المنتقى من كتاب " إحياء علوم الدين " للإمام الغزالي - ذم الحقد
الأول: الحسد, وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه, فتغتم بنعمة إن أصابها, وتسر بمصيبة إن نزلت به.
اعلم أن الغضب إذا لزم كظمه لعجزه عن التشفي في الحال, رجع إلى الباطن, واحتقن فيه فصار حقداً. ومعنى الحقد أن يلزم قلبه استثقاله, والبغضة له, والنفار عنه, وأن يدوم ذلك ويبقى. فالحقد ثمرة الغضب.
ثمار الحقد:
الحقد يثمر ثمانية أمور:
الأول: الحسد, وهو أن يحملك الحقد على أن تتمنى زوال النعمة عنه, فتغتم بنعمة إن أصابها, وتسر بمصيبة إن نزلت به.
الثاني: أن تزيد على إضمار الحسد في الباطن, فتشمت بما أصابه من البلاء.
الثالث: أن تهجره وتصارمه وتنقطع عنه, وإن طلبك وأقبل عليك.
الرابع: وهو أن تعرضه عنه استصغاراً له.
الخامس: أن تتكلم فيه بما لا يحل من كذب وغيبة وإفشاء سر, وهتك ستر, وغيره.
السادس: أن تحاكيه استهزاء به, وسخرية منه.
السابع: إيذاؤه بالضرب, وما يؤلم بدنه.
الثامن: أن تمنعه حقه من قضاء دين, أو صلة رحم, أو رد مظلمة, وكل ذلك حرام.
أحوال المحقود عليه عند القدرة:
الأول: أن يستوفي حقه الذي يستحقه, من غير زيادة, أو نقصان, وهو العدل.
الثاني: أن يحسن إليه بالعفو, والصلة, وذلك هو الفضل.
الثالث: أن يظلمه بما لا يستحقه, وذلك هو الجور, وهو اختيار الأراذل, والثاني هو اختيار الصديقين, والأول هو منتهى درجات الصالحين.
فضيلة العفو والإحسان:
اعلم أن معنى العفو أن يستحق حقاً فيسقطه, ويبرى عنه من قصاص أو غرامة, وهو غير الحلم وكظم الغيد, فلذلك أفردناه, قال الله تعالى: ( { خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين } ) [الأعراف:199] وقال الله تعالى: ( {وأن تعفوا أقرب للتقوى} ) [البقرة:237]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسل: «( ثلاث والذي نفسي بيده, لو كنت حلافاً لحلفت عليهن: ما نقص مال من صدقة فتصدقوا, ولا عفا رجل عن مظلمة يبتغي بها وجه الله إلا زاده الله بها عزاً يوم القيامة, ولا فتح رجل على نفسه باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر )»
سئل أبو الدرداء: عن أعزّ الناس, قال: الذي يعفو إذا قدر, فاعفوا يعزكم الله.
قال إبراهيم التيمي: إن الرجل ليظلمني فأرحمه. ودخل رجل على عمر بن عبدالعزيز رحمه الله, فجعل يشكو إليه رجلاً ظلمه, ويقع فيه, فقال له عمر: إنك أن تلقى الله, ومظلمتك كما هي, خير لك من أن تلقاه وقد اقتصصتها.
وقال بعضهم: ليس الحليم من ظُلِمَ فحلم, حتى إذا قدر انتقم, ولكن الحليم من ظُلِمَ فحلم, حتى إذا قدر عفا. وقال زياد: القدرة تذهب الحفيظة, يعني: الحقد والغضب.
وجلس ابن مسعود يبتاع طعاماً, فابتاع, ثم طلب الدراهم, وكانت في عمامته, فوجدها قد حلت, فقال: لقد جلست وإنها لمعي, فجعلوا يدعون على من أخذها, ويقولون: اللهم اقطع يد السارق, الذي أخذها, اللهم افعل به كذا. فقال ابن مسعود: اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة, فبارك له فيها, وإن كان حملته جراءة على الذنب, فاجعله آخر ذنوبه.
فضيلة الرفق:
اعلم أن الرفق محمود, ويضاد العنف والحدة, والعنف نتيجة الغضب والفظاظة, والرفق واللين نتيجة حسن الخلق والسلامة, فالرفق في الأمور ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق.
وقد أثني النبي صلى الله عليه وسلم على الرفق, فقال عليه الصلاة والسلام: «( إن الله رفيق يحب الرفق, ويعطي عليه ما لا يعطى على العنف ) » وقال صلى الله عليه وسلم: «( من يحرم الرفق, يحرم الخير كله )»
وقال عليه الصلاة والسلام: ( أتدرون من يحرم على النار يوم القيامة: كل هين, لين, سهل, قريب.)
وقال بعضهم: ما أحسن الإيمان يزينه العلم, وما أحسن العلم يزينه العمل, وما أحسن العمل يزينه الرفق.
وقال عمر بن العاص لابنه عبدالله: ما الرفق ؟ فقال: تكون ذا أناة فتلاين الولاة. قال: فما الخرق ؟ قال: معاداة إمامك, ومناوأة من يقدر على ضررك.
وعن أبي عون الأنصاري قال: ما تكلم الناس بكلمة صعبة, إلا وإلى جانبها كلمة ألين منها, تجرى مجراها.
وقال الحسن: المؤمن وقاف متأن, وليس حاطب ليل.
فهذا ثناء أهل العلم على الرفق, وذلك لأنه محمود ومفيد في أكثر الأحوال, وأغلب الأمور, والحاجة إلى العنف قد تقع ولكن على الندور, وإنما الكامل من يميز مواقع الرفق عن مواقع العنف, فيعطى كل أمر حقه, فإن كان قاصر البصيرة, أو أشكل عليه حكم واقعة من الوقائع, فليكن ميله إلى الرفق, فإن النجح معه في الأكثر.
كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: