الشرق والغرب: منطلقات العلاقات ومحدداتها (التسويغ)
ليس الإسلام أصلَ الداء الذي أقصد تناولَه؛ فأولئك الذين اعتنقوا الإسلام عملوا على إبدال حتى بنية الحضارة، فليس الإسلام بالتالي هو أصلَ المصيبة، بل المصيبة هي ما فعله المسلمون أنفسهم بالإسلام
يصعب على المرء أن يمر في هذا الظرف المؤلم المتمثل في أحداث الثاني والعشرين من جمادى الثانية 1422هـ الموافق الحادي عشر من سبتمبر 2001م وتداعياتها من دون أن تظهر علامات الاستنكار المكتوبة أو المذاعة حوله،والذين يقرؤون بعض الكتابات الغربية في الصحافة الغربية يقرؤون عجبًا من القول؛ إذ جُنِّدت أقلام للتعليق على الحدث النتيجة الذي تضررت منه الحضارة اليوم، وأعادت التفكير في هذا التقدم المادي الذي بدت عليه الهشاشة، لا سيما أنه تقدم قام على حساب المثل والمعطيات الروحية للأمم.
ولقد قيل كثيرًا من قبل: إن هذه الحضارة التي نعيشها اليوم إنما تؤكد على البعد المادي للحياة، ومن ثم فإنها حضارة الضياع، وتبع هذا تجاهل ما أنجزته هذه الحضارة من صنوف الثقافة والسلوكيات الإنسانية التي تتمناها بعض الشعوب، وكانت هناك دعوات ولا تزال إلى الالتفات إلى البعد الروحي للحياة دونما إغفال الأبعاد المادية.
ومن الصعب على المرء أن يقف موقفًا ذاتيًّا غير موضوعي حول هذا الظرف المؤلم الذي يمر به العالم الإسلامي خصوصًا، ويمر به العالم عمومًا، فمهما قيل على المستوى الرسمي إلا أن الطرح الإعلامي والسلوكيات الشعبية في أوروبا وأمريكا ثم في أستراليا وما جاورها، حمَّلَتِ الإسلام مسؤولية ما حدث، وهذا يذكر بالدعوة الملحة إلى أن تصرفات المسلم، أيًّا كان هذا المسلم، ليست دائمًا هي حجة على الإسلام، بل إن الإسلام نفسه هو الحجة على تصرفات المسلمين وسلوكياتهم.
ومع بساطة هذا الطرح إلا أنه لم يؤخذ في الحسبان عند النظر والتحليل إلى الأحداث التخريبية الترويعية، التي يزعم أنها قامت بسبب من أفراد مشتبه فيهم ينتمون للإسلام،يقول عبدالوهاب المؤدب: "ليس الإسلام أصلَ الداء الذي أقصد تناولَه؛ فأولئك الذين اعتنقوا الإسلام عملوا على إبدال حتى بنية الحضارة، فليس الإسلام بالتالي هو أصلَ المصيبة، بل المصيبة هي ما فعله المسلمون أنفسهم بالإسلام"[1].
وتعلو المرءَ الدهشةُ من إخوة غير متخصصين في علوم الشرع ينبرون على المنابر وفي وسائل الإعلام بجرأة غير مسبوقة في طرح آرائهم واعتقاداتهم حول موقف من المواقف أو حادثة من الحوادث، ويجعلون من هذه الآراء أحكامًا شرعية صريحة قاطعة، في الوقت الذي لا نجد فيه لهم حظًّا من العلم الشرعي، وإن كانوا نوابغ في تخصصات علمية أخرى،ولا يراد من هذا الاستنكارِ على هذه الفئة الحجرُ على الآراء والأفكار؛ لأنه قد يفهم ذلك من هذا الطرح.
ولقد سمعت أستاذًا في الفلسفة في جامعة عربية ومن خلال قناة فضائية ينفي تمامًا استمرارية الجهاد، وأنه شعيرةٌ انتهت بانتهاء انتشار الإسلام، ولم يعد هناك جهادٌ إلا ما يتداول من بقاء الجهاد الأكبر، وهو جهاد النفس،أما الجهاد بمفهوم القتال ونشر الدين والدفاع عن الأرض والمقدسات من منطلقات شرعية واضحة فهو عند هذا الأستاذ قد انتهى[2].
وفي مثل هذه الأقوال فتش عن المستشرقين وأثرهم على المفكرين المسلمين، فهم الذين روجوا لتعطيل الجهاد بمفهوم القتال؛ لأنه كان ولا يزال الوسيلة التي يخشاها المحتلون "المستعمرون"، الذين احتلوا بلادًا كثيرة، من بينها معظم بلاد المسلمين، فظهرت الأقوال التي بُنِيَت عليها فرق داخل المسلمين؛ كالأحمدية[3]، تدعو إلى تعطيل الجهاد؛ رغبة في عدم مقاومة المحتلين، والدخول في هذا الموضوع يستدعي سياحة علمية فكرية تطول، ولعل الفرصة تتاح لمواصلة طرح هذا الموضوع بقدر عالٍ من الموضوعية المنشودة.
[1] انظر: عبدالوهاب المؤدب،أوهام الإسلام السياسي/ نقله إلى العربية محمد بنيس وعبدالوهاب المؤدب - بيروت: دار النهار، 2002م - ص 8.
[2] قسَّم ابن القيم الجهاد إلى أربع مراتب، وتحت كل مرتبة مراتب فرعية، بحيث أعطى الجهاد ثلاث عشرة مرتبة، ولم يُغفِل القتال كإحدى هذه المراتب،انظر: ابن قيم الجوزية، الإمام المحدث شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي،زاد المعاد في هدي خير العباد/ حقق نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرناؤوط وعبدالقادر الأرناؤوط - 5 مج - بيروت: مؤسسة الرسالة، 1399هـ/ 1978م - 3: 9 - 11.
[3] انظر: محمد بن إبراهيم الحمد،القاديانية - الرياض: دار القاسم، 1417هـ/ ؟996م - ص 32 - (سلسلة رسائل في الأديان والمذاهب والفرق، 3) وانظر أيضًا: القاديانية - ص 416 - 420 - في: الندوة العالمية للشباب الإسلامي،الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة/ بإشراف مانع بن حماد الجهني - ط 5 - 2 مج - الرياض: دار الندوة العالمية، 1424هـ/ 2003م - ص1224.
_________________________________________________
الكاتب: أ. د. علي بن إبراهيم النملة
- التصنيف:
- المصدر: