تعلمت من سيدنا يوسف -2
شكرا لسيدنا يوسف فمن قصتك تعلمت أن لا أشكو بثي وحزني إلا إلى الله، فالناس إما محب وإما مبغض، فالمحب سيحزن لأجلي والمبغض سيشمت بي
** وتعلمت أﻥ ﻓﻲ ﻛﻞ مكان متسعا للدعوة، مملوك ﻓﻲ ﺍﻟقصر تدعو ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، سجين ﻓﻲ ﺍﻟسجن تدعو ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، عزيز على كرسي الملك تدعو إلى الله:
{يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} [يوسف:40]
** وتعلمت منك ﺃﻥ المعدن الأصيل لا تغيره الأماكن ولا المواقف
في السجن قيل لك {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:36] وعلى كرسي الملك كنت من المحسنين {قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:78]
** شكرا لسيدنا يوسف فمن قصتك تعلمت أن الحسد وراء كل شر، فهو أول ذنب عصي الله به في السماء، وهو أول ذنب عصي الله به في الأرض، فما قتل قابيل أخاه إلا حسدا، وما ألقيت أنت في الجب إلا حسدا
** وتعلمت أن الفساد يكون غالبا من سوء الإدارة لا من قلة الموارد، وأنك حين نجوت بأهل مصر من القحط لم تأت لهم بموارد جديدة، وإنما بعقلية إدارية جديدة للموارد القديمة
{قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ} [يوسف:47]
** وتعلمت أن أخطط وأدبر، وأنه لا يصل الناس إلى حاجاتهم إلا بالتخطيط والتدبير، فالقحط كان له خطة وتدبير، وإبقاء أخيك عندك كان له خطة وتدبير.
** وتعلمت أن الدنيا حرب مستعرة بين الحق والباطل لا تهدأ إلى قيام الساعة، الجنود فقط هم الذين يتغيرون، فصراعك مع امرأة العزيز هو صراع العفة والشهوة في كل عصر، وصراعك مع إخوتك هو صراع الحب والبغض في كل عصر.
** وتعلمت أن الله دوما يختار سلاحا للمعركة لا يخطر على بال أحد، كان سبحانه قادرا أن يرسل ملائكة تحطم جدران السجن وتخرجك، ولكنه أرسل إلى الملك «حلما ورؤيا»
** وتعلمت أن المناصب تكليف لا تشريف، وما طلبت خزائن الأرض لتملكها وإنما لتوزعها، ولو علمت أقدر منك على هذا ما طلبتها
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]
** وتعلمت أن للحب رائحة لا يعرفها إلا المحبون، لذلك وجد أبوك ريحك قبل أن يصله قميصك
** وتعلمت أن العدل بين الأبناء مطلب، وأن الآباء قد يوغرون صدور أولادهم بعضهم على بعض دون أن يشعروا.
فلابد أن يستقر الحب الزائد في القلوب، ولا يجاوز إلى السلوك
** شكرا لسيدنا يوسف فمن قصتك تعلمت أن لا أشكو بثي وحزني إلا إلى الله، فالناس إما محب وإما مبغض، فالمحب سيحزن لأجلي والمبغض سيشمت بي، وكلاهما لا يملك من أمر حزني شيئا، فلماذا لا أشكو بثي وحزني إلى من بيده الأمر كله؟!
{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[يوسف:86]
قال أهل التفسير:
(قال) لهم (إنما أشكوا بثي) هو عظيم الحزن الذي لا يصبر عليه حتى يبث إلى الناس (وحزني إلى الله) لا إلى غيره فهو الذي تنفع الشكوى إليه (وأعلم من الله ما لا تعلمون) من أن رؤيا يوسف صدق وهو حي
** شكرا لسيدنا يوسف فمن قصتك تعلمت أن أتجاهل لإبقاء ود، وأتغافل لإبقاء علاقة ..{قَالُواْ إِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنتُمْ شَرٌّ مَّكَاناً وَاللّهُ أَعْلَمْ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف:77]
فالنبيل يتجاهل، وقد قالت العرب: سيد قومه المتغابي
اللهم وفقنا لما تحب وترضى
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: