إعلاء كرامة الضعفاء
وخلاصة الأمرأن كل ما يجب الحرص عليه هو إعلاء كرامة الضعيف ولا يجدها القوي فرصة للتنفيس عن عقد النقص الخفية أو الظاهرة على حساب الضعيف فلربما تتبدل الأدوار يومًا.
لفت انتباهي تعليق إحدى الأخوات الفاضلات على تصرف بعض الناس إزاء النادل الذي يقدم الأطعمة والأشربة للزبائن ،وكيف يتعاملون معه بشئ من العجرفة متجاهلين كونه إنسانًا محترمًا أى له حرمة وله كل الحقوق مكرمًا عند الله لأنه من بنى آدم ،وأن الله لم يُرد خلق الناس درجات من أجل أن يذل بعضهم البعض الآخر بل من أجل التكامل ،فلكلٍ دوره ولكلٍ وظيفته التي لا يمكن للآخر القيام بها ولا غنى للمجتمع عنها ،ولا ابالغ إذا قلت أن كلا في موقعه ملك ،وضرب لنا الشيخ الشعرواي- رحمه الله- مثلًا بعامل المجارى وغيره والذي بدونه نسبح فيما تأباه الحيوانات.
وقد كنت اسمع كثيرًا عن التصرفات السلبية لسائقي الميكروباص في مصر رغم إني لم أر منهم إلا الاحترام والأدب والاستجابة السريعة للحسن من النصيحة، لكن من خلال الشكوى من أحدهم أن الناس تتعامل معه بكبرٍ وتعالٍ،يتضح السبب الذي يفسر بعض السلوك العدواني منهم الذي هو رد فعل للغطرسة التي يلاقونها من البعض، فنحن من نصنع هذا الكائن العنيف القاسي.
ومن السلوكيات التي كنت اتعجب منها قيام بعض سكان العمارات أو غيرها بإرسال الطعام للحارس في شهر رمضان بعد العشاء، والأولى هو إرسال الطعام قبل المغرب ،فالكل صائم وليس للغني أن يؤخر طعام الحارس ليرسل له بقايا الطعام ،ليس فقط لأنه بذلك يخسر أجر إفطار صائم وإنما مراعاةً لشعوره وجبرًا لخاطره .
وفى نفس السياق يجب الحرص كل الحرص عند تقديم الزكاة أو الصدقة أن تُشعر الفقير بكامل كرامته ،وأن هذا حقه لا فضل ولا منة من المعطي، وإنما هو أداة وسبب جعله الله ليصل رزق الفقير إليه.
واذكر إحدى السيدات التي كانت في حاجة إلى المال فاتصلت بأخت من الأخوات بعد منتصف الليل لتطلب منها المال ،ولم يكن الأمر متاحًا قبل طلوع الصبح ،فلم تلمها أو تأنبها على هذا الاتصال المتأخر من الليل والذي لا جدوى منه قبل الصباح، وإنما استقبلت الأمر بصدر رحب لئلا تزيد من آلامها وهمومها وعملًا بالآية الكريم
" {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ } ﴿
(البقرة:263)
فبعض الأذى قد يكون قبل الصدقة كذلك
والله سبحانه وتعالى هو القائل : {"وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ }
(الأنعام:165)
فالأمر جد خطير.
والضعف ليس حكرًا على الفقراء أو المحتاجين؛ وإنما تتعدد المواقف فالمريض بين يدي الطبيب ضعيف ولو ملك أضعاف ما يملكه الطبيب؛ فعليه مراعاة ضعفه وآلامه العضوية والنفسية، والطالب ضعيف بين يدي معلمه وليس له أن ينال منه أو ينهره إذا أخطأ ،وصاحب المظلمة ضعيف بيد يدي القاضي وعليه ألا يهينه أو يستقوى عليه أو يظلمه،وصاحب المصلحة ضعيف بين يدي الموظف المكلف بقضاء مصلحته ..وهكذا
وخلاصة الأمرأن كل ما يجب الحرص عليه هو إعلاء كرامة الضعيف ولا يجدها القوي فرصة للتنفيس عن عقد النقص الخفية أو الظاهرة على حساب الضعيف فلربما تتبدل الأدوار يومًا.
- التصنيف: