يا أصحاب الشدائد والابتلاءات إن فرج الله قريب آت

منذ 2021-10-05

الشدائدُ والابتلاءاتُ والفتن، والامتحاناتُ والمحنُ لا يخلو منها أحدٌ، فهي إمَّا أنْ تكونَ عامةً على الأُمَّةِ فقد ابتليَتْ بأعدائها، وإمَّا أنْ تكونَ خاصةً في بعض الأفراد، فكلٌّ على قَدْرِه، وعلى الإنسانِ أنْ يُوكِلَ أمرَه إلى الله، فيا أصحابَ الشدائدِ والابتلاءاتِ لا تيأسوا؛ فإنّ فرجَ الله قريبٌ آتٍ، وقدْ قال سبحانه في أوائل سورة العنكبوت:

 

بسم الله الرحمن الرحيم، {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 1- 3]. وقال سبحانه: {مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [العنكبوت: 5]. وقال سبحانه: {إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ} [الأنعام: 134].

 

ألا واعلموا؛ أنَّ الابتلاءَ والشدَّةَ عُسْرٌ، وأنَّ الفرجَ والانفراجةَ يُسْر، فالله سبحانه وتعالى جَعَلَ مع كلِّ عسْرٍ يُسرين، فقال جلَّ جلاله:

 

{فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ما هو المطلوب؟ {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 5- 8]، هذا هو المطلوب من العبدِ أثناءَ الشدَّةِ والعُسْرِ، ووقوعِه في العُسر؛ أنْ يُجهِدَ نفسَه في العبادة، ويكثِرَ الرغبةَ في الإخلاص لربِّه.

 

وسأذكرُ لكم، وسأُذَكِّرُكُم كما أُذَكِّر نفسي بـبعضِ الابتلاءاتِ التي لاقاها بعضُ الأنبياءِ عليهم السلام، لن أسرد الجميع؛ بل سأقتصر على بعضهم.

 

هؤلاء الأنبياءُ عليهم الصلاة والسلام؛ عندما لاقوا الشدائدَ والمحن، استمرُّوا على عباداتهم وعلى ذكرِهم، واستمروا على دعائهم، ولم ينقطعوا عن دعوتِهم إلى الله سبحانه، ولم يتوانَوا في تذكيرِهم غيرَهم بتوحيدِه وتمجيدِه، فجاءهم الفرج، وانكشفتْ عنهم الشدائد، ونجحُوا في اجتياز الامتحانات.

 

فقد وقعَ آدمُ وحواءُ عليهما السلام في الشدّةِ والضيق، عندما عَصَيا ربَّهما، فأَكَلا من الشجرة التي نُهِيَا عن الاقترابِ منها، فذكرا الله، واعترفا بذنبهما، و {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ}  [الأعراف: 23، 24].

 

وما أسرع الإجابة، {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]، وفوق التوبة عليه، قال سبحانه: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: 122].

 

وابتُلِيَ إبراهيمُ الخليلُ عليه السلام بذَبحِ ابنِه إسماعيلَ الذي هو بِكرُه ووحيدُه، وعندما أرادَ إبراهيمُ التنفيذَ، ما أسرعَ ما جاءَ الفرج، {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 104- 107].

 

وقد يتأخَّر الفرج عن بعض الناس؛ ابتلاءً وامتحانًا، ليزدادَ المبتلَى تضرُّعًا وإنابة، وذكرًا ودعاءً وعبادةً، لتزدادَ الجائزةُ على ذلك، ففرَجُ اللهِ آتٍ لا محالةَ.

 

وقد ابتُلِي يعقوبُ بفقدانِ ابنِه يوسفَ عليهما السلام، فلم يَفقد الأملَ والرجاءَ في رجوعِه، فعادَ إليه؛ لكن بعد سِنين، والتمّ الشملُ وجاءَ بهم من البدو، وسكنوا سويًّا في القصور، وفارقوا بيوت الشعر والخيام.

 

وابتُلِي يوسفُ عليه السلام صغيرًا فأُلقِي في البئر، وما هي إلا أيامٌ قلائلُ حتى عاش عيشة الملوك في القصر.

 

وابتُلِي عليه السلام عندما شبّ، فعُرِض عليه اقترافُ الرذيلة، فصرفها الله عنه، ونجاه منها وحفظه، {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف: 64].

 

وابتلي ظلمًا وعدوانًا، وابتلاءً وامتحانًا، بالسجن {... فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف: 42]، ثم جاء الفرج، فخرجَ من السجن بريئًا من كلّ تهمة، عفيفًا من كلِّ جريرة، ثم زيادةً في الفرج بعد الشدة؛ أصبح وزيرًا لاقتصادِ مصرَ في ذلك الزمان، حيث وصلَ مقامُه إلى مَلِكِ مصرَ الذي قال له، قال ليوسف عليه السلام: {إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ * قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يوسف: 54- 57].

 

وابتُلي نبيُّ الله يونسَ عليه السلام بالسَّجْن، لكن سَجْنه كان في بطْن حوتٍ عظيم، {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} فاستمر على الدعاء والذكر والتسبيح، {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}، وبعد عدةِ أيامِ جاءَ الفرجُ من الرحمن الرحيم، وأخرجَه الله من سِجنه، فقال: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}، مريضٌ؛ ولأنه لم يأكلْ شيئا طيلة حَبْسه ذاك، فكان الطعامُ جاهزًا بعد خروجه مباشرة، {وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ}، وما أراده يونس عليه السلام تحقّق، وهو هدايةُ قومه وإيمانُهم، {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} [الصافات: 142- 148].

 

وابتُلِي نبيُّ اللهِ أيوبُ عليه السلام بنوعٍ آخرَ من الشدائدِ والابتلاءات؛ ففَقدَ أولادَه وفقَدَ أموالَه، وفقَد صحتَه وعافيتَه، فاستمرَّ يدعو اللهَ ويذكرُه، ويحمَدُه ويعبدُه ويشكرُه، ومرَّ على هذا الابتلاءِ يومٌ ويومان، ثم شهرٌ وشهران، وهو ينتظر من الله الشفاءَ، والفرجَ من هذا الابتلاء، ثمَّ مرَّتْ سنواتٌ على أوجاعِه، وعذابِه وآلامِه، ولم يفقدْ رجاءَه وآمالَه، فلمّا بلغَ امتحانُه منتهاه، عَرضَ أمرَه على الله، ورفعَ شكواه إلى مولاه، فماذا فعل أيوبُ عليه السلام؟

 

{نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: 41]، ثماني عشرة سنةً يعاني العذابَ والآلام، {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83] فجاء الفرجُ {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ...} [الأنبياء: 84]، {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} [ص: 42]، فاغتسلَ فذهبَ ما بِه من أسبابِ الأوجاعِ والآلامِ الخارجية، وشربَ فلمْ يبقَ سببٌ من أسبابِ الآلامِ والأوجاعِ الداخلية، وحلّت الصحةُ مكانَ المرض، والراحةُ مكانَ التعب، واللذةُ مكانَ الوجعِ والألم، وعاد شابًّا قويًّا، حتى زوجته أنكرته فلم تعرفه، فهي تركته صباحا مريضا مبتلىً لا يقدرُ أن يقوم وحده على رجليه، وها هي تراه رجلاً ينْضحُ شبابًا وقوَّةً، وصحَّةً وعافية، وما أقربَ فرجِ الله سبحانه! ومَنّ اللهُ على الزوجةِ الصابرة الصالحة؛ بأنْ أعادَ لها شبابَها، فأعطاه الله سبحانه من البنين ضعفَ ما فَقَدَه منهم، {... وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}  [الأنبياء: 84]، فهذا فرجُ الله لأيُّوبَ عليه السلام في الصحةِ والأهل.

 

أمّا الفرجُ في الأموال؛ فقد كانت صوامعُه التي يحفظُ فيها القمحَ والشعيرَ فارغتين، ويُقالُ للصومعة: أَنْدَر، قال صلى الله عليه وسلم: «وَكَانَ لَهُ أَنْدَرَانِ: أَنْدَرُ الْقَمْحِ، وَأَنْدَرُ الشَّعِيرِ، فَبَعَثَ اللَّهُ سَحَابَتَيْنِ، فَلَمَّا كَانَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى أَنْدَرِ الْقَمْحِ، أَفْرَغَتْ فِيهِ الذَّهَبَ حَتَّى فَاضَتْ، وَأَفْرَغَتِ الْأُخْرَى عَلَى أَنْدَرِ الشَّعِيرِ الْوَرِقَ حَتَّى فَاضَتْ»[1].

 

بدلاً من القمحِ؛ امتلأت الصومعةُ ذهبا، وبدلاً من الشعير كانت الفضّة، وهذا فَرَجَ الله، لكنْ! على العبدِ أنْ يصبِر، وعليه أنْ يشكُر.

 

وأمّا الشَّدائدُ والابتلاءاتُ التي لاقاها نبيُّنا محمّدٌ صلى الله عليه وسلم، مِن أهلِه وعشيرتِه، من قبيلتِه وعمومتِه؛ فأصنافٌ وأنواع، فعوقِبَ هو ومَنْ يؤيِّدُه أو يُسانِده بالحصار في شِعبِ أبي طالب، ثلاثَ سنوات، ثم عُذِّبَ في جسدِه بوضْعِ القاذوراتِ على ظهرهِ وهو ساجد، ثم طُرِدَ إلى الطائف، فرماهُ سُفهاؤها بالحجارةِ حتى أدمَوا قدمَيه، ورجَع إلى مكةَ في جوارِ أحدِ كبرائها، فجاءَ الفرجُ من اللهِ برحلةِ الإسراءِ والمعراج؛ ليثبّتَ فؤادَ نبيه، ولم ينْتَهِ إيذاؤهم له، حتى اضطُّر إلى الهجرة إلى المدينة المنورة، فجاءَ الفرجُ من الله سبحانه، واستقبله أهلها، وبنى مَسجدَه، وتكونتْ دولتُه، وجاهدَ في الله حقّ جهاده، وحصلَ له صلى الله عليه وسلم ما تمنَّاه من الله، وتقرَّر ما ابتغاه من مولاه سبحانه، ونصرَه اللهُ على من عاداه، وارتفعت راية الحقّ خفاقة، وجاءت الوفودُ وتَحقَّقَ أمرُ اللهِ القائل: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 1- 3]، فالتسبيح والتحميد والاستغفار من أسباب النصر.

 

 

إنّ الضيقَ والابتلاءَ؛ يختلفُ من إنسانٍ لآخر، فمنهم من يُشدَّد عليه، ومنهم من يُخفَّف عليه، وذلك بحسبَ إيمانِ العبدِ وقوَّتِه.

 

فلا بدَّ أثناءَ البلاءِ والابتلاء؛ من الإكثارِ من الذكرِ والاستغفار، والعبادةِ والدعاء، فالفرجُ من الله آتٍ لا محالة، لكن؛ {متَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [الإسراء: 51]، فالفرجُ إذا قدَّرهُ الله للعبد؛ قد يكون بعد ساعة، وهذا ما حدث مع إبراهيم عندما أراد ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، مباشرة، فُدِي بذبح عظيم. لم ينتظر طويلا.

 

وقد يكون بعد أيّام، كما حدث مع يونس عليه السلام.

 

وقد يستغرقُ انتظارُ الفرجِ سنين، كما حدث مع يعقوبَ ولقائه بابنه يوسف عليهما السلام، فلا تيأس يا عبد الله من فرج الله.

 

فالآن ابتُلِيت الأمَّة بأعدائِها سيطروا عليها، فظلموا أهلها، ونهبوا خيراتِها، وامتصّوا مقدراتِها، فمتى تزول هذه البلوى؟

 

قال سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].

 

فَما علينا إلاّ أنْ نطيعَ اللهِ سبحانه، ونُخلِصَ له العبادةَ والذِّكْر، والاستغفارَ والدعاء، حتى يأتيَ نصرُ الله عزّ وجلّ.

 

وابتُليَ بعضُنا بالأمراضِ الجسديَّةِ والنفسيَّةِ، والسِّحرِ وتسلُّطِ الأرواحِ الخبيثة، فمع الصبرِ والطاعةِ، والاستغفارِ والذكرِ والدعاء، تأتي العافيةُ والمعافاةُ والشفاء، وتصبحُ تلك الأمراض حديثًا في الماضي.

 

وبعضُنا يتشوّق لمولودٍ؛ ذَكَرٍ أو أُنثى، فقد مضى على زواجِه سنون، فلا ييأس من رحمة الله، فمع الذكرِ والعبادة، والاستغفار والدعاء؛ إنْ شاءَ الله، يهبُ اللهُ لكم الذريّةَ الصالحةَ الطيِّبة.

 

وأنتِ يا منْ بلغتِ الثلاثينِ أو الأربعين من عُمُرِك، ولم يتقدّم إليك خاطِب، فأبشري؛ إنْ توجهتِ إلى ربِّك؛ فأكثرتِ من طاعتِه وعبادتِه، واستغفارِه ودعائِه، فسيأتيكِ ما كَتَب اللهُ لكِ، ولا تيأسي من رحمةِ الله، فقد تزوَّجَت خديجةُ رضي الله عنها بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في سِنِّ الخامسةِ والثلاثين أو بعدها.

 

وأنتَ يا مَن ابتُلِيْتَ بالفقر، وقلَّةِ المادّة، وكثرةِ النفقاتِ والطلبات؛ أبشرْ إذا أطعتَ ربَّك، ولم تيأسْ من طولِ المدة، ففرَجُ اللهِ قريب.

 

وأنتَ يا من أثقَلَتْ كاهلَك الديونُ، أبشرْ فما عليكَ إلاّ أنْ تأخذَ بالأسباب، وتطيعَ الوهَّابَ سبحانه وتعالى، وتستغفرَه وتدعوَه، ففرجُه آتٍ لامحالة، وتصبحُ الشدائدُ والكرباتُ في خبرِ كان.

 

ونحن جميعًا؛ يا من فرطنا في جنب الله، فأكثرْنا من السيئات، وفعلْنا الذنوب، وارتكبْنا المعاصي، واقترفْنا الخطيئات، فإذا رجعنا إلى الله سبحانه وتعالى، فسيقبَلُنا، وإن استغفرناه سيغفرُ لنا، وإنْ تُبْنَا إليه فسيقبلُ توبتَنا، وإنْ استجرْنا به من النارِ أجارَنا، وإنْ سألناه الجنةَ أعطانا إياها.

 

فقط؛ اللهُ جلّ جلالُه يريدُ مِنَّا ألاّ نموتَ إلاّ موحِّدين، وألاّ نشركَ بربِّنا أحداً، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 116].{...إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } [المائدة: 72].

 

فصلِّ اللهمُّ وسلِّم وبارِك على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاءِ الأربعة؛ أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعلى العشرةِ المبشرين، وسائرِ الأصحابِ، ومن تبعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.


[1] (حب) (2898)، الصحيحة: (17).

  • 10
  • 1
  • 19,735

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً