الرزق الباطن
أكثر الناس في هذه الدنيا منشغلون بالرزق الظاهر، غافلون عن الرزق الباطن؛ منشغلون بجمال الشكل وثراء المال وامتلاك الأطيان، يتحاسدون ويتباغضون ويحقدون من أجل الدنيا وحطامها، والمناصب والمكاسب، مع أن الحياة لا تطيب إلا بالأرزاق الباطنة
أكثر الناس في هذه الدنيا منشغلون بالرزق الظاهر، غافلون عن الرزق الباطن؛ منشغلون بجمال الشكل وثراء المال وامتلاك الأطيان، يتحاسدون ويتباغضون ويحقدون من أجل الدنيا وحطامها، والمناصب والمكاسب، مع أن الحياة لا تطيب إلا بالأرزاق الباطنة؛ بالتقوى وطمأنينة النفوس، وسلامة الصدور، وطهارة الضمير، وسكن البيوت، ومَوَدّات القلوب، وجمال الأرواح والعقول.. بالاتصال بالله، والثقة به، والاطمئنان إلى رعايته وستره ورضاه، والصبر على أقداره.
أكثر الناس يتحاسدون في أمور الدنيا وليس الآخرة، على الأرزاق الظاهرة لا الباطنة، يتحاسدون على المتاع الزائل ويغفلون عمّا هو خير وأبقى.. يتحاسدون على المال، وما المال إلا عنصرٌ واحدٌ يكفي منه القليل حين يتصل القلب بما هو أعظم وأزكى، وكم من ساكن قصور يعيش في شقاء؟! وكم من صاحب مال وثراء لا يجد بهجة الحياة؟! فهناءة العيش ليست في امتلاك جبال من الفضة والذهب؛ بل في النفس الكريمة الراضية البريئة من أدران الرذائل ومطامع الحياة وشهواتها.
ويتحاسدون على جمال المظهر لا المخبر، وكم من جميل المظهر دنيء المخبر؟! وكم من صاحب وجه جميل مهموم مغموم وحياته ملبدة بالغيوم؟!
وما أجمل ما قاله المنفلوطي: "إنني لا أحفل - يا سيدي - بالصور والرسوم والأزياء والألوان، ولا يعنيني جمال الصورة وحسنها، ولا برقشة الثياب ونمنمتها، وحسبي من الجمال أنني رجل شريف مستقيم، ولا أكذب ولا أتلون، ولا أداهن، ولا أتملق، وأن نفسي نقية بيضاء غير ملوثة بأدران الرذائل والمفاسد، فلئن فاتني الوجه الجميل والثوب الملفوف والوسام اللامع والجوهر الساطع، فلم يفتني شرف المبدأ ولا عزة النفس ولا إباء الضيم ولا نقاء الضمير". [الشاعر]
لَيْسَ الجَمالُ بِمِئْزَرٍ *** فاعْلَمْ، وإِنْ رُدِّيتَ بُرْدا
إِنَّ الجَمالَ مَعــادِنٌ *** ومَناقِبٌ أَوْرَثْنَ مَجْــدا
يقول - عليه الصلاة والسلام -: «لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا فَسُلِّطَ علَى هَلَكَتِهِ في الحَقِّ، وآخَرُ آتاهُ اللَّهُ حِكْمَةً، فَهو يَقْضِي بها ويُعَلِّمُها»[صحيح البخاري:2127]، وفي رواية: "لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ: «رَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ القُرْآنَ فَهو يَقُومُ به آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّهُ مالًا، فَهو يُنْفِقُهُ آناءَ اللَّيْلِ، وآناءَ النَّهارِ» [صحيح مسلم:5453]، ولكن الحسد عند أكثر الناس في كل شيء إلا هاتين المذكورتين في الحديث.. فسبحان الله!
أكثر الرجال عندما يرغبون في الزواج ينظرون إلى جمال المرأة وشكلها أكثر من تقواها وعقلها وحسن تدبيرها، وأكثر النساء ينظرن إلى مال الرجل ومركزه أكثر من تقواه وورعه ومروءته.. وهل تطيب الحياة مع رجل ثري سيء العشرة فقير الأخلاق؟ وهل يطيب عيشٌ مع امرأة جميلة حقودة لئيمة؟
لا تنكحنَّ لئيمةً لمحاسنٍ *** فاللؤم يبقى والمحاسن تذهبُ
__________________________
الكاتب: لبنى شرف
- التصنيف:
- المصدر: