعوبات عملية في مطالبة الحكومات بتغيير القرآن!! ولكن هناك المرجعيات الدينية التي يمكن أن تقدم تفسيراً مختلفاً يساعد على تنفيذ المطالب الأمريكية.
وتري الدراسة أن مصر والسعودية لهما التأثير الأكبر، في حين أن أدوار الدول العربية الأخري هامشية وفرعية.. فالسعودية لها ثقلها الديني ومصر لها دورها كبلد للأزهر وهي أكبر دولة عربية وتموج داخلها صراعات هائلة للأفكار الدينية، وتقترح الدراسة تفريغ القرآن الكريم من مضمونه عن طريق:
- إلزام المراجع الدينية بالتركيز على الفروع المتعلقة بالعبادات بحيث يظل الدين علاقة بين المرء وربه دون أن يتجاوز ذلك إلى أي فعل يتصل بنهضة الأمة أو هويتها أو الدفاع عنها.
- ضروة التدرج في مناهج التعليم الديني بمصر والعالم العربي بحيث يبدأ التدريج من المرحلة الابتدائية بحيث تتغير مادة التربية الدينية لتكون مادة الثقافة الدينية التي تركز على فضائل الديانات اليهودية والمسيحية والإسلام والتأكيد على دور كل الأديان في بناء الحضارة الإنسانية.
- تغيير موضوعات المطالعة والنصوص في مادة اللغة العربية حيث لوحظ أن هذه الموضوعات تكرس الكراهية للآخرين وتحض الأطفال على تذكر تاريخهم الدموي في الحروب ضد الآخرين وهو ما يدفع هؤلاء الأطفال إلى عدم التعاون مع من يسمونهم أعداء.
- ضروة تغيير مناهج التاريخ والتركيز على تاريخ العلم والثورات العلمية والعادات والتقاليد دون الحديث عن مراحل الاستعمار أو تقديم القتلة على أنهم أبطال وشهداء - على حد زعم الدراسة - بل يجب ترسيخ إيجابيات الحضارة الغربية ودورها الرائد في التأثير على الشعوب العربية والإسلامية.
- تدريب المدرسين والرواد والمسئولين عن التعليم على هذه المفاهيم الجديدة حتى يمكن نقلها بشكل جيد للطلاب وذلك عن طريق استقدام هؤلاء المدرسين إلى أمريكا وتدريبهم على التأقلم مع هذه المفاهيم والأفكار الجديدة.
- القضاء على مفهوم النقل والتبعية وجعل اللغة الدينية عقلانية تعتمد على التفكير وعدم الانقياد.. وتقول الدراسة: " القوة التي اكتسبتها الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر كان بسبب غرس مفهوم النقل والتبعية للكتاب المقدس (القرآن الكريم) والسنة النبوية.
وتشير الدراسة إلى أن الإنسان تحدث له في المرحلة الإعدادية تغيرات فسيولوجية ومن ثم فالتدخل ضروري من أجل السيطرة عليه حتى لا يكون مشروعاً لإرهابي وذلك عن طريق تغيير مناهج التعليم التي تهدف نزع السلوك العدواني عند الطالب وجعله متعاوناً.
- المرحلة الثانوية هي المرحلة التي سيبدأ كل أصحاب ديانة في دراسة دينهم بشكل منفصل وفي هذه المرحلة يجب أن تكون المفاهيم هي العبادات والقصص التاريخية وتقييم عقلاني لبعض الأخطاء الشائعة عن الدين الإسلامي خاصة الجانب العدواني فيه ( تقصد مفاهيم الجهاد والاستشهاد والقتال والولاء ).
- وفي المرحلة الجامعية لا يكون هناك أي دراسة للدين ولكن تكون هناك برامج تعاون جامعية للتعارف على الطلاب في العالم الغربي، ويجري التركيز في هذه المرحلة على تعظيم النموذج الأمريكي خاصة الجانب الاستهلاكي فيه.
- الاعتماد على فكرة التأويل واستحداث لغة دينية جديدة في كل مبادئ وأساسيات الدين الاسلامي، خاصة فيما يتصل بالتعامل مع العالم الغربي، ويجب أن تكون هذه التأويلات إيجابية أي تتسق مع الدين الأمريكي الجديد، وتؤكد الدراسة الخطيرة أن هذه الخطط يجب أن تكون جزءاً من العلاقات الاستراتيجية الأمريكية مع العالم العربي وأن توقع بخصوصها اتفاقيات ثنائية مع الدول العربية في اطار مكافحة الإرهاب ورفض أي ادعاء بأن ذلك يمثل تدخلاً في الشؤون الداخلية للدول أو أنه اعتداء على السيادة الوطنية، فالحملة الدولية الأمريكية على الإرهاب تقتضي ذلك.
وترفض الدراسة وجود أي دولة دينية أو تتبني المرجعية الإسلامية خشية أن تكون مرتعاً للجماعات الإسلامية التي تتحدى الولايات المتحدة الأمريكية.
هذه هي الخطط الأمريكية الجديدة لبناء دين جديد على المقاس الأمريكي بحيث يكون هذا الدين هو صك الاعتماد للدخول إلى عالم الحداثة والاندماج في العالم الغربي وأمريكا، وهذه الخطط ليست أوهام وإنما هي موضوعة على المائدة ويجري نقلها إلى عالم الواقع؛ لذا فالهوية الإسلامية تواجه تهديداً خطيًرا على أهلها أن يكونوا مستيقظين لخطر ما يحاك لهم وأن يكونوا على مستوى التحدي واللحظة الراهنة والفاصلة.
___________________________________
- اسم الكاتب: كمال حبيب
- التصنيف: