العقول الجائعة
إنَّ العقول تجوع مثلما البطون تجوع، البطون عندما تجوع إمَّا أن تأكل ما يفيد أو أن تأكل ما هو ضارٌّ، وبذلك يعود على باقي الجسد. كذلك هي العقول؛ إمَّا أن تتلقَّى العلمَ النَّافع المفيد؛ فترتقي وتسمو، أو أن تتلقَّى الضارَّ؛ فتنتكس وتصبح أداة هدم في المجتمع.
لعلَّ القاعدة المشهورة التي تقول: إنَّ العقول تجوع مثلما البطون تجوع، هي حقيقة واقعيَّة؛ البطون عندما تجوع إمَّا أن تأكل ما يفيد ويساعِد الجسم أن يقوم بمهامِّه، أو أن تأكل ما هو ضارٌّ، وبذلك يعود ضرره على باقي الجسد.
كذلك هي العقول؛ إمَّا أن تتلقَّى العلمَ النَّافع المفيد؛ فترتقي وتسمو، أو أن تتلقَّى الضارَّ من العلوم؛ فتنتكس وتصبح أداة هدم في المجتمع.
هنا تكمن أهميَّة وجود ما يغذِّي وينمِّي هذا العقل البشري بكلِّ ما هو مفيد؛ حتى يُستفاد منه في بناء الحضارات الإنسانيَّة، التي تعتبر نتاج عقول تغذَّت بكلِّ ما هو مفيد ونافع.
تكمن أهميَّة طرح مثل هذا الموضوع في هذا الوقت خاصةً؛ لوجود كمٍّ هائل من المعلومات في هذا العصر، أصبح الوصول إليها يتطلَّب فقط بحثًا لا يتجاوز دقائق في محرِّكات البحث المعروفة، كذلك وجود عدد هائل من الشَّباب يفوق الـ ٦٠ ٪ من إجمالي عدد السكَّان في منطقة الخليج العربي خاصَّة، يجعلنا ندقُّ جرس الإنذار بأهمية المحافظة على أغلى وأعزِّ ما نملك؛ شبابنا، الذين هم أمَل الأمَّة وكنزها الحقيقي.
لذا؛ لا بدَّ من تحديد على مَن تقع مسؤوليَّة المحافظة على شبابنا الذين هم الثَّروة الحقيقية التي نملِكها، واستثمارها فيما ينفع سيعود على الجميع بالنَّفع والفائدةِ، وتقع هذه المسؤوليَّة على الجهات التالية:
١. البيت: وهو المحضن الأساس الذي له التأثير الكبير على توجيه الأبناء الوجهة الصحيحة.
إن ترك الأبناء لوسائل الاتصال الحديثة، تربِّيهم وتوجِّههم، سيجعلهم يقعون فريسة سهلةً للذِّئاب البشريَّة في هذه المواقع؛ لذلك لا بدَّ على الوالدين من تَحصين الأبناء وتغذيتهم كلَّ ما هو نافع ومفيد.
على الوالدين أن يفتحوا نقاشات وحوارات مع أبنائهم؛ حتى يتم توجيههم الوجهةَ الصَّحيحة، وتحصينهم ممَّن يسعى إلى اختِطاف عقولهم وتسخيرها فيما لا فائدة منه.
٢. المدارس والجامعات: يقع عليها مسؤوليَّة كبيرة؛ لكونها الرَّافد المعرفي المفيد الذي سيَحمي أبناءنا ويجعلهم نواةَ خير وأمل لأوطانهم؛ لعلَّ من الملاحظ على دور جامعاتنا أنَّه لم يتخطَّ أسوار الجامعة بعدُ، ويحتاج إلى مَن ينطلق به إلى كافَّة شرائح المجتمع بكل مستوياتهم.
٣. الأندية الثقافية المنتشرة في جميع المدن: يقع على عاتقها مسؤوليَّة في التأثير على أبناء المجتمع كافَّة وتوجيههم الوجهة الصحيحة، ودعوني أقل للأسف: هذه الأندية نَفعها وفائدتها مَحدودة جدًّا، وتحتاج إلى مَن يعيد إليها دورها المنوط بها.
٤. وسائل الإعلام بكافَّة أنواعها: لها دور كبير في التَّحصين والارتقاء بجميع فئات المجتمع.
ما نراه الآن من وسائل الإعلام يَنقسم إلى قسمين؛ منها النَّافع المفيد، ويقوم عليه خيرة أبناء المجتمع، ومنها للأسف الضار جدًّا، الذي يشكِّك في المبادئ والثَّوابت، وينشر الفسادَ والرذيلة، ومن نتائجه للأسف أنَّ العقول تغذَّت على وجبات فاسِدة، ستنتج لنا جيلًا يَحمل أفكارًا وتوجهات فاسِدة، أو يخرج لنا شبابًا ناقمين على هذا النَّهج الإفسادي الممنهَج، وبالتالي يقع فريسةً سهلة الاصطياد للغالين والمنحرفين.
٥. المثقفون والمفكِّرون: عليهم دور كبير في نَشر العلم النَّافع وحماية المجتمع من جميع الأفكار الضارَّة والهدامة، التي للأسف أصابت العديدَ من شبابنا؛ فمِن شبابنا مَن تجرَّد من كل مبادئه وقيمه وأخلاقه، والصنف الآخر للأسف استحلَّ دماءَ أبناء وطنه، وكفَّرهم بسبب شُبهات تغذَّى عليها عقله، ولو تمَّ معالجتها في حينها لَما وصَلنا إلى ما وصلنا إليه الآن؛ لذلك يجب على أهل العِلم والفِكر النزولُ إلى الميدان، بدلًا من الجلوس في أبراج عاجية لا ترى الواقعَ وما يَحدث فيه.
٦. تفعيل دور المكتبات المنتشرة، ونَشر ثقافة القراءة بين أبناء المجتمع، التي تعتبر هي الطَّريق الصحيح والسليم لإنتاج عقول سليمة محصنة.
٧. إبراز دور العلماء والمفكِّرين في كافة العلوم إعلاميًّا؛ حتى نَصنع قدوات للأجيال القادمة، تَحتذي بها، وتسير على طريقها؛ وبذلك نَقطع الطريقَ على من يريد التسلُّل إلى عقول أبنائنا وفتياتنا.
هذه بعض الوسائل لحِفظ شبابنا، والتأكُّد من أن عقولهم تتغذَّى على العلوم النَّافعة التي بدورها ستَنعكس إيجابيًّا على الأسرة والمجتمع.
___________________________
الكاتب: علي الغامدي
- التصنيف:
- المصدر: