الرياء-أسبابه وعلاجه
إنَّ القلبَ الصَّلْد المغطَّى بالرياء، مَثَلُه كمَثَل صفوانٍ عليه تراب، إنه حجر لا خصْب فيه ولا ليُونة، يُغَطِّيه تراب خفيف، يحجب صلادته، كما يحجب الرياء صلادة القلب الخالي من الإيمان..
شرطَ اللهُ الإخلاصَ لِقبولِ الأعمال، وهو سبحانه العليمُ بما تُخْفيه السرائر، وما يصدر من الجوارح؛ من الأقوال والأفعال، وقد بيَّن الرسولُ صلَّى الله عليه وسلَّم، وهو الحريصُ على أُمَّته، خطورةَ الرِّياء، وأرشدَ إلى العلاج الذي يَنفع في الحال والمآل؛ فقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ألا أخبركم بما هو أخوَفُ عليكم عندي مِن المسيحِ الدجال: الشرك الخفيُّ: أن يقومَ الرجلُ فيصليِّ فيُزَيِّن صلاته؛ لما يرَى مِن نظَر رجُل».
وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: «ما ذئبانِ جائعانِ أُرْسِلَا في غنَم، بأفسَد مِن حِرْصِ المرءِ على المال والشَّرَف لِدِينِه».
فالرياء دونما شكٍّ يُفرغُ العملَ الصالحَ مِن آثاره الطيِّبة، وغايتِه العظيمة؛ فالعبادةُ ما لم تكُن صادرةً عن إخلاص وتجرُّدٍ، لم تحقق آثارها في القلب، ولم تدفع إلى العمل الصالح، فهي عبادةٌ جوفاءُ، لا روح لها، وصدَق اللهُ العظيم إذ يقول: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} [الإنسان: 8 - 9].
إنَّ القلبَ الصَّلْد المغطَّى بالرياء، مَثَلُه كمَثَل صفوانٍ عليه تراب، إنه حجر لا خصْب فيه ولا ليُونة، يُغَطِّيه تراب خفيف، يحجب صلادته، كما يحجب الرياء صلادة القلب الخالي من الإيمان، ثم جاء المطر فذهب بالتراب، فانكشفَت عورتُه، وتبيَّن الحجَر فلم يُنبت، كالمُرَائي لا يُثمر عمله خيرًا، إنه تشبيه بديع، وصدق الله العظيم إذ يقول: {كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} [البقرة : 264].
والرياء مع ذلك كلِّه يُورث الذلةَ والصَّغار؛ يقول الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم: «مَن سمَّع الناس بعمله، سمَّع اللهُ به مسامع خَلْقه، وصغَّره وحقَّره».
والرياء يحرم ثواب الآخرة؛ يقول صلَّى الله عليه وسلَّم: «بشِّر هذه الأمَّة بالسناء والدين، والرفعة والتمكين في الأرض، فمَن عمِل منهم عمَل الآخرة للدنيا، لم يكن له في الآخرة نصيب».
وهنا أمر مهمٌّ ينبغي أن يُتَنَبَّهَ له: وهو أن هناك أمورًا قد يستشكل بعض الناس، ويظنون أنها من الرياء، وهي في الواقع ليست منه، ومنها:
• حمْد الناسِ للعبد على عمل الخير دونَ قصدٍ منه؛ فعن أبي ذر قال: يا رسول الله، أرأيتَ الرجلَ يعمل العمل مِن الخير يحمده الناس عليه، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «تلك عاجِل بُشْرَى المؤمن».
• نشاط العبد في عمل الخير عند رؤية العابدين ومجالسةِ أهلِ الإخلاص والصالحين.
• كتمان الذنوب: «كل أمَّتي معافى إلا المجاهرون».
• تجميل الثياب والنعل ونحوه: «إنَّ الله جميلٌ يحبُّ الجمال، الكِبْرُ بَطَرُ الحقِّ، وغَمْطُ الناس».
• إظهار شعائر الإسلام؛ لِيقتَدي الناسُ به، وهذا أمرٌ محمودٌ، وله أجْرُ مَن اقتدى به، والرياء أن يَقصِد بالإظهار أن يراه الناسُ فيمدحوه ويُثْنوا عليه، ويمكن علاج الرياء بمعرفة ما أعدَّه الله في الدار الآخرة مِن نعيمٍ مُقيمٍ للطائعين المخلصين، وعذابٍ مقيمٍ للناكبين المرائين.
وكذلك الخوف من الرياء والحذَر الشديد منه؛ لأن مَن خاف شيئًا عمِل لِتوقِّيه، والبُعد عنه، وما دام المرائي يخشى مِن ذمِّ الله، ويُقدِّمه على خشية ذمِّ العباد، وهذا يُبعِده عن الرياء، وكذلك على العبد أن يَكتُم عمَله، وألا يَكتَرِث بمدْح الناس وذمِّهم، فلن ينفعوه ولن يضرُّوه، إنما الذي ينفعه بعد رحمة اللهِ عملُه الصالح.
وأخيرًا: فعلى العبد أن يُصاحب الأخيارَ المتَّقين؛ لأنهم يُقَرِّبونه للخير، ويُبعدونه عن الشر، ويُلازم الدعاءَ في أحواله كلها؛ فالدعاء مفتاح الخير بإذن الله.
- التصنيف: