المرتدون الجدد

منذ 2021-10-10

تنظرُ الأمةُ الإسلاميةُ حاليًّا إلى قضية ارتداد المسلمين باعتبارها قضية تافهة، لا تمثل خطرًا أو تهديدًا، وهذه نظرةٌ قاصرة في ظل ارتفاع مؤشرات الارتداد، وفتنتها، حتى صارت جزءًا من مسلمة من مسلمات الفكر المسيحي الحديث، وكل مبشر يتحدث عنها بجدية وكأنها شيء واقعي

♦ مقدمة.

♦ الارتداد في صدر هذه الأمة.

♦ الارتداد المعاصر.

♦ أسبابه.

♦ التنشئة الإسلامية القساوسة يعلمون أبناء المسلمين الإسلام.

♦ أثر الإقامة الطويلة في بلاد الفرنجة والأميرة نزلي.

♦ الفقر والعوز ألف دينار لمن يصلي في الكنيسة يوم الجمعة.

♦ ظروف الزواج حالة نعمت خيري.

♦ التلميع الإعلامي وفاء سلطان.

♦ المكانة المرموقة أيان هيرسي علي.

♦ ضغوط مجتمعية البنت التي تنصرت.

 

مقدمة:

تنظرُ الأمةُ الإسلاميةُ حاليًّا إلى قضية ارتداد المسلمين باعتبارها قضية تافهة، لا تمثل خطرًا أو تهديدًا، وهذه نظرةٌ قاصرة في ظل ارتفاع مؤشرات الارتداد، وفتنتها، حتى صارت جزءًا من مسلمة من مسلمات الفكر المسيحي الحديث، وكل مبشر يتحدث عنها بجدية وكأنها شيء واقعي، ألا وهي إمكانيةُ ارتداد وتنصير المسلمين جميعًا - عياذًا بالله– يقولون عنهم " أي المسلمين" يؤمنون بالمسيح "عليه السلام" ولم يبق إلا أن يؤمنوا بألوهيته، والتخلص من محمد "صلى الله عليه وسلم".

 

لموقع الألوكة السبق في تفجير وإثارة هذه القضية الخطيرة عبر سلسلة المرتدين الجدد، لدراسة الظاهرة وتحليلها للوقوف على أسبابها، وعلاجها.

 

عندما تسوء الأحوال لدرجة لا يمكن الاستمرار في إنكارها أو إخفائها، فللمرء أن يطرح الأسئلة، ويحلل الظاهرة، لعلنا نصل لحل يعالج هذا الجرح النازف، وهذه الظاهرة المؤلمة، ظاهرة الارتداد عن الإسلام.

 

الارتداد في صدر هذه الأمة:

لم تكن الردة جديدة على هذه الأمة، أو مقصورة على الملة الإسلامية، فقد وجدت في هذه الأمة منذ بداية تكوينها، في العهد النبوي أسلم عبد الله بن جحش، وهاجر مع من هاجروا إلى الحبشة في الهجرة الثانية، وهناك افتتن الرجل، وتنصر، وتوفى هناك.

 

أيضًا في العهد النبوي حالة عبد الله بن أبي سرح، هاجر إلى المدينة، وكان من كتاب الوحي، ثم ارتد ورجع لمكة، ويوم فتح مكة جاء به عثمانُ بن عفان - رضي الله عنه - إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشفع له فحقن دمه، ثم حدثت أكبرُ ردة في تاريخ الأمة في خلافة أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - وتم حسمُها بتوفيق من الله عز وجل، وتم تدبر آيات القرآن الكريم من قبل علماء تدافعوا عبر مختلف العصور، يوضحون للنصارى، ويدحضون شبهاتهم، ويؤلفون الكتب، وأسلم على أيديهم خلقٌ كثير من النصارى، ولم تُبتلَ الأمةُ بمثل هذه الفتنة من قبل؛ لأن شيوخ المناصب يقللون من حجمها المقلق العظيم، وشيوخ الفضائيات عنها منشغلون، وشباب الأمة فيها يتخبطون وهم يتدافعون، فاللهم سلم سلم.

 

الارتداد المعاصر:

لنركز على الارتداد المعاصر، مع أنه من الصعب أن نحدد له بداية تبدأ بزمن معين، فلننظر فيه من خلال حالاته التي أحدثت دويًّا كبيرًا وصدمة جسيمة وفتنة عظيمة يستمر خطرُها في ظل تهميش هذا الزحف التبشيري الذي لا يستهدف المهاجرين المسلمين في ديار الفرنجة فحسب، بل وشباب الأمة في ديارها.

 

فتنة عظيمة بعد أن كانت مجرد حالات نادرة، أما الآن في ظل هذا الطابور العظيم الذي يفتن الشباب العاطل، وضعيفي الإيمان بإيجاد فرص عمل أفضل، ومكانة مرموقة، وفي ظل الأوضاع المتردية، انتقلت الحالةُ من سيء إلى أسوأ، في ظل ضغوط دولية تحاول ترسيخ ظاهرة الارتداد باعتبارها حرية دينية، وأنه لم يمثل تهديدًا للعقيدة الإسلامية، وهو أكبر تهديد ينتهك المجتمع المسلم، ويدمر معاييره، يفتن شبابه ويهدد مستقبله لو استمر المؤشر في تصاعده، وعلاقة الغرب تجاه الظاهرة تختلف اختلافًا شاسعًا بما يوضح أن شيئًا ما لا يسير على ما يرام؛ لأن هناك مساندات وإغراءات مادية ومعنوية كسلمان رشدي، وأيان هيرسي علي، ووفاء سلطان، ولسنا بصدد رصدهم جميعًا، لننظر فيه من خلال أسبابه، علنا نجفف منابعها.

 

أسبابه:

أسباب كثيرة صعب أن نحصرها عبر أمثلة الشخصيات المرتدة، ولكل من له خبرة، ومهتم بأمر هذه القضية أن يدلو بدلوه، فالسلسلة مفتوحة للجميع، والمناقشة لا تقتصر على مناقشة المرتدين فقط.

 

من أسبابه الهامة التي يجب أن نجد لها حلاًّ ناجحًا وسريعًا ليوقف هذا الطابور الذي تتزايد الأعداد في الدخول فيه:

التنشئة الاجتماعية:

لا شك أن الإنسان نتاج مجتمعه؛ ففي المجتمعات الغربية صعب على الجيل الثاني "جيل الأبناء" أن ينشأ تنشئة إسلامية، إذ لا تتوفر المؤسسات الاجتماعية، ولا التعليمية، ولا الثقافية، وما هو موجود من مراكز ثقافية لا يكفي، وبعضه بعيد جدًّا.

 

لتسمعوا للسيدة قسمت الناحل - ابنة حمادة الناحل السياسي المصري في أربعينيات القرن الماضي - تقول: المشكلة التي تواجهني وأنا متزوجة من مسلم ألماني، حريصة على تعليم أبنائي الدين الإسلامي، والمدارس الألمانية لا تعلم الدين الإسلامي، وليس في المنهج حصة دين إسلامي، ووجدت أبنائي بدون دراسة الدين سيتعرضون لأفكار وانحرافات مادية خطيرة، فلم أجد إلا أن أطلب تعليمهم الدين المسيحي، يتعلمون دينًا خير لهم من أن يجهلوا كل الأديان!

 

لو وجدت برامج خاصة تتعهد الرحلة لبلاد الآباء، يرى الحضارة ويستشعر التاريخ، ويعرف اللغة، وأهمية وجوده، وهدفه، لتم انتشال الكثير.

 

الإقامة الطويلة في ديار الفرنجة:

لا ننكر الوجود الإسلامي في ديار الفرنجة، ونركز على ديمومته وجدواه في التماسك الاجتماعي، والثقافي، هذا الوجود الإسلامي يعرض لضغوط وضغوط، ولا يزال ينتشر، وينتصر على صعاب وصعاب بفضل الله وتوفيقه، على الرغم من أن البعض يعاني الاغتراب وعقده، والبعض يعاني التفرنج وفتنه.

 

حالة الملكة الأم الملكة نازلي: جدها لأمها جاء مصر مع الحملة الفرنسية، ورفض الرحيل، أعلن إسلامه، وتسمى سليمان باشا الفرنساوي، قررت الرحيل عن مصر، وجمعت ما تسنى لها من أموال، وسافرت لسويسرا بحجة العلاج واصطحبت معها ابنتيها الأميرتين فايقة وفتحية، ومن سويسرا لفرنسا لأمريكا، وهناك تزوجت برياض غالي ومنحته كل ما تملك، فبعثر الثروة وأعلنت إفلاسها في 1974م حصلت على حكم الطلاق منه، فأطلق عليها الرصاص وحاول الانتحار، توفيت في 1978م ودفنت بعد مراسم دفن تمت في إحدى كنائس لوس أنجليس.

 

وحالة نوني درويش: أبوها مدير المخابرات المصرية في غزة في خمسينيات القرن الماضي الذي اغتاله الموساد في 1956م، أسست بعد 11/9 عرب لأجل إسرائيل، أصدرت في 2006م كتابها (الآن يدعونني بالكافرة)، وانتقدت رد فعل المسلمين على أحداث الرسوم المسيئة، نفت ما أشيع عنها من أنها تبرأت من أبيها، ومن أعماله كفدائي مقاوم، ونفت أنها تصفه بالإرهابي، ونفت أنها تؤيد إسرائيل في قتله، قالت بأن الإسلام هو الذي تركني أذهب للكنيسة، وذهابي للكنيسة لا يعني أنني اعتنقت المسيحية، إذ للإقامة الطويلة والتعرض للضغوط أثره في تنصير الكثير.

 

الفقر والعوز:

للفقر فتنته، وأثره، ليرهن الضعيف عقيدته، وتجاوزًا لهذا، نتعرض لظاهرة موازية للفقر، حالة الأغنياء، كما حدث قبيل محاكم التفتيش في الأندلس؛ إذ كان يقدم الأسقف إغراءات كثيرة للأسر المسلمة الغنية حتى يعتنقوا الكاثوليكية، ومن تلك الإغراءات تسليم أفرادها مناصب عالية في السلطة، وقد استجاب له عدد محدود جدًّا، مما أثار غضب العامة من المسلمين فهاجموا أسر الذين اعتنقوا الكاثوليكية، وأحرقوا بعضها.

 

ذكر موقع الشروق اليومي أن كل ذاهب لكنسية "إغيل علي" بولاية بجاية، وهي على الحدود الشرقية لولاية البويرة بالقرب من منطقة الشرفة واغبالو، يتوافد المتنصرون الجدد إلى الكنيسة مقابل مبلغ مالي مقدر بـ 1000 دج كل يوم جمعة، وتعمل معظم كنائس الوطن في إقامة الصلاة في مثل هذا اليوم المبارك لدى المسلمين لعدة أسباب، منها ضمان توافد المنصرين الجدد في مثل هذا اليوم بالذات دلالة على تركهم للإسلام، باعتبار أن يوم الجمعة مقدس لدى المسلمين، ويؤكد نصراني لـ "الشروق اليومي" دخل المسيحية منذ عام 2001م أن التنصير كان يتم سرًّا وخفية، حيث كانوا يخفون دخولهم إلى النصرانية خوفًا من نبذ المسلمون لهم، قبل أن يقنعهم المبشرون بالمسيحية في ولاية بجاية، وبالضبط في كنسية "إغيل علي"، أن المسيحية ليست عيبًا، وعليهم أن يدافعوا عن دينهم تمامًا مثل المسلمين. أرجو أن يكذب هذا الخبر رسميا، وفعليا.

 

ظرف الزواج:

يحرص كثير من الباكستانيين والمسلمين الهنود في بريطانيا على استيراد العرسان لبناتهم، وغالبًا ما تفشل هذه الزواجات لاختلافات التنشئة الاجتماعية، ولا يكفي استيراد العرسان لتغطية كل المسلمات، فتتزوج المسلمة بمسيحي، ونتيجة ذلك حالة من ثلاث: إما أن تجعله يسلم، وإما أن ينصرها، وإما أن يظل كل منهم على دينه، ومع الأسف لا توجد إحصائيات ترصد بدقة هذه الحالة، وأغرب من هذا حالة نعمت خيري التي اصطحبها زوجُها عزيز علوي للعلاج في سويسرا، وقد تعلمت في إحدى المدارس الفرنسية التي تديرها الراهبات في مصر، وتتقن الفرنسية، هناك طلقها زوجها لسوء تصرفاتها، فكم تركته في المصحة وحده، بعد أن توهمت أن جمالها يشفع لها

 

أن تصير ممثلة عالمية، ودخلت محافل الأرستقراطية، وعاشت في باريس، وخشية الفقر تزوجت من أمير روسي مفلس لاجئ، حملها على اعتناق الأرثوذكسية، وماتت ودفنت في مقبرة متشرسكي. لنا أن نسأل: هل تعليمها في مدارس الراهبات مهد لارتدادها؟ أعرف تلميذًا يتعلم بمدرسة راهبات لا يكف عن التصليب على صدره، مما اضطر والدَه لتحويله لمدرسة لغات!

 

التلميع الإعلامي:

للتلميع الإعلامي أثره، إذ يجن البعض بالشهرة، ويتمنى أن يحققها ولو على حساب دينه وخلقه. لننظر لحالات كسلمان رشدي صاحب الآيات الشيطانية، وأيان هيرسي علي، ووفاء سلطان، وليس من فراغ أن يكتب اسمها في رواية Spiders، وناصر خضر الذي ساند الرسوم المسيئة علنا في هولندا وغيرهم.

 

تركز عليهم الأضواء بشكل مبالغ فيه، وتكتب عنهم الصحف الغربية، وتقدمهم الفضائيات الغربية وكأنهم عباقرة، وشخصيات كبيرة تتحدث عنهم، في برامج وندوات وأحاديث، وحققوا ثروات بملايين الدولارات، وتحولوا من مهمشين إلى مشهورين.

 

ضغوط مجتمعية:

يتعرض المسلم في بلاد الفرنجة لضغوط مجتمعية تختلف من مجتمع لآخر؛ ففي بريطانيا أفضل حالا من الولايات المتحدة؛ لأن اليهود هناك يديرون الضغوط بلا ملل، والضغوط تجعله يقدم تنازلات، وتنازلات، عقدية وعبادية، ولعل البنت تيين 17 سنة، التي تنصرت وهربت من بيت أسرتها في فلوريدا، كما ذكرت الفوكس نيوز في 11/8/2009، لم تكن آخر الخائفين من ضغوط المجتمع.

 

لو تأملنا ذلك لوجدنا أن هناك منظمات تسهر على رعايتهم، ومراكز محترفة تروج للارتداد، ولا يهم الدخول في النصرانية، المهم الارتداد عن الإسلام، عياذًا بالله.

 

إن التركيز على الارتداد مخيف، وتهميش هذه القضية قول سخيف، وفي هذه السلسلة نتعرض للمرتدين الجدد، وأفكارهم لدحضها، لعلنا نؤسس مؤسسات تستطيع مناقشتهم، ومعاونتهم وردهم للإسلام، وتجفيف منابع الارتداد تمامًا بالحكمة والموعظة الحسنة.

__________________________________________
الكاتب: د. عبدالرحمن أبو المجد

  • 4
  • 1
  • 1,949

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً