الصلابة في مواجهة الأزمات
هدد الوباء بشرا هدد دولا بأكملها هدد كيانات كانوا يقولون عن أنفسهم من أشد منا قوة ؟
أيها الإخوة الكرام:
منذ أكثر من سنة والناس في أصقاع الأرض شرقا وغربا شمالا وجنوبا يعيشون حالة غير مسبوقة من الفزع والهلع ..
انقلبت أحوال الناس رأسا علي عقب بسبب البلاء الذي طم وبسبب الوباء الذي عم ..
هدد الوباء بشرا هدد دولا بأكملها هدد كيانات كانوا يقولون عن أنفسهم من أشد منا قوة ؟
هددهم في كل شيء .. هدد مصالحهم .. هدد معايشهم هدد تجارتهم هدد أسفارهم هدد هوائهم هدد حدودهم هدد ثقتهم بأنفسهم ..
وباء فتاك خنق الناس وكتم أنفاسهم وحبسهم في بيوتهم وشككهم في أنفسهم وضيق عليهم وفرق بين أفراد الأسرة الواحدة وحرج عليهم حتي باعد بين أكتافهم في الصلاة المكتوبة..
نكبة عالمية يشكوها القاصي والداني .. عاني منها الشرق والغرب واكتوي بنارها الفقراء والأغنياء وراح ضحيتها أقوياء وضعفاء ..
والسؤال يقول ؟
وما موقف المسلم في مثل هذه المحن والبلايا ؟
للجواب عن هذا السؤال أقول : المسلم له نظرة إلي ما يمر به من محن وبلايا وأزمات ونكبات تختلف عن نظرة غيره من الناس ..
غير المسلم يري في المحن والبلايا سواء كانت في الأموال أو في الأنفس أو في الثمرات غير المسلم يري أنها لعنة أنها انتقام من الله ، أنها غضب يصبه الله علي الناس وهذا هو يأس الكافر من روح الله وقنوطه من رحمته وفي التنزيل الحكيم " لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيئوس قنوط " ..
أما المسلم فيري في الأزمات والنكبات في النفس والمال والولد إشارة تحذير لونها أحمر ..
تقول له حسبك وكفي تقول له أقصر تقول له تنبه فأنت تسير في اتجاه معاكس لأمر الخالق البارئ سبحانه وتعالي فتنبه لموضع قدميك وكن بصيرا " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم "
وكأنه سبحانه وتعالي بما يسوقه للناس من محن وبلايا يلفت انتباهك ويصحح مسارك قال علي رضي الله عنه " ما نزل بلاء إلا بذنب " كل ذلك لتراجع نفسك لتراجع حساباتك وتصحح أوضاعك قبل فوات الأوان ..
في العام الثالث والثلاثين
من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام وفي أيام الخليفة الراشد عثمان بن عفان وتحت قيادة الداهية معاوية بن أبي سفيان غزا المسلمون جزيرة قبرص بعد أن خان أهل قبرص عهدا كان بينهم وبين المسلمين فغزا المسلمون قبرص فتحها المسلمون عنوة ووقع أهلها أساري..
ورد أنه لما فتحت جزيرة قبرص وفرق بين أهلها جلس أبو الدرداء صاحب رسول الله وحده يبكي في ناحية فقيل له أبا الدرداء ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله ؟
فقلب عينيه في أهل قبرص وكيف هو هوانهم وقال ما أهون الخلق على الله - عز وجل - إذا أضاعوا أمره ..
هذه الأمة كانت قاهرة ظاهرة وكان لهم الملك فلما تركوا أمر الله صاروا إلى ما ترون من القهر والأسر ...
عقيدة المسلم مبنية علي مطلق الإيمان بأن الله تعالي حكم عدل لا يظلم الناس شيئا ولكم الناس أنفسهم يظلمون " وما كان ربك مهلك القري حتي يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القري إلا وأهلها ظالمون "
عقيدة المسلم مبنية علي الإيمان الكامل بأن الله تعالي أرحم بعباده من آبائهم وأمهاتهم - حتي الموت - والذي هو كأس وكل الناس شاربه الله تعالي يكره أن يصيب به المؤمن لأن المؤمن يكره الموت والله تعالي يكره أن يحزنه..
وفي صحيح السنة ورد قول الله عز وجل في الحديث القدسي " «وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» ".
لا يظلم الله الناس ولكن الناس أنفسهم يظلمون
فإذا كان الإنسان منا بصورة أو بأخري تسبب فيما يصيبه من محن وبلايا وفيما يصيبه من غلاء ووباء وبلاء .. فعلي الإنسان أن يرفع أكف الضراعة إلي الله تعالي أن يشفي كل مريض وأن يعافي كل مبتلي علي الإنسان أن يتعرض لعفو الله ورحمة الله ..
وَلَمّا قَسا قَلبي وَضاقَت مَذاهِبي جَعَلتُ الرَجا مِنّي لِعَفوِكَ سُلَّما
تَعاظَمَني ذَنبي فَلَمّا قَرَنتُهُ بِعَفوِكَ رَبّي كانَ عَفوُكَ أَعظَما
فَما زِلتَ ذا عَفوٍ عَنِ الذَنبِ لَم تَزَل تَجودُ وَتَعفو مِنَّةً وَتَكَرُّما
علي الإنسان أن يحسن الظن بربه علي الإنسان ألا يفقد أمله في الله عليه أن يعلن فقره إلي الله تعالي أن يستغفر الله أن يرجع إلي الله تعالي مقلعا عن ذنبه نادما علي ما كان منه عازما علي ألا يعود تائبا إلي الله صادقا مخلصا ..
عندها فقط الله تعالي يعفو، يصفح، يتجاوز، عندها فقط الله تعالي يكشف البلاء ويصرف الوباء .. " ولو أن أهل القري آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض "
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث أن نقول إن الشريعة الغراء قد قررت أنه لا ضرر ولا ضرار .. وما لا ترضاه لنفسك لا ترضاه علي غيرك ، ولا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه كما قال النبي عليه الصلاة والسلام ..
فمن ابتلي بشيء من هذا البلاء فليكن حذرا يأخذ بكل سبب ممكن ويتداوي ويسأل الله أن يشفيه ..
ثم إنه من الأمانة أن يعتزل الناس فلا يزاحمهم ولا يخالطهم حتي يشفيه الله تعالي ..
نؤمن أن كل شيء بيد الله وأن ما أصابك لم يكن ليخطأك لكننا مع هذا الإيمان نأخذ بالسبب والأخذ بالسبب سنة من سنن الله تعالي في خلقه ..
حج عمر بن الخطاب فبينما هو في الطواف إذ وقعت عينه علي امرأة مجذومة ..
والجذام عافاكم الله مرض مزمن عادةً ما يؤثـر على الجلد والأعصاب الطرفية والغشاء المخاطي المبطن للجهاز التنفسي، وكذلك العيون. وإذا لم يتم علاج الجذام، فيمكن أن يؤدي إلى تلف دائم ومتزايد في الجلد والأعصاب والأطراف والعيون.
نسبة انتقال العدوي من المجذوم إلي غيره نسبة قليلة لكنها موجودة ..والسلامة لا يعدلها شيء، وفي الحديث " فر من المجذوم فرارك من الأسد "
حج عمر فبينما هو في الطواف إذ وقعت عينه علي امرأة مجذومة ..فقال لها يا أمة الله لو جلست في بيتك حتي لا تؤذي الناس ؟؟
فرجعت المجذومة إلي بيتها فلم تخرج منه حتي لا تؤذي الناس .. فلما مات عمر قيل لها مات الذي لم تخرجي بسببه فاخرجي فقالت ما كنت لأطيعه حيا وأعصيه ميتا .. وبقيت في بيتها لم تخرج منه حتي ماتت .
الشاهد : مهما كانت الظروف لا تهمل في نفسك ولا تجازف بصحتك ولا تؤذ غيرك كن حذرا وأحسن الظن بالله فمقاليد الأمور كلها بيد الله " وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو "
- التصنيف: