مذكرات في علوم التفسير - (1) معنى وأقسام التفسير
بيان معنى التفسير، وأقسام التفسير، والمفسرون من الصحابة والتابعين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.
بيان معنى التفسير لغة واصطلاحًا:
التفسير لغة: مصدر فَسَّر؛ أي: بَيَّن ووضَّح؛ يقال: فسَّره تفسيرًا؛ أي: بيَّنه وكشفه، مأخوذ من الفَسْر، وهو البيان والكشف، وأكثر استعمال الفَسْر لإظهار المعنى المعقول.
واصطلاحًا: علم يُبحث فيه عن أحوال القرآن العظيم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية.
أقسام التفسير:
ينقسم التفسير إلى ثلاثة أقسام:
1- تفسير بالرواية.
2- وتفسير بالدراية.
3- وتفسير بالإشارة.
فالأول: هو التفسير بالمأثور، والثاني: هو التأويل أو التفسير بالرأي، والثالث: هو التفسير الإشاري.
الكلام على القسم الأول، وهو التفسير بالمأثور:
التفسير بالمأثور: هو بيان معنى القرآن الكريم بما ورد في القرآن أو صح وروده في السنة النبوية؛ فإن في القرآن الكريم آيات مفسِّرة للأخرى، كما أن في السنة النبوية كثيرًا مما يُبيِّن بعضَ آياته، وكذلك ما صح وروده عن الصحابة؛ فإنهم أدرى به؛ لِما شاهدوه من القرائن عند نزوله، ولما اختصُّوا به من الفهم التام والعمل الصالح، وقد بيَّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم معاني القرآن كما بيَّن لهم ألفاظه، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعلموا ما فيها من العلم والعمل؛ ولذلك كانوا يقيمون في حفظ القرآن مدة طويلة، وقد ورد أن ابن عمر أقام على حفظ البقرة ثمان سنين؛ ولهذا أطلق بعضهم القول بأن تفسير الصحابي الذي شاهَد الوحي له حكم المرفوع؛ أي: فكأنه راوٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقيَّد ذلك بعضهم بما إذا كان ذلك في بيان سبب النزول ونحوه مما لا مجال للرأي فيه، وإلا كان من الموقوف عليه؛ قال السيوطي في ألفيته:
وهكذا تفسير من قد صَحِــبا *** في سبب النزول أو رأيًا أبَى
وعَمَّم الحاكم في المستـدرَكِ *** وخَصَّ في خلافه كما حُكي
وأما المنقول عن التابعين، ففيه خلاف:
• بعضهم عدَّه من المأثور؛ لأن الغالب تلقيه عن الصحابة.
• وبعضهم عده من التأويل؛ نظرًا لكثرة اختلافهم أكثر من الصحابة.
وعلى هذا؛ فمرجع التفسير بالمأثور إلى ثلاثة مصادر:
1- القرآن الكريم.
2- السنة النبوية.
3- أقوال الصحابة.
مثال تفسير القرآن بالقرآن:
• قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: 37]، فسَّره قولُه: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23].
• وقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام: 103]، فسَّره قوله: {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة: 23]؛ أي: لا تحيط به.
• وقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1]، فسَّره قوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3].
• وقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ} [البقرة: 40]:
قيل: "عهده" فُسِّر بقوله تعالى: {لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المائدة: 12].
وفُسِّر "عهدهم" بقوله: {لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} [المائدة: 12].
وفي القرآن الكريم أمثلة كثيرة لذلك.
ومثال تفسير القرآن بالسنة الصحيحة:
• تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم الوارد في قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] بالشرك.
• وتفسير الحساب اليسير الوارد في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} [الانشقاق: 8] بالعَرْض.
• وتفسير القوة في قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] بالرمي.
• ومن ذلك ما ذكر في البخاري في كتاب التفسير، وفي غير البخاري من كتب السنة الصحيحة، وهو كثير أيضًا.
ومثال تفسير القرآن بأقوال الصحابة الثابتة عنهم:
ما صح من رواية ابن عباس وغيره من الصحابة مما هو منتشر في كتب التفسير بالأسانيد الصحيحة، وأهمها تفسير ابن جرير الطبري كما سيأتي.
ولنذكر من اشتهر بالتفسير من الصحابة ثم من التابعين، فنقول:
المفسرون من الصحابة:
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة، وهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبي بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبدالله بن الزبير رضي الله عنهم أجمعين.
أما الثلاثة الأول الخلفاء، فالرواية عنهم قليلة جدًّا؛ وذلك بسبب تقدُّم وفاتهم واشتغالهم بمهام الخلافة والفتوحات وترتيب الجيوش؛ ولذلك كان المروي عنهم في التفسير قليلًا، حتى إن المروي عن أبي بكر مما صح لا يكاد يبلغ من الآثار عشرةً.
وأما الرابع من الخلفاء - وهو علي رضي الله عنه - فالرواية عنه كثيرة؛ وذلك بسبب تفرُّغه عن مهام الخلافة مدة طويلة إلى ما بعد الخلفاء الثلاثة، وتأخُّر وفاته عنهم، وتصدُّره في الفتيا والقضاء.
وأما الثلاثة الذين بعدهم - وهم عبدالله بن مسعود وعبدالله بن عباس وأبي بن كعب - فهم أيضًا من المُكْثِرين في التفسير؛ فيكون المكثرون في التفسير أربعة، وهم هؤلاء الثلاثة وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم.
وأما زيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبدالله بن الزبير، فهم - مع شهرتهم في التفسير - أقل من الأربعة قبلهم؛ ولذا نقتصر على ترجمة الأربعة المكثرين فنقول:
♦ عبدالله بن عباس:
هو حبر الأمة وفقيهها وترجمان القرآن، دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «اللهم فقِّههُ في الدين، وعلِّمه التأويل»، وقال ابن مسعود رضي الله عنه في الثناء عليه: "نِعْمَ ترجمان القرآن ابن عباس"، وقال عمر في مدحه: "إن له لسانًا سَؤُولًا، وقلبًا عقولًا".
ومما يدل على فضله ورفعة منزلته ما أخرجه البخاري عنه قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر، فكأنَّ بعضهم وجد في نفسه وقالوا: "لِمَ يدخل هذا معنا وإنَّ لنا أبناء مثله؟!"، فقال عمر: "إنه مَن قد عَلمتم"، فدعاهم ذات يوم فأدخَلَني معهم، فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذٍ إلَّا ليريهم، فقال: "ما تقولون في قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]؟ فقال بعضهم: "أمرنا أنْ نحمدَ الله ونستغفرَه إذا نُصرنا وفتح علينا"، وسكت بعضهم فلم يقل شيئًا، فقال عمر: "فكذلك تقول يا بن عباس؟"، فقلت: "لا"، فقال: "ما تقول؟"، قلتُ: "هو أَجَلُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلَمَه له، فقال: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، فذلك علامة أجلك، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]"، فقال عمر: "لا أعلمُ منها إلا ما تقول".
وقد ورد مما يدل على فضله وتبحُّره في فهم القرآن آثار كثيرة وأخبار مشهورة.
وكان من أسباب نبوغه وقوة ذاكرته أمور:
أولها: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، وملازمة ابن عباس للنبي صلى الله عليه وسلم من عهد التمييز.
ثانيها: نشأته في مهد النبوة، وملازمته لكبار الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وتعرفه منهم مواطن نزول القرآن، وتواريخ التشريع، وأسباب النزول، وغير ذلك.
ثالثها: حفظه للغة العربية، ومعرفته آدابها وخصائصها وأساليبها؛ حتى إنه كان كثيرًا ما يستشهد للمعنى الذي يريده من لفظ القرآن بالبيت والأكثر من كلام العرب.
رابعها: بلوغه مرتبة الاجتهاد، وعدم تحرُّجه منه، والإقدام على تقرير ما أداه إليه اجتهاده؛ فقد كان شجاعًا في بيان ما يعتقد أنه حق، ويجهر به أين ما كان.
هذه أهم أسباب ذيوع صيته وغزارة علمه، يضاف إلى ذلك: قريحته الوقادة، ورأيه الصائب، وعقله الراجح، ودينه المتين، فرضي الله عنه وأرضاه.
الرواية عن ابن عباس واختلاف الآراء فيها:
ورد عن ابن عباس في التفسير آراء كثيرة، وروايات متعددة، وطرق مختلفة، وهذه الروايات متفاوتة في الصحة والضعف؛ لذا تتبع العلماء سلسلة الرواة عنه تعديلًا وتجريحًا، وإليك أشهر الطرق عن ابن عباس:
1- طريق علي بن أبي طلحة الهاشمي عن ابن عباس:
وهذه الرواية أصحُّ ما روي عن ابن عباس وأجودُه.
قال فيها الإمام أحمد: "إن بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة، لو رحل رجل لها إلى مصر قاصدًا، ما كان كثيرًا".
وقال فيها ابن حجر: "وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث، رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وهي عند البخاري عن أبي صالح، وقد اعتمد عليها في صحيحه كثيرًا فيما يعلِّقه عن ابن عباس، وكفى بتوثيق البخاري لها شاهدًا على الصحة، وإن قال بعضهم: إن ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس وإنما أخذ عن مجاهد أو سعيد بن جبير عن ابن عباس؛ لأن كلًّا من المذكورين ثقة؛ فلا ضير في كونه واسطة بين ابن أبي طلحة وبين ابن عباس".
2- رواية ابن جريج عن ابن عباس:
جمع فيها الصحيح والضعيف، فلم يتميز في روايته الصحيح من غيره.
وقد روى عن ابن جريج جماعة كثيرون، منهم محمد بن ثور عن ابن جريج عن ابن عباس؛ روى نحو ثلاثة أجزاء كبار.
3- الضحاك بن المزاحم عن ابن عباس: وطريقه منقطعة.
4- العَوْفي عن ابن عباس: وهي طريق ضعيفة.
وبالجملة؛ فالذي قاله العلماء النقادون لرواية ابن عباس: إن طريق معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس - من أجود الطرق، وقد اعتمد عليها البخاري؛ وكفى به شاهدًا.
ورواية جويبر عن الضحاك عن ابن عباس غير مرْضية.
ورواية ابن جريج تحتاج إلى بحث وتدقيق؛ لأنه جمع ما ذكر في كل آية عن ابن عباس من الصحيح والسقيم، ولم يتحرَّ الصحة.
ورواية الكلبي عن أبي صالح: أوهى طرقه، وإن ضم إليه رواية محمد بن مروان السدي الصغير، فهي سلسلة الكذب.
♦ عبدالله بن مسعود:
هو عبدالله بن مسعود الهُذَلِيُّ، أحد السابقين الأولين إلى الإسلام، أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين، وشهد بدرًا والمشاهد كلها، ولازم النبي صلى الله عليه وسلم، وكان صاحب نعليه، وحدَّث بالكثير عنه، وكان يقول: "أخذتُ من فِي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة"؛ أخرجه البخاري. وهو أول من جهر بالقرآن بمكة، وقال عليه الصلاة والسلام: «من سرَّه أن يقرأ القرآن غضًّا كما نزل، فليقرأه على قراءة ابن أمِّ عبد»؛ ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في "الإصابة"، وذكر السيوطي في "الإتقان" أنه ورد عن ابن مسعود أنه قال: "والله الذي لا إله غيره، ما نَزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت، ولو أعلمُ مكان أحد أعلمَ بكتاب الله مني تناله المطايا، لأتيتُه"، وقد روي عنه في التفسير أكثر من علي، وروي أنهم قالوا لعلي: "أخبِرْنا عن ابن مسعود"، قال: "عَلِمَ القرآنَ والسنةَ ثم انتهى، وكفى بذلك علمًا".
روى عنه أبو صالح كما روى عنه التابعون من أهل الكوفة، ووردت أسانيد كثيرة تنتهي إليه، وهي موجودة في كتب التفسير بالمأثور وفي كتب الحديث، وقد تتبعها العلماء كما تتبعوا غيرها من الروايات بالنقد تعديلًا وتجريحًا.
مات ابن مسعود بالمدينة سنة 32هـ، وقيل: مات سنة 30هـ، وقيل: مات بالكوفة، والأول أثبت.
♦ علي بن أبي طالب:
هو علي بن أبي طالب بن عبدالمطلب القرشي الهاشمي؛ رابع الخلفاء، وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، يجتمع معه صلى الله عليه وسلم في جده، وهو صهره وزوج السيدة فاطمة رضي الله عنها، وذريته صلى الله عليه وسلم منهما، كان بحرًا في العلم، وحجة في الفهم والاستنباط، كثيرًا ما كان يرجع إليه الصحابة في فهم ما خفي، واستجلاء ما أشكل؛ حتى اشتهر: "قضية ولا أبا حسن لها"، وقضاؤه بالعدل معروف، فوق ما كان متصفًا به من الشجاعة في الحق، ونصرة الدين، والإعراض عن الدنيا وزخرفها؛ فكيف وقد تربى في مهد النبوة، ونهل منها الحكم الغالية، والأسرار النافعة، وعمَّته مشكاة أنوارها؟ فكان من أعلم الصحابة بمواقع التنزيل ومعرفة التأويل، وقد ورد عن ابن عباس أنه قال: "ما أخذتُ من تفسير القرآن، فعن علي بن أبي طالب"؛ فهو صدر المفسرين والمؤيد فيهم، إلا أنه - لأسباب سيأتي بيانها - قد أكثر الناس من الدس عليه في الرواية؛ ترويجًا لمذاهبهم الباطلة؛ لذا أخذ الحذاق من النقاد في بحث تلك الروايات، واعتماد ما صح منها وتزييف غيرها، واستشهد علي رضي الله عنه في اليوم السابع عشر (17) من رمضان سنة (40) من الهجرة.
♦ أبي بن كعب:
هو أبو المنذر أُبَيُّ بن كعب بن قيس الأنصاري الخزرجي المدني، سيد القراء وأحد كتاب الوحي، شهد بدرًا، وقد ورد في مدحه أنَّ أقرأَهم لكتاب الله عز وجل أُبي بن كعب.
ورد عنه في التفسير نسخة كبيرة يرويها أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب، وهذا الإسناد صحيح، وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من تلك النسخة كثيرًا، وكذا أخرج الحاكم في مستدركه وأحمد في مسنده.
توفي أبي بن كعب سنة عشرين، أو اثنتين وعشرين، أو ثلاثين.
هذا، وإنما نقتصر على ترجمة هؤلاء الأصحاب الأربعة؛ لشهرتهم وكثرة الرواية عنهم.
وقد ورد عن غيرهم من الصحابة اليسير، كأنس وأبي هريرة وابن عمر وجابر، كما ورد عن عبدالله بن عمرو بن العاص أشياء تتعلق بالقصص وأخبار الفتن والآخرة، وهذه تشبه أن تكون مما تحمَّله عن أهل الكتاب.
المفسرون من التابعين:
اشتهر بعد عصر الصحابة من التابعين مفسرون كثيرون انتشروا في الأمصار، فمنهم مَن كان بمكة، ومنهم مَن كان بالمدينة، ومنهم مَن كان بالعراق.
قال ابن تيمية: "أعلمُ الناس بالتفسير أهل مكة؛ لأنهم أصحاب ابن عباس، كمجاهد وعطاء بن أبي رباح وعكرمة مولى ابن عباس وسعيد بن جبير وطاوس وغيرهم، وكذلك في الكوفة أصحاب ابن مسعود، وعلماء أهل المدينة في التفسير زيد بن أسلم الذي أخذ عنه ابنه عبدالرحمن بن زيد، ومالك بن أنس" اهـ.
فهؤلاء قدماء المفسرين، وغالب أقوالهم تلقوها عن الصحابة، وهم بذلك قد بلغوا شأوًا عظيمًا في فهم كتاب الله تعالى.
ثم حمل تفسيرَ كتاب الله تعالى عُدُولُ كل خَلَف، وقد ورد: ((يحمل هذا العلم مِن كل خَلَفٍ عُدولُه، ينفُون عنه تحريف الغالين، وانتحال المُبطِلين، وتأويل الجاهلين)).
♦ تدوين التفسير بالمأثور، وخصائص الكتب المؤلَّفة في ذلك:
بعد طبقات التابعين الذين تلقوا أقوالهم عن الصحابة، أُلفت تفاسير تجمع أقوال الصحابة والتابعين، كتفسير سفيان بن عيينة، ووكيع بن الجراح، وشعبة بن الحجاج، ويزيد بن هارون، وعبدالرزاق، وآدم بن أبي إياس، وإسحاق بن راهويه، وروح بن عُبادة، وعبد بن حُمَيْد، وأبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن أبي طلحة، والبخاري وغيرهم.
وبعد هذه الطبقة: ألف ابن جرير الطبري كتابه، وهو من أجل التفاسير قدرًا وأعظمها شأنًا، ثم ابن أبي حاتم وابن ماجه والحاكم وابن مردويه وأبو الشيخ بن حيان وابن المنذر وغيرهم.
وهؤلاء جميعًا ومَن قَبلهم كانت تفاسيرهم مسنَدة إلى الصحابة والتابعين وأتباعهم، وليس فيها غير ذلك، ما عدا ابن جرير؛ فإنه زاد توجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، وذِكْر الإعراب والاستنباط.
- التصنيف:
- المصدر: