فوائد من شرح أصول السنة, للشيخ سعد بن ناصر الشثري

منذ 2021-10-26

عادة الله في الخلق أن الكاذب يفتضح في حياته, أو بعد مماته, ومن افتضاحه أن يتبين كذبه.

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فمن العلماء المتأخرين فضيلة الشيخ سعد بن ناصر الشثري, والشيخ له شروح على بعض المتون العلمية, منها شرحه لكتاب أصول السنة, للإمام أحمد بن حنبل رحمه الله, والشرح يوجد فيه فوائد اخترت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها.

علماء حمى الله بهم جناب التوحيد:

من العلماء الذين كان لهم أثر في مباحث المعتقد وحمى الله بهم جناب التوحيد, وأنقذ الله بهم جماعات من العباد: الأئمة الثلاثة:

  1. إمام أهل السنة والجماعة الإمام أحمد بن حنبل.
  2. شيخ الإسلام الإمام أحمد بن تيمية.
  3. الإمام العلامة الشيخ محمد بن عبدالوهاب.

ولذا حرصت على نشر رسالة لكل واحد منهم, فللإمام أحمد " أصول السنة ", ولشيخ الإسلام ابن تيمية كتاب " العقيدة الواسطية ", وللإمام المجدد الشيخ محمد ابن عبدالوهاب كتاب " القاعد الأربع ".

كتاب: أصول السنة للإمام أحمد بن حنبل:

الإمام أحمد ألف مؤلفات عديدة, في مباحث المعتقد, منها: " أصول السنة ", وهي كتاب مختصر ووجيز, ومع ذلك هو أسس وقواعد لمعتقد أهل السنة والجماعة,...وهو كتاب جامع كالأساس لما بعده, وهو كتاب أيضاً مختصر, بحيث يتمكن الإنسان من حفظه وضبطه.[ص:15]

التسليم للنصوص:

الواجب علينا أن نحكم النصوص, فما جاءنا من النصوص سمعنا له, وآمنا به, وأيقنا بصحته, فما فهمته عقولنا ولم يكن مشكلاً عندها فذاك, والحمد لله, وما عجزت عقولنا عن ‘دراكه وفهمه فلا يجوز لنا أن نكذبه, لأن الشريعة قد تأتي بأمور تعجز العقول عن فهمها. ثم إننا مع ذلك نؤمن أنه لا يمكن أن يكون في أمور الشريعة ما هو معارض للعقل الصحيح الصريح, لكن قد تخفى بعض الوجوه عن بعض الناس, فلا يعرف وجه ما ورد في النص, فلا يعني أن ما ورد في النص يكون مخالفاً لمدلول العقل, بل عجز العقل عنه.[ص:35]  

أخبار الآحاد الواردة في الحديث النبوي التي ليس لها معارض, تفيد القطع واليقين:

الصواب أن أخبار الآحاد الواردة في الحديث النبوي التي ليس لها معارض, ولم يتكلم فيها أحد من الأئمة بشيء أنها تفيد القطع واليقين, لأمور:

أولها: أن الله تعالى أكرم من أن يدخل في شريعته شيء ثم لا يُنبِّه الأمة عليه, ولا يمكّن علماء الحديث من اكتشافه.

ثانيها: أن الله تعالى قد تعهد وتكفل بحفظ هذه الشريعة, ومن حفظها حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم, قال تعالى: { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9] ومما يدخل فيه تفسير كتاب الله الذي يكون بالسنة.

ثالثها: أن لكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم من البهاء والوضوح والنور ما ليس لغيره, مما يجعل كلامه لا يمكن أن يلتبس بكلام غيره, ثم إن الأمة قد اجتهدت في تمحيص الأخبار النبوية والتمييز بين صحيحها وضعيفها, فلا يمكن أن يخفى كذب في الحديث على هذه الأمة المعصومة التي لا تجتمع على ضلالة.[ص:52_53]

أقسام الناس بالنسبة لما فعلوه من الذنوب والمعاصي:

القسم الأول: من تاب من الذنب, فهذا يتوب الله عليه ويمحو ذنبه, بل قد يبدل الله سيئاته حسنات. وهذا من رحمة العزيز الرحيم, قال تعالى: { وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه:82] وقال جلا وعلا:  {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما }  [الفرقان:68_70]

القسم الثاني: من عمل ذنوباً ومعاصي فكانت تلك الذنوب تستوجب عقوبات في الدنيا من الحدود والتعزيرات, فأقيمت عليه تلك الحدود, فإن إقامة هذا الحد يكفر ذنبه, كما ورد في حديث عبادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:  «بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً, ولا تسرقوا, ولا تقتلوا أولادكم, ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم, ولا تعصوا في معروف, فمن وفى فأجره على الله, ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له» 

القسم الثالث: من كان يعمل معاصيَ وذنوباً وأنزل الله عليه من العقوبات ما يكون مكفراً لسيئاته وذنوبه, فهذا قد مُحيت عنه آثار ذلك الذنب, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:  «ما يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا وصب إلا كان كفارة لذنوبه» .

القسم الرابع: من عمل الذنوب من غير الكبائر ثم عمل أعمالاً صالحة, تكفر عنه ما مضي من سيئاته فإن الله جل وعلا يكفر عنه تلك الذنوب, كما قال تعالى:  { إن الحسنات يذهبن السيئات }  [هود:114]

الخامس: من عمل ذنوباً يستحق صاحبها دخول النار, ثم لم يتب منها, ولم يأت ما يكفرها, فهؤلاء يقعون تحت المشيئة إن شاء الله عذبهم, وإن شاء رحمهم وغفر لهم

السادس: من عمل ذنوباً ولكن يسّر الله تعالى من يدعو له ويتصدق عنه وحينئذ قد يمحو الله جل وعلا عنه تلك الذنوب بسبب دعا من يدعو له من أبنائه وغيرهم[84

حفظ اللسان عن التكلم في الخلق ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلاً:

مما يتعلق بهذا أن نحفظ ألسنتنا عن الكلام في الخلق, فلا نتكلم في أحد مهما استطعنا إلى ذلك سبيلاً, والكلام في الآخرين قدحاً وسباً إنما يكون عند الحاجة الشرعية والمقتضي الشرعي لمثل ذلك, ومتى تمكنا من عدم ذكر أولئك الأشخاص الذين يكون عليهم ملحوظات فهو أولى وأحسن, لأننا إذا تمكنا من رد الباطل بدون أن ننسبه لأصحابه فهذا هو المطلوب الشرعي, لئلا نُقيم لأصحاب الباطل وزناً, ونجعل الناس يرددون أسماءهم, وقد يتعصب لهم بعض الناس لأولئك الأشخاص فيكون سبباً في ضلالهم وأما إذا رددت الباطل ولم تذكر أصحابه فإنك حينئذ لا تقيم لهم وزناً ولا اعتباراً, وفي نفس الوقت لا ينغرُّ الناس بهم, ولا ينخدعون بكلامهم, ولا يكون الولاء والبراء على أسماء الأشخاص, وإنما يكون الولاء والبراء على المعتقد الصحيح الثابت في كتاب الله, وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم [ص:98]   

المراء:

المراد بالمراء المجادلة فيما لا فائدة فيه, ولا يُوصلُ إلى تحقيق حكم شرعي, سواء كان في المعتقد أو في غيره. ومنه المناقشات التي تكون لإظهار صفات النفس ولإعلان الإنسان لنفسه على غيره. وقد ورد في النصوص النهي عن المراء,...والمؤمن مطالب بإبراز الحق وإظهاره, وأما المناقشة العقيمة فيه فليست من شأن المؤمن.[ص:28]

الجدال:

الجدال يشمل المراء ويشمل غيره, ومن الجدال ما هو محمود كما قال تعالى:  { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} [النحل:125] وكما قال سبحانه: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت:46]

فالجدال منه ما هو مذموم, ومنه ما هو محمود, والمذموم أنواع, منها:

1-جدال في مقابلة النصوص ومعارضتها, فهذا مذموم.

2-جدال لم يَسِر فيه الإنسان على مقتضى الأدب والخلق الحسن, وهذا أيضاً مذموم.[ص:29]

أسباب نفع الله بردود علماء أهل السنة والجماعة على أهل البدع والضلالات:

نفع الله جل وعلا بعلماء أهل السنة والجماعة في رد البدع والضلالات نفعاً عظيماً, وذلك لعدد من الأمور:

الأمر الأول: أنهم ينطلقون في معتقدهم وفي ردودهم من الكتاب والسنة, والكتاب والسنة تذعن لهما النفوس المؤمنة, وفيها الحجج العقلية المقنعة, والبراهين النقلية الواضحة, بخلاف غيرهم من أهل البدع فإنهم ينطلقون في ردودهم من مصادر أخرى

الأمر الثاني: أنهم يردون البدعة بالسنة, بخلاف غيرهم فإنهم يردون البدعة ببدعة.

الأمر الثالث: من مميزات كتابة أهل السنة والجماعة: أنهم يجتنبون المتشابه من القول, فالألفاظ والأقوال والجمل التي تحتمل معاني متعددة يتوقفون عن إطلاقها إثباتاً ونفياً ويكتفون بما ورد في النصوص الشرعية.[ص:7_8]

** عادة الله في الخلق أن الكاذب يفتضح في حياته, أو بعد مماته, ومن افتضاحه أن يتبين كذبه. وأعظم ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم.[ص:53]

                   كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 5
  • 0
  • 2,163

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً