قيمة الاحترام
أكثرنا وأغلبنا عاش زماناً كان احترام الوالدين فيه واحترام الكبار سنّاً وعلماً وقدراً واقعا يعيشه الجميع..
أيها الإخوة الكرام اليوم بعون الله تعالى نتحدث عن قيمة من القيم العظيمة وعن صفة من الصفات الحميدة التي دعانا إليها الإسلام بقوة ورأياها رأي العين وعشناها في أقوال وأفعال النبي عليه الصلاة والسلام إنها قيمة (الإحترام)
وقبل أن أسترسل في الحديث عن الإحترام أود أن أقول كلمة أحسبها مهمة .. هذه الكلمة هي أننا مهما كانت درجة كرمنا وحبنا لفعل الخير وبذل المعروف فإننا في الأحوال كلها لن نستطيع بحال أن نسع الناس بأموالنا ولا بأملاكنا وإنما نستطيع بفضل الله تعالى أن نسع كل الناس باحترامنا وحسن أخلاقنا وبين معكوفين أسوق لكم قول الله تعالى {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}
اليوم نتحدث عن الإحترام.. إحترام من ؟
إحترام الوالدين, إحترام العلماء, إحترام أهل الإيمان, إحترام أهل القرآن, إحترام الكبار, إحترام المرء لزوجه, إحترام المرأة لزوجها, إحترام خصوصيات الناس, إحترام مشاعر الناس, إحترام الضعفاء, إحترام الفقراء, بيوت الله عز وجل لها احترامها, كتاب الله سبحانه وتعالى له احترامه, سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لها كامل الاحترام..
كلمة الاحترام مرنة, كلمة تتسع وتتسع حتى تشمل احترام كل شيء في حياتنا..
قول ابراهيم عليه السلام لوالده (سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) هذا يصنف في باب احترام الولد للوالد.
قول ذي القرنين {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا } هذا يصنف في باب احترام أهل الإيمان والعمل الصالح..
قول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ} هذه دعوة لاحترام لمشاعر الناس..
قول الله تعالي {وَلَا تَجَسَّسُوا} هذه دعوة لاحترام خصوصيات الناس..
قول الله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} هذه دعوة إلى الاحترام الكامل لكل ما جاء به رسول الله من قرآن وسنة..
قَالَ أنس بن مالك: خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا قَالَ لِي أُفٍّ قَطُّ.. هذا يصنف في باب احترام الضعفاء..
ومُرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَنَازَةٍ وهو جالس فَقَامَ لها، فَقِيلَ لَهُ: يا نبي الله إِنَّهُ يَهُودِيٌّ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: ««أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟»» هذا يصنف في باب احترام النفس البشرية..
قول النبي عليه الصلاة والسلام «أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ» هذه دعوة عامة لاحترام الكبار سناً وعلماً وقدراً..
قبل دقيقتين من الآن قلت:
إن كلمة الاحترام مرنة, تتسع وتتسع حتى تشمل احترام كل شيء في حياتنا..
إحترام الوالدين, إحترام العلماء, إحترام أهل الإيمان, إحترام أهل القرآن, إحترام الكبار, إحترام الزوجين لبعضهما, الخصوصيات, إحترام المشاعر الناس, إحترام الضعفاء, إحترام الفقراء, احترام المسجد, احترام المصحف, احترام سنة النبي عليه الصلاة والسلام..
أبواب كثيرة وميادين واسعة لقيمة الاحترام.. أقول وبملئ فمي رغم أن أبواب كثيرة وميادين واسعة إلا أنه لا يقدر عليها ولا يصدق فيها إلا من احترم نفسه..
فاحترام النفس فيما أرى هو الأصل في احترام الآخرين..
فلن يحترم والديه إلا من كان محترما, ولن يحترم معلمه إلا من كان محترما,ولن يحترم غيره إلا من كان محترماً.. من هنا كان احترام الإنسان لنفسه هو النواة الأولى لشجرة الاحترام..
والسؤال يقول: وما معنى احترام الإنسان لنفسه؟؟
احترام النفس: هو حمل النفس على فعل كل ما يستحسن فعله عند الله تعالى أولاً وعند الناس ثانياً..
احترام النفس: هو ترويض النفس..
احترام النفس: هو تزكية النفس هو تربية النفس على المحامد والمكارم من الأقوال والأفعال..
احترام النفس: هو تهذيب النفس هو تطهير النفس من كل ما يعاب من الصفات والأخلاق..
احترام النفس: هو غيرةُ الإنسان على مُروؤته أن تُخدش هو غيرةُ الإنسان على كرامته أن تُهان هو خوف الإنسان على سُمعته وسِيرته أن يُلوِّثها مُلوِّث..
وخذوا على ذلك مثالاً:
نبي الله يوسف عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام:
فسر رؤيا الملك, وحذر أهل مصر من مجاعة تدوم سبع سنوات, ثم بشرهم بعد الجوع بالشبع وبعد العطش بالرِّي فقال ( {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ, ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} )
أُعجب الملك بتفسير يوسف واقتنع به وأرسلَ أنْ أخرجوهُ من السجن ( {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} )
يوسف يود أن يخرج من السجن لأنه حبس ظلما, يود أن يخرج ليبلغ رسالة الله فهو رسول الله..
لكنه لا يود أن يخرج من السجن لأنه فسر الرؤيا, لا يود أن يخرج من السجن لأنه حذَّر وبشَّر, لا يود أن يخرج من السجن بعفو ملكيِّ, ولو كان قد خرج بهذه الأسباب لظل الناس يعيّرونه بذنب لم يفعله..
هو يود أن يصون كرامته, هو يود أن ينتصر لمروءته, هو يود أن يخرج من السجن وساحته بريئة من تهمة الخيانة التي اتهم بها ظلماً, لهذا اشترط يوسف على الملك قبل أن يخرج من السجن أن يعيد المحاكمة واشترط على الملك أن يعيد استجواب الشهود..
{فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ, قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ, ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ, وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ}
يوسف نبي الله بهذا الشرط الذي اشترطه على الملك قبل الخروج من السجن أسس لاحترام النفس وصيانة الكرامة والحفاظ على المروءة..
قلت: ولما كان يوسف محترما لنفسه كان من المتاح لديه أن يحترم الرجل الذي أحسن مثواه {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ}
لما كان يوسف محترما لنفسه كان من المتاح لديه أن يحسن إلى من أساء إليه {قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ, ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ, ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ}
لما كان يوسف محترما لنفسه كان من المتاح لديه أن يحسن إلى إخوته {وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}
لما كان يوسف محترما لنفسه كان من المتاح لديه أن يحسن إلى أبويه{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ, وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} ..
احترام الإنسان لنفسه ورعايته لمروءته وصيانته لكرامته هو الأصل الذي يُبنى عليه احترام الآخرين, وما يوسف عليه السلام إلا مثل من الأمثلة..
نسأل الله العظيم أن يرزقنا حسن الخلق وأن يحبب إلينا الإيمان وأن يزينه في قلوبنا إنه ولي ذلك والقادر عليه.
الخطبة الثانية
بقي لنا في ختام الحديث عن قيمة الاحترام أن نقول:
أكثرنا وأغلبنا عاش زماناً كان احترام الوالدين فيه واحترام الكبار سنّاً وعلماً وقدراً واقعا يعيشه الجميع..
في مستدرك الحاكم أن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه كان يأخذ بركاب زيد بن ثابت ويقول: هكذا أمرنا أن نصنع بعلمائنا..
وفي فضائل الصحابة للإمام أحمد وغيره، كان ابن عباس يأتي إلى الرجل من الصحابة يريد أن يأخذ عنه الحديث، فيجد أنه في القيلولة نائم، فلا يطرق عليه الباب ولا يؤذيه، بل يتوسد ابن عباس ثوبه وينام عند باب هذا الرجل، حتى تأتي الريح وتسفي على ابن عباس التراب، فإذا استيقظ الرجل وخرج لصلاة العصر وجد ابن عباس نائماً عند بابه، فيسلم عليه ويقول: يا ابن عم رسول الله لو أرسلتَ إليّ فأتيتك؟!
يعظم الرجلُ ابنَ عباسٍ لعلمه ولأنه ابن عم رسول الله فيقول ابنُ عباس [لا أنت أحق أن يؤتى إليك] ثم يسأله عن هذا الحديث ويرجع.
واليوم أصبح الحديث عزيزاً عن احترام الوالدين وعن احترام الكبار سنّاً وعلماً وقدراً.. تبدلت القيم وتغيرت النفوس وانتكست الأخلاق والناس في طريقهم إلى منحدر ولا حول ولا قوة إلا بالله, أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يردنا إلى أخلاقنا ومكارمنا رداً جميلاً إنه ولي ذلك وهو على كل شيء قدير.
- التصنيف: