فوائد في طلب العلم وتعليمه من مصنفات العلامة الفوزان
قال الشيخ في شرح حديث جبريل عليه السلام: فقوله: " فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فيه آداب لطالب العلم منها: أن يتجمل في هيئته وصورته.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن العلماء المتأخرين: العلامة صالح بن فوزان الفوزان, والشيخ له مصنفات كثيرة, يسّر الله الكريم لي فقرأت بعضها, وانتقيت منها فوائد لطالب العلم, أسأل الله أن ينفعني والجميع بها.
العالم والمتعالم:
قال الشيخ: المتعالم لا يمكن أن يكون عالماً أبداً, مهما حاول, ولو أكثر الحفظ والكلام والكتابات والتعليقات, لن يكون عالماً أبداً, وكذلك الزائغ _ والعياذ بالله _ الضال المنحرف فإنه لن يكون من العلماء الراسخين في العلم, بل يُحرم نور العلم ويُحرم هداية العلم.[شرح لمعة الاعتقاد:47]
وقال: الناس يعرفون العالم الصحيح من المتعالم, وذلك إذا وقعت النوازل التي تحتاج إلى رأي العلماء, عند ذلك يتبين العلماء من المتعالمين, فالعالم يوفقُه الله للحل الصحيح في هذه النازلة, ويخرج بنتيجة يستفيد منها المسلمون, لأن عندهم خبرة بالنصوص يُنزلونها _ يعني النصوص_ على هذه الوقائع, ويستخرجون حكمها منها, أما هذا المتعالم فإنه لو حاول فسيبوء بالفشل.[التعليق على النونية :2/521]
تزهيد الناس في طلب العلم طريق ضلال:
قال الشيخ: توجد الآن بعض الجماعات تزهد في العلم وتعلُّمه يقولون للناس: اشتغلوا بالعبادة والذكر واخرجوا في سبيل الله ويعنون بسبيل الله: الخروج والتجول في البلدان ويزهدون في طلب العلم ويهونون من شأنه وشأن أهله وهذا الطريق ضلال, والعياذ بالله, فلا بدَّ من العلم أولاً, لقوله تعالى: ( فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)[محمد:19] فبدأ بالعلم قبل القول والعمل.[دروس من القرآن الكريم:59]
السؤال عما يحتاجه الناس في أمور عباداتهم ومعاملتهم:
قال الشيخ: السؤال له حدود, ما كل شيء يُسأل عنه, إنما يُسأل عن ما أشكل مما يحتاجه الناس من أمور عباداتهم وأمور معاملتهم, السؤال عن هذا محمود ( فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ) [النحل:43]أما السؤال عن الأغاليط وعن الأشياء التي لا حاجة للناس بها, وإنما هي من باب التكلف وإشغال الوقت والتضليل والتشويش على الناس, فهذا السؤال محرم يجب الكف عنه وتعزيز من يفعل هذا. كما فعل عمر رضي الله عنه بصَبِيغ الذي كان يسأل عن أشياء من متشابه القرآن, ليس للناس بحاجة إليها, فضربه عمر, وطرده من المدينة.[شرح لمعة الاعتقاد:105]
آداب طالب العلم:
قال الشيخ في شرح حديث جبريل عليه السلام: فقوله: " فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم " فيه آداب لطالب العلم منها: * أن يتجمل في هيئته وصورته.
* أنه يجلس أمام المعلم مُقبلاً عليه ليتلقى منه العلم, ولا يعرض عنه, أو يلتفت, أو يمزح أو ينشغل بل يكون مُقبلاً على المعلم بجسمه وبفكره لئلا تفوته فرصة التعلم
* طالب العلم يقرب من المعلم لتكون الفائدة متصلة* المتعلم ينبغي أن يكون بصورة هادئةٍ ومؤدبةٍ ولا يكثر من الحركات...أو من الشواغل التي تشغله عن تلقى العلم
* لا يسأل أول ما يأتي, وإنما يجلس أولاً متأدباً, ثم يسأل, وهذه صفة طالب العلم, وهذه آداب طالب العلم, سأل النبي صلى الله عليه وسلم, وهو في الحقيقة عالم بالجواب , لكنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم ليُعلم أصحابه, وهذا فيه التعليم بطريقة السؤال والجواب, لأنه أنبه للذهن, فتسأل الطالب أولاً ثم تجيب من أجل أن ينتبه, أما إذا ألقيت عليه العلم ابتداءً, فإنه قد لا ينتبه, فمن طُرُق تعليم العلم النافعة السؤال والجواب.[شرح حديث جبريل عليه السلام:8_9]
الفخر والشرف في العلم الذي جاء به الرسول علية الصلاة والسلام:
قال الشيخ: المتأخرون قد علموا أمور الدنيا والاختراعات, فهذا لا يدلّ على فضلهم, لأن هذا ليس بعلم شرعي, هذه أمور دنيوية ومتاع قليل, إنما العلم والفخر والشرف في العلم الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, لأنه هو الذي ينفع الإنسان في الدنيا والآخرة, أما هذا العلم وإن كان فيه شيء من النفع فهو قد يضر الإنسان, ويحمله على الكبر والظلم والعدوان. ما الذي استفادته البشرية الآن من هذه المخترعات وهذه الأسلحة الفتاكة وهذه القنابل المدمرة ؟ استفادت الخسار والدمار والخطر, حتى الذين اخترعوها يخافون منها غاية الخوف, تهددهم غاية التهديد, لكن العلوم الدنيوية إذا استعين بها على عمل الآخرة, صارت خيراً.[التعليقات التوضيحية على مقدمة الفتوى الحموية:97]
الحذر من مطالعة كتب أهل البدع والاستماع إليهم في دروسهم أو محاضراتهم:
قال الشيخ: أصحاب الضلال في الغالب عندهم تزويق للعبارات, وتنميق في خطبهم, وفي محاضراتهم, وفي كتبهم, فإذا سمعها أو قرأها الإنسان الجاهل انطلت عليه وتمكنت من القلب, فلذلك يحذر من مطالعة كتب أهل البدع, والاستماع إليهم في دروسهم أو محاضراتهم أو برامجهم, يحذر الإنسان من الاستماع إليهم إلا على وجه يريد الانكار عليهم وهو يقدر على ذلك, ويعرف الحق من الباطل.
وقال: يجب أن تصادر كتب أهل البدع وكتب أهل الضلال,...لأنها سموم, مثل ما يحجر على الناس في السموم, وتُمنع السموم من الانتشار, فهذا الكتب أضرّ,...لأن السم يغير الأبدان, وكتاب الضلال يغير الإيمان والعقول, فهو أخطر وأشدّ فيجب الحجر عليه من أجل سلامة الدين, والعقيدة. [شرح لمعة الاعتقاد:273]
المختصرات طريق المطولات:
قال الشيخ: هذه المختصرات طريق المطولات, فلا يمكنُ أن تُفهم المطولات إلا بعد فهم المختصرات, والتدرج منها شيئاً فشيئاً, ولهذا قالوا في معنى قوله تعالى: ( لكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون) [آل عمران:79] إن الربانيين هم الذين يبدؤون بصغار مسائل العلم قبل كِباره, يُربُّون أنفسهم وطلابهم ابتداءً على من المسائل الصغيرة إلى المسائل الكبيرة, وهذا شيء طبيعي, لأن كل الأشياء تبدأ من أصولها وأساساتها ثم تكبر, وتعظم بعد ذلك.
فأما الذي يهجُمُ على العلم هُجوماً من أعلاه, فهذا يتعب ولا يحصُل على شيءٍ, بينما الذي يبدأ من الأصول ويتدرج هذا هو الذي _ بإذن الله _ يسير مع الطريق الصحيح والاتجاه السليم.[شرح الأصول الثلاثة:8]
الجواب المختصر أسهل على المتعلِّم والسامع:
قال الشيخ قال جبريل: " يا محمد أخبرني عن الإسلام " أي: اشرح لي معنى الإسلام
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله, وأن محمداً رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً,...فالرسول اقتصر على بيان أركان الإسلام, لأن الجواب كل ما كان مختصراً كان أسهل على المتعلِّم والسامع, وسهل عليه حفظه ووعيه, بينما لو طُوّل الجوابُ تشعب على الحاضرين, وربما أن أكثرهم لا يستوعبه, فهذا دليل على أن المسؤول ينبغي أن يتوخى الاختصار مهما استطاع, ويقتصر على الشيء الضروري, وإلا فالإسلام أكثر من ذلك. هذه أركانه ودعائمه التي يقوم عليها.[شرح الأصول الثلاثة:232_233]
الثقافة الصحيحة التي تنفع:
ليست الثقافة أن تعرف أحوال العالم والحكومات والسياسات, هذه ثقافة لا تنفع ولا تضر, الثقافة التي تنفع هي معرفة التوحيد الصحيح, ومعرفة ما يضاده من الشرك, أو ينقصه من البدع والمحدثات, هذه هي الثقافة الصحيحة, وهذا هو المطلوب من المسلم, ومن طالب العلم أن يعرف التوحيد, وأن يدعو إليه هذا هو المطلوب, ماذا ينفع العلم الكثير من غير تحقيق ومن غير بصيرة ؟ لا ينفع شيئاً, ولا يفيد صاحبه شيئاً, إذا لم يكن مبنياً على تحقيق وتوحيد عبادة لله, ومعرفة للحق من الباطل, فإنه لا ينفع صاحبه إذا كان مجرد اطلاع أو مجرد ثقافة عامة[شرح كشف الشبهات:33]
مقارنة بين أهل الأثر وأهل النظر:
قال الشيخ: قارن بين ما عليه أهل الأثر, وما عليه أهل النظر, والمراد بأهل النظر أصحاب الأدلة العقلية, يسمونهم النظار, وهم الذين يستدلون بالقواعد المنطقية, وقواعد الجدل, قارن بين ما عليه النُّظار من الاختلاف والتنازع بينهم, وتضليل بعضهم لبعض, وما عليه أهل الأثر من السلامة, وصفاء القلوب فيما بينهم, والمودة والتآخي فيما بينهم, قارن بين هذا وذاك, لتعلم أن الحق ما عليه أهل الأثر, وأن الباطل ما عليه أهل النظر. وهذه سنة الله عز وجل أن من ترك الكتاب والسنة فإنه يُبتلى بالاختلاف, ويُبتلى بالضلال, ويُبتلى بالقلق وعدم الاستقرار, تجدهم مضطربين في عقائدهم وفي أقوالهم, تجدهم يحشون الكتاب من كتبهم من أوله إلى آخره بالجدليات لا تجد فيه آية من كتاب الله, ولا حديثاً من سنة رسول الله, وإنما هو قالوا وقلنا فإن قالوا كذا قلنا كذا, وهكذا جدل كله من أوله إلى أخره, تجد الاختلاف بينهم مستشرياً.[ شرح الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية للسفاريني:67]
الحفظ القليل للقرآن مع الإتقان أفضل من الكثرة التي فيها لحن وخطأ:
قال الشيخ: إتقان القرآن, وعدم اللحن, أحسنُ من الحفظ الكثير الذي فيه لحن وفيه خطأ, فكونك تحفظ قليلاً من القرآن, وتتقنه, وتعربه على الوجه المطلوب, أحسن من كونك تقرأ كثيراً, لا تحسن قراءته على الوجه المطلوب.[شرح لمعة الاعتقاد:144]
تعليم العلم في المساجد:
قوله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله) يعني من المساجد, وهذا فيه أنّ تعليم العلم ينبغي أن يكون في المساجد, لأنه تحضره الملائمة, وكذا يحضره طلاب العلم, والعوام, فيستفيدون من هذه الدروس فهو بيت السكينة والرحمة, ومأوى الملائكة, بخلاف ما إذا أُقيم الدرس في غير المسجد, فإنه تقلُّ أهميته, ويفقد هذه الصّفة, ويصبح مقصوراً على الحاضرين من الطلاب فقط[شرح أصول الإيمان293]
العالم أفضل من التاجر:
قال الشيخ: العالم وإن كان فقيراً فهو عنده خير كثير, أفضل من التاجر, الذي يملك المليارات, وليس عنده علم, ولا مقارنة بينهما, لأن التاجر الذي عنده الأموال سيتركها, أو ربما تتلف, ثم إنه سيُحاسب عليها يوم القيامة, وأما العالم وإن لم يكن عنده شيء من متاع الدنيا الزائل, إلا أنه عنده خير الدنيا والآخرة, وهو العلم الذي نفعه ونفع غيره, [شرح أصول الإيمان:474]
توجيهات وإرشادات:
** " اعلم أرشدك الله " هذا دعاء من الشيخ رحمه الله وهكذا ينبغي للمعلم أن يدعو للمتعلم[سلسلة شرح الرسائل, شرح القواعد الأربع:328]
** " رحمك الله " هذا دعاء من الشيخ [ محمد بن عبدالوهاب] لكل من قرأ هذه الرسالة, وهذا من باب التلطف لطالب العلم, وتحسين الكلام له, من أحل أن يُقبل على طلب العلم.[شرح كشف الشبهات:18]
** العلم لا يؤخذ من الكتب مباشرة, إنما الكتب وسائل, أما حقيقة العلم فإنها تؤخذ من العلماء جيلاً بعد جيل, والكتب إنما هي وسائل لطلب العلم[شرح الأصول الثلاثة:42]
** لا تغتر بعلمك, وتأمن على نفسك من الفتنة, ولكن كن دائماً على حذر من الفتنة, بأن تزل بك القدم, وتعتر بشيء يكون سبباً لهلاكك وضلالك[السابق:52]
** من أبلغ طُرق التعليم أن يكون عن طريق السؤال والجواب, وهي طريقة تربوية جيدة معروفه.[شرح حديث جبريل:46] وقال: التعليم على طريقة السؤال والجواب...أثبت في الذهن, وأدعى للانتباه[الملخص في شرح كتاب التوحيد:211]
** العلم ليس له نهاية ولا حد, قال تعالى: {وفوق كل ذي علم عليم} [يوسف:76] ومن قال: أنا عالم فهو جاهل, وطلب العلم ينبغي ان لا ينقطع لأنه عبادة[ شرح أصول الإيمان:481]
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: