خطورة الإشاعة في القرآن والسنة والتأريخ، والتعامل الشرعي

منذ 2021-01-12

علَمُوا أنَّ كَثْرةَ الكلامِ تُكْثِرُ مِن سَقَطاتِ اللِّسانِ، والمُسلِمُ مأمورٌ بالصِّدْقِ في حديثِهِ وكلامِهِ، والتَّثبُّتِ من كلِّ ما يَقولُهُ أو يَنقُلُهُ، حتَّى لا يَقَعَ في الكَذِبِ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «كَفَى بالْمَرْءِ كَذِبًا ‌أنْ ‌يُحَدِّثَ ‌بكُلِّ ‌ما ‌سَمِعَ».

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحمَدُه ونستعينُه، مَن يَهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يُضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم عبدُه ورسولُه.

 

أمَّا بعدُ: (فإنَّ خَيْرَ الحديثِ كِتابُ اللهِ، وخيرُ الْهُدَى هُدَى مُحمَّدٍ، وشَرُّ الأُمُورِ مُحْدَثاتُها، وكُلُّ بدعَةٍ ضَلالَةٌ)، و (لا إيمانَ لِمَن لا أَمانةَ لَهُ، ولا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ).

 

أيها المسلمون: اتقوا اللهَ واحفظُوا ألسنتَكُم، واعلَمُوا أنَّ كَثْرةَ الكلامِ تُكْثِرُ مِن سَقَطاتِ اللِّسانِ، والمُسلِمُ مأمورٌ بالصِّدْقِ في حديثِهِ وكلامِهِ، والتَّثبُّتِ من كلِّ ما يَقولُهُ أو يَنقُلُهُ، حتَّى لا يَقَعَ في الكَذِبِ، قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «كَفَى بالْمَرْءِ كَذِبًا ‌أنْ ‌يُحَدِّثَ ‌بكُلِّ ‌ما ‌سَمِعَ» (رواه مسلم)،

وقالَ عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ: «بِحَسْبِ الْمَرْءِ مِنَ الكَذِبِ أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ») رواه مسلم، وقال مالك: (اعلَمُ أنَّهُ ‌فَسَادٌ ‌عظيمٌ أنْ يَتَكَلَّمَ الإنسانُ بكُلِّ ما يَسْمَعُ)، وقال عبدالرحمن بن مهدي: (لا يَكُوْنُ إمامًا في العِلمِ مَنْ حَدَّثَ ‌بكُلِّ ‌ما ‌سَمِعَ) انتهى، قال النووي: فيه (‌الزَّجْرُ ‌عنِ ‌التحديثِ بكُلِّ ما سَمِعَ الإنسانُ، فإنهُ يَسْمَعُ في العَادَةِ الصِّدْقَ والْكَذِبَ، فإذا حَدَّثَ بكُلِّ ما سَمِعَ فقدْ كَذَبَ لإخبارِهِ بما لمْ يَكُنْ) انتهى.

 

وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: 6]، قال الشوكانيُّ: (والْمُرَادُ مِنَ التَّبَيُّنِ: التَّعَرُّفُ والتَّفَحُّصُ، ‌ومِنَ ‌التَّثَبُّتِ: ‌الأَنَاةُ وعَدَمُ الْعَجَلَةِ، وَالتَّبَصُّرُ فِي الْأَمْرِ الْوَاقِعِ، وَالْخَبَرِ الْوَارِدِ حَتَّى يَتَّضِحَ وَيَظْهَرَ) انتهى.

 

والْمُتأمِّل في الكتاب والسُّنة، وفي التاريخ بشكل عام، يعلم يقينًا ما للشائعات من خطرٍ عظيم، وأثرٍ بليغ، فالشائعاتُ تُعتبرُ مِن أخطرِ الأسلحةِ الْمُدِّمرة للمجتمعات والأشخاص، فكم أقلقت الإشاعات مِن أبرياء، وهدمت وشائج، وتسببت في جرائم، وفككت من صداقات، وكم هزمت من جيوش، وأخَّرت من سير أقوام؟! بل إن ما واجهه النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإفك، هو حدث الأحداث في تاريخه عليه الصلاة والسلام، فلم يُمكر بالمسلمين مكرٌ أشدُّ مِن تلك الواقعة، وهي مجرَّدُ فِرْيةٍ وإشاعةٍ مُختلَقَةٍ بيَّن الله في كتابه كذبها، لكنها لولا عناية الله لكانت قادرة على أن تعصف بالأخضر واليابس، ولا تُبقي على نفس مستقرةٍ مطمئنة، ولقد مكث مجتمع المدينة بأكمله شهرًا كاملًا وهو يصطلي نار تلك الفِرية، ويتعذب بتلك الإشاعة الفاجرة، حتى أنزل الله آياتٍ في تبرئةِ أُمِّ المؤمنين رضي الله عنها، فكان في ذلك دروسًا تربوية رائعةً لكلِّ مجتمعٍ مسلمٍ إلى قيام الساعة، وصدق الله: {لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [النور: 11]، وقد وقع للمسلمين في العهد الأول شائعات كان لها آثار سيئة، منها الشائعة التي انتشرت أن كفار قريش أسلموا، وشائعة قتل النبي صلى الله عليه وسلم في معركة أحد، وأدت الشائعات الكاذبة إلى قتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

 

عبد الله: إن الذي ينبغي عليك عند سماع الإشاعات:

أولًا: أنْ تُحسنَ الظنَّ بأخيك المسلم، وأنْ تُنزلَ أخيك المسلم بمنزلتك، قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} [النور: 12].

 

ثانيًا: أن تطلُب الدليل، قال تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: 13].

 

ثالثًا: أن لا تحدث بما سمعته ولا تنشره، فإن المسلمين لو لم يتكلَّموا بمثل هذه الشائعات لماتت في مهدها، ولم تجد من يحيها إلاَّ مِن المنافقين، قال تعالى: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا} [النور: 16].

 

رابعًا: أن تَرُدَّ الأمر إلى ولاةِ الأمور، ولا تُشيعه بين الناس أبدًا، وهذه قاعدة عامَّة في كُلِّ الأخبار المهمَّة، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء: 83].

 

خامسًا: الحذر من المنافقين، قال تعالى: {لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 47]، قال شيخ الإسلام: (فأخبر أن المنافقين لو خرجوا في جيش المسلمين ما زادوهم إلا خبالًا، ولكانوا يسعون بينهم مسرعين، ‌يطلبون ‌لهم ‌الفتنة، وفي المؤمنين من يقبل منهم ويستجيب لهم: إما لظن مخطىء، أو لنوع من الهوى، أو لمجموعهما، فإن المؤمن إنما يدخل عليه الشيطان بنوع من الظن واتباع هواه) انتهى.

_____________________________________

المؤلف: عبدالرحمن بن سعد الشثري

  • 5
  • -1
  • 7,164

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً