موقف المؤمن من المحن والنوازل
المصائب والآلام قدر لازم لا ينفكُّ عن العبد، ولا راحة إلا حينما يضع قدميه في الجنة، هناك فقط يجد الراحة التي لا يشوبها كدر، والطمأنينة التي لا ينغِّصها قلق
الحمد لله رب العالمين، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فإن الحياة الدنيا لا تخلو من الأزمات والمصائب، ولا يكاد أحد ينجو من هم إلا يقع في هم أشد منه، وقد أقسم الله عز وجل بالبلد الأمين وبمدة إقامة النبي صلى الله عليه وسلم فيه، وبآدم وذريته على أنه سبحانه خلق الإنسان في كبدٍ؛ قال تعالى: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ * لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 1 - 4]؛ أي يكابد مصائب الدنيا والآخرة؛ كما قال الحسن، وقال قتادة: خلقه في مشقة فلا تلقاه إلا يكابد أمر الدنيا والآخرة؛ (تفسير البغوي ج5 ص 254).
وقديمًا قال الشاعر العباسي أبو الحسن التهامي عن الدنيا:
طُبعت على كدرٍ وأنت تريدها *** صفـوًا من الأقذاء والأكدار
ومـكـلف الأيـام ضـد طبـاعهـا *** متطلب في الماء جذوة نار
فالمصائب والآلام قدر لازم لا ينفكُّ عن العبد، ولا راحة إلا حينما يضع قدميه في الجنة، هناك فقط يجد الراحة التي لا يشوبها كدر، والطمأنينة التي لا ينغِّصها قلق، أما في الدنيا فلا يزال المرؤ في تعب ونصب تصيبه اللأواء، وتطحنه الأزمات طحن الرحا للحَبِّ، حتى يخرج من هذه الدار إلى دار لا تعب فيها ولا نصب، ولا صخب فيها ولا وصب.
وليس المهم هو وجود الأزمات، فهي كما ذكرنا قدر لازم لا ينفك عن العبد، وإنَّما المهم هو كيف يتعامل المرؤ مع الأزمات؟
إنَّ المؤمن الحق هو الذي يفقه عن الله مراده، فيقرأ كتاب الله بفهم ثاقب ينير له الطريق في هذه الحياة، وقد بيَّن الحق تبارك وتعالى أنه جعل كتابه مبيِّنًا وموضِّحًا لكل شيء: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
ففي القرآن والسنة دواء لكل داء ينزل بالأمة، لكن جهل المسلمين بدينهم هو الذي جعلهم يخبطون في هذه الحياة خبط عشواء لا يدرون ماذا يفعلون.
إنَّ أوَّل ما يطالعنا في كتاب الله عز وجل في التعامل مع الأزمات هو أنَّه ينبغي للمسلم أن يتثبت في كل ما يقوله في أوقات الأزمات، فلا يكون بوقًا ينشر كل ما سمعه، ففي أوقات الأزمات تنتشر الشائعات التي تهوِّل من الأزمة النَّازلة بالأمَّة، ولو لم يتثبت المسلم من كل كلمة قبل أن ينطق بها، ربما كان سببًا في فساد عريض، فكلمة من هنا وكلمة من هناك، ربما تكون سببًا في ضياع الأمة ونزول العدوِّ بساحتها واحتلال أرضها، أو أن يَفُتَّ في عَضُدِ الأمة فلا تقوى على مواجهة البلاء النازل مهما كانت درجة ضَعفه؛ لهذا قال الحق تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: بئس مطيَّة الرجل زعموا؛ (أخرجه البخاري في الأدب المفرد).
وقد وصف الله عز وجل من لم يتثبت في نقل أخبار الفتن بأنه لا يُعمل عقله، ولا يتلقى الخبر بأذنه ليمر على قلبه، فيفهم المراد منه، وماذا تحته، وإلى ماذا يرمي مَن أشاعه، إنما يتلقى الخبر بلسانه، فينقله بمجرد سماعه؛ قال تعالى: {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: 15].
فهذا حال من لم يتثبت في الأخبار، كمن يتلقى الخبر بلسانه لينشره بمجرد سماعه، فالواجب على المسلم أن يتثبت عند سماع كلام، وألا يسارع إلى نشره، وإنما عليه أن يتدبره، ليعلم ما يراد منه؛ حتى لا يكون سببًا في شر مستطير.
حينما اكتسح التتار العالم الإسلامي، لم يكن العالم الإسلامي ضعيفًا للدرجة التي تمنعه من أن يقف في وجه الغزو التتري، بدليل وقوف جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه ضدهم، وتمكُّنه من تحقيق النصر عليهم، لكن هناك عوامل أدَّت إلى الهزيمة التي حاقت بكثير من جيوش الإسلام، من أهمها انتشار الشائعات عن قوَّة جيش التتار، وأنَّه لا يُهزم، وأنهم يأكلون لحوم البشر، فلهذا نقل الإمام ابن الأثير أن المرأة من التتار كانت تدخل على أهل البيت، فتقتلهم جميعًا لا يتحرك منهم إنسان، وأنَّ الرجل منهم كان يدخل الدرب، فيقتل مائة رجل لا يدافع منهم أحد عن نفسه، خوفًا من التتار مما أشيع عنهم.
فالواجب على المسلم عند نزول الأزمات ألا يتحدث بكل ما يصل إلى سمعه، وإنما يعرضه على قلبه، ولا يكون سببًا في انتشار الكذب.
الأمر الثاني: رد الأمور إلى أهلها العالمين بها.
فهناك في كل شأن متخصصون ينبغي رد الأمور إليهم، فليس كل واحد يصلح أن يكون مرجعًا في الأمور النازلة، وإنما ينبغي أن يرد الأمر إلى عالمه المتخصص فيه؛ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59].
فعاب الحق تبارك وتعالى على مَن ينشر كلَّ خبر يصل إلى سمعه، وأمر بردِّ الأمر إلى الرسول وإلى أولى الأمر الذين يحسنون استنباط الأحكام، فهم الذين ينبغي أن تُردَّ إليهم الأمور، وهم الذين ينبغي أن يفتوا في النازلات، كلٌّ حسب تخصصه، ففي الأمور الطبية ينبغي أن يرد الأمر إلى الأطباء، فهم الذين عناهم الله بقوله: (يستنبطونه) إذا كان الأمر متعلقًا بالأمور الطبية، وكذلك أهل كل فنٍّ هم أهل الذكر فيه الذين أمرنا الله بالرجوع إليهم وسؤالهم عما نزل بنا؛ قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [الأنبياء: 7].
الأمر الثالث: المصارحة والنصح للمسلمين:
فمما ينبغي على المسلمين عند نزول الأزمات أن يصارح المختصون العامة بحجم الأزمة النازلة، حتى يكونوا على وعي تام بحجم الأزمة التي نزلت بهم، والمصيبة التي حلَّت بساحتهم، فلا يجوز أن يكون المختصون في واد وبقيَّة الشعب في واد آخر، بل ينبغي أن يُشرك المختصون أمتهم في الأمور النازلة، ويُبينوا لهم خطورة الموقف؛ حتى لا يُفاجؤوا بأن العامة يتخذون مواقف سلبية تجاه الأزمات النازلة، أو أنهم لا يتخذون التدابير الوقائية التي نصحهم بها المتخصصون.
إن معرفة الناس بحجم الأزمة النازلة يسهم في إيجاد وعي بها، ثم ينتج عنه انفعال لائق بحجم الأزمة النازلة، ثم تأتى بعد المصارحة التناصح، فينبغي أن ينصح كل مسلم أخاه بما وصل إليه من علم صحيح؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة» قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم»؛ رواه مسلم عن تميم الداري.
ولأهمية النصح للمسلمين جعله النبي صلى الله عليه وسلم بندًا من بنود البيعة التي كان يبايع عليها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه، ففي حديث جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، بايعني على الهجرة، فبايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، واشترط عليَّ النصح لكل مسلم، فبايعته على هذا)؛ أخرجه الطبراني.
الأمر الرابع: استنهاض الهمم:
فمما ينبغي أن يُتَّبع عند نزول الأزمات أن تُستنهض الهمم، وأن تُجيَّشَ كل القوى لمواجهة الأزمات النازلة، فلا ينبغي أن يُقلل من جهد أحد، ولا أن يُنحَّى أحد جانبًا، فنحن جميعًا في خندق واحد، لا يصاب شخص وينجو غيره، بل المصيبة إن نزلت فلن تستثني أحدًا، ولهذا ينبغي أن يقف الكل صفًّا واحدًا في مواجهة الأزمات النَّازلة، وألا يقلل من جهد أحد، فربما نستقل جهد إنسان ويكون الخير كله فيما فعله، ففي حصار الخندق لَما اجتمع الأحزاب حول المدينة من كل حدب وصوب، وكانوا كما وصف الله عز وجل: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} [الأحزاب: 10].
في هذه الأزمة الطاحنة لم يستقلل النبي صلى الله عليه وسلم دور رجل جاء مسلمًا، وأراد أن ينصر المسلمين، ففي سيرة ابن هشام قال: ثم إن نعيم بن مسعود أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد أسلمت وإنَّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمُرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما أنت فينا رجل واحد، فخذِّل عنا إن استطعت، فإن الحرب خدعة».
فهذا رجل واحد جاء مسلمًا، عرض على رسول الله أن يُسهم في حل الأزمة النازلة، فلم يقلل النبي من جهده، ولم يقل له: ماذا ستفعل وأنت رجل واحد، وإنما أذِن له أن يفعل ما يشاء؛ ليسهم في حلِّ الأزمة، وقد كان له دورٌ عظيم في تمزيق وَحدة الصف المشرك، وتشتيت شملهم.
فينبغي ألا يُقلَّلَ من جهد أحدٍ، وأن يَتكاتف الكل لإزالة الغمة التي تنزل بالأمة.
الأمر الخامس: التعاطف والتراحم بين المسلمين:
فمما ينبغي أن يسود عند نزول الأزمات أن يتعاطف الناس وأن يتراحموا، وأن يعين بعضهم بعضا، وأن يتكاتف الكل يدًا بيد حتى تزول الغمة، وينجلي الكرب عن الأمة، فما أجمل أن نسمع عن شباب متطوع لإيصال الطعام إلى بيوت المرضى الذين حبسهم المرض في بيوتهم، وما أعظم هؤلاء الأطباء الذين يعالجون الناس عن طريق الهاتف أو صفحات التواصل في زمان نزول الأزمات، وامتناع الناس من الخروج من بيوتهم.
هكذا ينبغي أن يكون المجتمع عند نزول الأزمات، تكاتف، وتراحم، وتعاطف، وتوادُّ، وتحابُّ، وتناصر، بمثل هذا تزول الأزمات، وتنزل الرحمات.
الأمر السادس: الثبات عند نزول الأزمات:
فالمسلم الحق لا تزلزله فتنة، ولا تعصف بقلبه مصيبة، فإيمانه في قلبه كالطود الأشم لا تعمل فيه الرياح، ولا تحرِّكه الأعاصير، لا تزيده قوة الابتلاء إلا قوة ثبات، كالمعدن الأصيل لا يزيده العرض على النار إلا لمعانًا وبريقًا.
إن المؤمن الصادق في إيمانه يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليُصيبه، وأن ما يصيبه هو دائمًا خير له، فلهذا تراه مطمئنًّا في هذه الحياة، فلا تعمل فيه مصيبة، ولا تزلزله فتنة، حاله كحال أبي بكر حين نزلت به فتنة الردة، لم تزلزل قلبه العواصف، ولم تطش بلُبِّه الفتنة، وإنما وقف كالطود الشامخ، كالأسد يدافع عن أشباله، يكافح وينافح عن الإسلام، ويرفض أن ينقص شيء من الدين، ويقول في حزم: (أينقص الدين وأنا حي)، حتى قالوا في وصفه: كانت الأخبار السيئة في هذه الأزمة تزيده قوةً، ذلك أنه يعلم صدق موعود الله، وأن الدين لن يضيع، وأن هذه الأمة لن تموت، وهكذا ينبغي أن يكون المسلم عند نزول الأزمات، يعلم أن كل شيء بقدر، وأن ما أصابه خير له، فهو إن أصيب فصبر، فهو خير له، وإن عوفي فشكر، فهو خير له؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن إنَّ أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له» (رواه مسلم).
وهذا يثمر له الرضا بقضاء الله وقدره، ويجعله دائمًا في راحة نفسية، وطمأنينة قلبية.
الأمر السابع: الأخذ بالأسباب:
فمما ينبغي على المسلم في أوقات النوازل أن يأخذ بالأسباب التي ينصح بها المختصون في التعامل مع الأزمة النازلة، فلا يظُنَّنَّ عاقل أننا إذا قلنا أن ما يصيب المسلم هو دائمًا خير له، أن معنى ذلك ألا يحتاط لنفسه، وألا يأخذ بالأسباب التي يحفظه الله بها من الأمراض والابتلاءات، فليس من الدين التعرض للابتلاء، وليس من الدين أن يلقي المسلم بنفسه إلى التهلكة، ثم يقول: لن يصيبني إلا ما قُدِّر لي، فهذا فهم خاطئ، إن الذي قال لك واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، هو من قال لك: فرَّ من المجذوم فرارك من الأسد، وهو الذي قال لك: لا يوردنَّ ممرض على مصح، فالفهم الصحيح يجمع بين النصوص، ويورث ردة الفعل الصحيحة، وأما الفهم الخاطئ، فيؤدي بالمرء إلى الضياع، وبالأمة إلى الهلاك، فينبغي أن يشاع الفهم الصحيح، حتى لا يبقى مكان للفهم الخاطئ الذي يضيع الجهد ويبدد الطاقات.
الأمر الثامن: اللجوء إلى الله ورفع الأيدي إليه بقلوب خاشعة:
إن الواجب على المسلم في الأزمات أن يلجأ إلى الله عز وجل، فهو سبحانه بيده مقاليد كل شيء، ولا ينزل بلاء إلا بقدره، ولا يرفع إلا بإرادته، فعلى المسلم أن يتوجه إلى الله بضراعة أن يرفع البلاء عن الأمة، وأن يكشف الغمة عنا، فهو سبحانه القادر على كل شيء، وبيده مقادير كل شيء، وهو سبحانه حيي ستِّير يستحيي أن يرفع عبده إليه يديه أن يردهما صفرًا خائبتين، وهو سبحانه أرحم بنا من أمهاتنا، فلو أخلصنا في الدعاء والتضرع، وصدقنا في عودتنا وأوبتنا إلى الله، لرفع الله البلاء ولكشف الضرَّ، والله عز وجل يبتلي عباده ليرجعوا إليه؛ قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 42، 43].
فالله سبحانه يبتلي عبادهم ليسمع بكاءهم وتضرُّعهم، فلو فعلوا لرفع عنهم البلاء، ولَمَنَّ عليهم بالعافية، فما بيننا وبين رفع البلاء إلا أن نرفع أكُفَّنا إلى الله عز وجل ونحن موقنون بأن رفع البلاء مقرون برفع الأيدي بالدعاء؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً مِن قلب غافلٍ لاهٍ» (أخرجه الترمذي).
الأمر التاسع: عودة صادقة:
البدارَ البدار إلى التوبة، فينبغي علينا أن نسارع إلى التوبة من جميع الذنوب، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة، هكذا قال العباس وعلي رضي الله عنهما، ولَمَّا اضطربت المدينة في عهد عمر، وتزلزلت الأرض، قال عمر رضي الله عنه: ما هذا إلا بذنب أحدثتموه، ولو عادت فلن أساكنكم فيها، فعمر رضي الله عنه يوضح للأمة أن البلاء العام والفتن والأزمات العامة لا تقع إلا بذنب يُحدثه الناس، ونحن لا نسرح بطرفنا يمينًا ولا شمالًا إلا ونرى منكرًا قد ارتُكب أو معروفا قد تُرك، فعلينا أن نتواصى جميعًا بالتوبة، وأن نعلم أن ما أصابنا إنما هو بذنوبنا، وأن يتهم كل واحد منا نفسه بأنه السبب فيما أصاب الأمة من مصائب ومحن، وأن يجدد العهد مع الله على التوبة الصادقة، فلو فعلنا لغيَّر الله ما بنا، ولأذهب هَمَّنا، ولفرَّج كَربنا.
نسأل الله أن يزيل الكرب، وأن يكشف الغمة، وأن يجعلنا جميعًا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.
- التصنيف: