الشدائد التي يتعرض لها المؤمن
قال رسول الله ﷺ: «المؤمنُ بيْن خمسِ شدائدَ؛ مؤمنٍ يحسُده، ومنافقٍ يُبغِضه، وكافرٍ يُقاتِله، ونفسٍ تُنازِعه، وشيطانٍ يُضِلُّه».
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: «المؤمنُ بيْن خمسِ شدائدَ؛ مؤمنٍ يحسُده، ومنافقٍ يُبغِضه، وكافرٍ يُقاتِله، ونفسٍ تُنازِعه، وشيطانٍ يُضِلُّه»؛ أخرجه أبو بكر بن لال في مكارم الأخلاقِ من حديث أنس.
فالمؤمنُ معرَّض في هذه الحياة للمَخاطر حتى مِن أخيه المؤمنِ، وأثَر الحسدِ لا يَخْفَى على أحد، فرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: (( «إنَّ العَيْن لتُدْخِل الرجلَ القبرَ» )).
وللحسد أسباب كثيرة؛ منها:
1 - العداوة والبغضاء: وهما مِن أهمِّ الأسباب التي تدفع للحسد، وتجعل الإنسان يحقد على غيره، ويتمنَّى زوالَ نعمته.
2 - الكِبْر: وهو أن يكون في طبعِه أن يتكبَّر على غيره، فيخشى أن ينال غيرُه نعمةً تجعل هذا الغيرَ يتكبَّر عليه أو يَزْدَرِيه.
3 - التعجُّب، بقول الله تعالى: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا} [المؤمنون: 47].
فتعجَّبوا أنْ يَفوزوا برتبةِ الرسالةِ والنبوَّة.
4 - خبث النفسِ وشحُّها بالخير للعباد؛ يقول الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا} [النساء: 54].
ونواجِه الحسَدَ بأن لا نُجاوِر الحاسدين مِن أهلِ الغيبة والنميمة، ونُنَقِّي قلوبَنا مِن كلِّ خُلق ذميم، ونتمنَّى الخيرَ للناس جميعًا ابتغاءَ وجه الله؛ كما قال ابن عباس لرجل كان يَشْتمُه: "أَتَسُبُّني وفيَّ ثلاث: ما سمعتُ ببلدٍ نزل فيها مطر إلا فرحتُ لأهلها، وربما لم يكن لي فيها زرع ينبت، وما سمعتُ بحاكم عادل إلا دعوتُ له، وربما لم أقاضِه، وما علمتُ بآيةٍ مِن القرآنِ، إلا تمنيتُ أنْ يَعْلمَها المسلمون جميعًا".
فهكذا يجب أن يكون المسلم كابن عباس رضي الله عنهما؛ إنه يحبُّ الخيرَ للناس دون أن ينتظر مِن أحدٍ خيرًا، فهو خير في خير.
منافق يُبغضه:
إنَّ النفاق أشدُّ ضررًا، وأعظم خطرًا على الإسلام مِن الكفر، فالمنافق يُظهر الإسلامَ، ويَنْدسُّ في وسط المؤمنين؛ لِيَعْرف أخبارَهم وأسرارهم، حتى إذا أُتيحَت له الفرصة حاول النيلَ من الإسلام، والإيقاعَ بالمسلمين ما استطاع، فها هو رأسُ المنافقين بالمدينة عبد الله بن أُبَيِّ ابن سلول يَنال مِن عِرض رسولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم الطاهرِ العفيف، ويَرمي أمَّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها الصدِّيقةَ بنتَ الصدِّيق بالإفكِ والبُهتان، والزورِ والإثمِ، ثم تنْزلُ براءةُ أمِّ المؤمنين عائشة مِن فوق سبع سماواتٍ قرآنًا يُتلَى إلى يوم القيامة؛ يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاؤوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11].
وقد تحدَّث القرآنُ الكريمُ في مَطْلع سورةِ البقرة عن المتَّقين في خمس آيات، وعن الكفار في آيتين، وعن المنافقين في ثلاث عشرة آية، وما ذلك إلا لِعظم ضَرَرِهم، وخبثِ طباعهم، وسوء أخلاقهم.
واللجوء إلى الله تعالى هو أعظَم ما يَتَحَصَّن به المؤمن ضد النفاق والمنافقين، وليس معنى ذلك السكوت عن أعمالهم، وعدم كشف مؤامراتهم ومخططاتهم، والتحذيرِ منها، بل إن ذلك واجب على كل مؤمن، خاصة إذا كان المنافق عليمَ اللسانِ يستطيع أنْ يُحَوِّل الحقَّ إلى باطل، ولما تحدَّث عبد الله بن أُبَيّ ابن سلول بسوء أدبٍ عن الرسول، وقال: ليُخْرِجَنَّ الأعزُّ منها الأذلَّ إذا رجعنا إلى المدينة، وقصَد بنفسه العزيزَ، وقصد بالذليلِ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم نزلَت سورةٌ كاملةٌ تَفضَح ابنَ سلول وأتْباعَه وأشياعَه من المنافقين، سمَّاها اللهُ تعالى سورة المنافقون، وكان لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأصحابِه الموقفُ المعروفُ مِن هذه الحادثة.
كافر يُقاتله:
إنَّ الكفار هُم أهلُ الباطل وأعوانه، وهُم أشياعُ الشيطانِ وأتْباعُه، وهُم يرصدون الحقَّ وأهلَه على طول الطريق، ويتربَّصون بهم الدوائر، ويُنفِقون الأموالَ الطائلةَ لمحاربة الإسلام والمسلمين؛ يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].
وكأنهم قد تَواصَوا بمحاربة أهلِ الحقِّ منذ قديم الأزل، مِن عهد نوح عليه السلام إلى يومنا هذا؛ قال تعالى: {أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ} [الذاريات: 53].
وعلى أهل الحق أن يَعْلموا أنَّ أهل الباطل لن يسلموهم ما داموا يبتغون الحق، وليعلم أهل الحق أيضًا ألَّا بُدَّ مِن الابتلاء والامتحان، والاختبار والمعاناة والمشقة في طريق الله؛ مِن أجْل أن يَمِيزَ اللهُ الخبيثَ من الطيِّب، وأن يَصْفُوَ المؤمنُ مِن كل الشوائب، فلو كان طريقُ الحق مفروشًا بالورود والرَّياحين، لاختلطَت دَعاوَى الباطل بدعوة الحق، ولاستطاع أيُّ إنسان ادِّعاءَ ذلك، وليَكُنْ زادُ أهلِ الحق في هذا الطريقِ الثقةَ بالله، وحُسْن الظنِّ به، واللجوء إليه دائمًا، وسؤاله الفرَج، والاعتصام بالوَحْيَيْن، ولزوم منهج العلماء الثِّقات الأثْبَات، والترفُّع عن المناهج الحزبية، والولاعات البدعية لغير الله ورسوله والمؤمنين.
شيطان يُضِلُّه:
يقول الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6].
وسأل رجلٌ الحسَنَ البصري قائلًا: هل ينام الشيطان؟ فقال البصري: لا، لو نام لاسترحْنا.
فمهمة الشيطان التي أخَذَها على عاتقه غوايةُ العباد إلى يوم القيامة؛ فعلى المؤمن أن يتحصَّنَ مِن هذا العدوِّ اللدود بذكر الله وطاعته.
سأل رجلٌ أحدَ الصالحين: كيف أتغلَّب على مَن يراني ولا أراه؟ فقال له: بالاستعاذة منه بالذي يراك ويراه.
ولينتبه المؤمن إلى مداخل الشيطان فيَسُدَّها عليه، ومنها:
الغضب، الشهوة، العجلة، البخل، الكبر، الحسد... وغيرها.
نفسٌ تُنازِعه:
يقول الله تعالى: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ} [يوسف: 53].
وأَعْدَى أعداءِ الإنسانِ نفسُه التي بين جَنْبَيه، فإذا انتصر عليها، فهو على غيرها أقْدَر، وقد قال الشاعر:
إني ابتليتُ بأربعٍ ما سُلِّطـــــوا *** إلا لشِدة شقوتي وعَنائــــــي
إبليس والدنيا ونفسي والهوى *** كيف الخلاصُ وكلُّهم أعدائي
فنفسُك إنْ كنتَ أميرًا عليها، قُدْتها إلى الجَنَّة، وإن كانت أميرة عليك، قادتْك إلى النار؛ فجاهد نفسَك، أخي المؤمن، وراقِبْها وحاسِبْها ما استطعتَ، وخالِفْها فيما تريد؛ لأن غالب حالها الكسَل والفتُور، والميل إلى الشهوات، والركون إلى الدنيا؛ فاحذر مِن ذلك ثم صُلْ عليها بسوط العزم إذا تكاسلَتْ.
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ألزمتُ نفسي أن تذهَب معي إلى ربي، فتكاسلَتْ فتركْتُها وذهبتُ وحدي.
ثم اهْتَمَّ أخي المؤمن بقلبِك، فَنَقِّهِ مِن كل خُلُق ذميم، وامْلأه بالإيمان والرحمة؛ فهو وعاءُ جسَدِك، ثم اضبط أحكامَ عقْلِك وتصوُّراتِه ما استطعتَ بما يتلاءم مع نصوص الشرع الحكيم، تكُن دائمًا في حفظ الله ورعايته.
وصلِّ اللهُمَّ على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلِّم.
- التصنيف:
Fatima
منذ