إلى الشباب
الشباب ما ذَكَرَهُم الله - جلَّ جلاله - في القرآن إلا مادحًا، وما تحدَّث عنهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا منوهًا، سَمَّاهم الله في القرآن فتية؛ وأوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمَّته بالشباب..
الشباب ما ذَكَرَهُم الله - جلَّ جلاله - في القرآن إلا مادحًا، وما تحدَّث عنهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلا منوهًا، سَمَّاهم الله في القرآن فتية؛ فقال - عز وجل -: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13]، وأوصى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أمَّته بالشباب؛ فقال: «أوصيكم بالشباب خيرًا، فإنهم أرق أفئدة»، ومِنْ مزايا الشباب عند الله أن جعلَ سُكان جنته شبابًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: «يدخُل أهل الجنة الجنة، جردًا مردًا مكحلين، بني ثلاث وثلاثين»؛ (رواه الطبراني) .
فقيمةُ الشباب عند الله عظيمة؛ لأنَّ الذي خَلَق - وهو أعلم بما خلَق - قدَّر في سابق علْمه أنَّ الشباب إذا اتَّخَذ القرآن منْهجًا، والدِّين مرجعًا، تهيَّأتْ له أسباب السعادة في الدنيا والآخرة.
نعم أيها المؤمنون:
إذا استقام الشبابُ واهتدى، استقامتْ للأمة الحياةُ، وسمع الصحابة - وكلهم من الشباب، وكان أكبرهم في السابعة والثلاثين من عمره - سمعوا نداء ربِّهم: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153]، وبلغت الوصية إلى القلوب النقية، فاتبعوا سبيل الله؛ {وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285].
وشيدت الأمة مجدها وعزها باستقامة شبابها، الشباب الطاهر، الشباب المتوَضئ، الشباب الذي التَفَّ يومًا حول النبي صلى الله عليه وسلم فبنى في سنوات قليلة ما لَم تستطعْه الشُّعُوب في أزمنةٍ كثيرة.
تسلَّحَ شبابُ النبوة بالتوكُّل على الله، فبعث الله فيه الشجاعة والإقدام، خرج عقبة بن نافع إلى الشمال الإفريقي مبلِّغًا رسالة الله للشُّعوب، كان عمرُه يوم خُرُوجه اثنين وعشرين عامًا، ومن مركز النبوة في المدينة المنورة، هبَّ يغمر الأرض ربيعًا، ويملأ القلوب إيمانًا ويقينًا، حتى وقَفَ على ساحل الأطلنطي، وخاضَ بفَرَسه مياه المحيط، وهتف في الفضاء الرحب: "والله لو أعلم أنَّ وراء هذا البحر أرضًا، لخضتُ البحر بفَرَسي حتى أُعلي عليها كلمة: لا إله إلا الله".
ومن مركز النبوة بالمدينة المنورة خرج قتيبة بن مسلم الباهلي، متوَجهًا شرقًا، فاتحًا أذربيجان، وأوزباكستان، وطاجاكستان، وأفغانستان، وباكستان، وهو يفتح بلاد الهند أقسم بالله ليطأن أرض الصين، فذُعر ملك الصين، وسارع إلى الصُّلح، ثم أرسل إليه صحافًا كبيرةً من الذهَب فيها تراب أرض الصين، وقال له: "انثره بالأرض التي أنت عليها، ودُس بخَيْلك تراب أرض الصين، ولا تحنثْ في يمينك"!
شباب النبوة زرع اللهُ الهيبة في قُلُوب مَن حولهم؛ فهابهم حتى الحيوان.
مهران الرومي خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: والخبر أورده ابن الأثير في كتابه "أُسْد الغابة في تمييز الصحابة"، قال مهران: ركبت البحر، فانكسرتْ بنا السفينة، فركبتُ لوحًا منها، فطرحني إلى الساحل قُرب غابة، فهاجمني أسد، فصحتُ في وجْهه: يا أيها الأسد، مكانك، أنا مهران خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحني البحر على هذا الساحل، ولا أعرف الطريق، قال: فطأطأ الأسد رأسَه، وجعل يدفعني بكتفه، حتى وقفني على الطريق.
هذا الشباب لَما نشأ حول الرسول صلى الله عليه وسلم أحب الرسول، وحَمل الرسالة، فخاض غمار العلم والمعرفة، وبَنَى تجارةً أسَّسها على الصِّدْق في المعامَلة، فازدهرتْ تجارتُه، وتطوَّرتْ مُعاملاتُه، وتقربتْ إليه شعوب الأرض، هذا الشباب خلال عشر سنوات صنع الأعاجيب، توكَّل على الله في كل أمر، فأيَّدَهُ الله في كل أمر، فعمَّ الخيرُ وكثُر المال، واتَّسعتْ دولة الإسلام، ورحم الله الفاروق عمر بن الخطاب يوم وقف أمام كنوز كِسْرى - وهو أمير للمؤمنين - وبكى بكاءً شديدًا، فتقدَّم إليه الصحابي عبدالله بن مسعود وقال له:أتبْكي يا أمير المؤمنين في يوم النَّصْر؟! فأجابَه أميرُ المؤمنين: أخشى على المسلمين أن تفْتنَهم الدُّنيا!
وصدق الفاروق، وصدق مِنْ قبله خيرُ الناس وسيِّد الناس، رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال فيما رواه البخاري ومسلم: «إِنِّي مِمَّا أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي، مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا»، وها قد تفتحتْ زهرة الدنيا، وأقبلت في زينتها، وانشغلت بها القلوب، واستهدف أعداء الأمة أعزَّ ممتلكاتها، وهم الشباب، فتوجهت إليهم القنوات بكل لَهْو، وخصصت لهم البرامج بكل زهو؛ كل ذلك لإبعادِهم عن منْهج الله؛ لأنَّ الغرب يعلم واليهود يعلمون أن عِزَّ هذه الأمة لا يعود إليها إلا بعودة شبابها إلى الله، عودة هذا الشباب إلى منهج الشباب الذي حاولوا إلهاءَه فرفض، وحاولوا إغراءه فترفع، يوم عبر صقر قريش عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس، وهو ابن الخامسة والعشرين، أهديتْ له جارية بارعة الجمال، فنظر إليها فرأى في عينيها زرقة البحر الذي عبر، وذكَّره شعرها بصحراء الحجاز، التَفَتَ إلى الحاضرين وقال: إن هذه من القلب والعين بمكان، فإن أنا شغلت عنها بواجبي ظلمتها، وإن أنا اشتغلت بها عما قدمت من أجله ظلمْتُ همتي، فلا حاجة لي بها، ثم ردَّها ولَم يقبلها.
هذا الشباب الذي ربَّاه الله ورسوله على الطاعة، نشأ وتَرَعْرَع على أخلاق الدين - هو قُدوة لشبابنا، فالمبادئ التي رفعتْ شباب النبوة قائمة إلى يومنا هذا، وستظل قائمةً إلى يوم القيامة، والإسلام ليس ببعيدٍ عن شبابنا في هذا الزمان، وأهل الغرب بكل محاولاتهم إنما يُطيلون فترة الغفلة عند الشباب، وهم يعلمون يقينًا أن غدًا ليس لهم، إن الإسلام قادم بِوَعْدٍ من الله، وببشارةٍ من الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول، «لَيَبْلُغَنَّ هذا الأَمْرُ ما بلغ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، ولا يَتْرُكُ اللَّهُ بَيْتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ إِلاَّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ هذا الدِّين، بِعِزِّ عَزِيزٍ أَوْ بِذُلِّ ذَلِيلٍ، عِزًّا يُعِزُّ اللَّهُ بِهِ الإِسْلام، وَذُلاًّ يُذِلُّ اللَّهُ بِهِ الْكُفْرَ»؛ (رواه الإمام أحمد) .
فيا أيها الشباب:
إنْ تَسْعَ إلى سعادتك فسعادتك في استقامتك على دين الله، فأقبل على الله يقبل عليك الله، وهو الذي علمك وهو الذي دلَّك عن قُربه واستجابته، بقوله جل وعلا في الحديث القدسي: «ومَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيَّ يَمْشِي أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ»، فتقدم إلى الله يفتحِ الله لك أبواب رحمته، وأبواب رزقه، وأبواب مغفرته، فتكون في رحابه سيدًا في دنياك، ولن ترى التعَب أبدًا، لا في دنياك ولا في أخراك.
اقرأ قوله تعالى وهو يبشر أهل طاعته: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
اللهم أصلح حال شبابنا، واهْدهم سُبُل النجاح والفلاح، اللهم نوِّر حياتهم بالعلم، وزيِّن أخلاقهم بالحلم، واجعلهم من عبادك الطائعين.
أمَّا بعدُ:
معشر المؤمنين والمؤمنات، عباد الله:
أخرج الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك، ونافخ الكير؛ فحاملُ المسك إما أن يُحْذِيَكَ - أي: يعطيك - وإما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحًا طيِّبة، ونافخُ الكير إما أن يَحرقَ ثيابك، وإِما أن تجد منه ريحًا خبيثة» .
فالصاحب - كما يقولون - ساحبٌ، فإن كان صاحب خير سحبك إلى كلِّ مُفيد ونافع، وإن كان صاحب شر سحبك إلى كلِّ فساد، من أجل ذلك نَصَحَنا حبيبُنا صلى الله عليه وسلم أن نختارَ الصاحب، فقال: «الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم مَنْ يُخالل»، ومرحلة الشباب مرحلة بناء الإنسان، وتشييد مستقبله.
إِذَا مَا صَحِبْتَ القَوْمَ فَاصْحَبْ خِيَارَهُمْ *** وَلا تَصْحَبِ الأَرْدَى فَتَرْدَى مَعَ الرَّدِي
عَنِ المَرْءِ لَا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِـــــــهِ *** فَكُلُّ قَرِينٍ بِالمُقَارنِ يَقْتَــــــــــــــدِي
فمَن هو الأفضل، أيها الشباب؟ إنه الصاحب التقي، الصاحب الذي يذكرك بالله، ويفتح معك باب الرجاء والتوكُّل، ويُعَلِّمك أن الأمر كله بيد الله، وأنك كلما اقتربت من الله فزتَ ونَجَحْت، وتفتحت أمامك جميعُ أبواب الخير، فاختر أصحابك من أهل الطاعة تنلْ سعادة الدنيا والآخرة.
__________________________________________________
الكاتب: الشيخ عبدالله المؤدب البدروشي
- التصنيف: