أسباب الفشل في بناء الأسر
الأسرة هي المحضن الأول للتربية والرعاية، بل هي نواة المجتمع بأسره، فان كانت الأسس التي تقوم عليها الأسرة متينة وقوية، أثر ذلك ولابد في نجاحها وقوامها، وسعادة أفرادها، ولا تعد الأسرة مؤسسة تربوية إلا إذا رُوعي في أبنائها التوجيهات التي حددها الإسلام..
الأسرة هي المحضن الأول للتربية والرعاية، بل هي نواة المجتمع بأسره، فان كانت الأسس التي تقوم عليها الأسرة متينة وقوية، أثر ذلك ولابد في نجاحها وقوامها، وسعادة أفرادها، ولا تعد الأسرة مؤسسة تربوية إلا إذا رُوعي في أبنائها التوجيهات التي حددها الإسلام، ومن ضمنها أن يكون نواة الأسرة وما يتفرع منها – وهما الأب والأم - على النهج القويم.
والثاني: أن تكون الأسرة على معرفة ودراية بالتربية الإيمانية الحقة، والتي من خلالها يمكن صياغة المسلم الصالح.
وقد بيَّن سبحانه في كتابه أن الأسرة آية من آياته الدالة على وحدانيته، وسر عظيم من أسرار ربوبيته وألوهيته، فقال سبحانه في محكم التنزيل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
وقد تعرض بعض من الأسر في مجتمعاتنا إلى مشاكل ومنغصات أدَّت إلى تفكُّك أواصرها، وتشتُّت أفرادها، وتصدُّع بنيانها، مما شكل سلبًا على أفرادها، وأصبحت عاجزة أو ضعيفة على حماية نفسها مما يعصف بها من أزمات وغوائل، ولذا سأذكر أهم المشاكل التي أدت إلى تصدع الأسر وضياعها من باب قول الشاعر[1]:
عَرَفتُ الشَرَّ لا لِلشَـر *** رِ لَكِن لِتَوَقِّيــــــــهِ
وَمَن لَم يَعرِفِ الشَرَّ *** مِنَ الخَيرِ يَقَع فيهِ
فمن أسباب الفشل في بناء الأسرة:
ضعف العقيدة الإسلامية، وغياب معاني الإيمان بالله واليوم الأخر ومراقبة الله في النفوس، مما يؤثر سلبًا على العلاقات الأسرية بعضها ببعض، ومما يؤدي بلا شك كثرة المخالفات الشرعية، والعادات السيئة، حتى إن رب الأسرة ربما يرى أبنائه وبناته يتخلفون عن أداء الفرائض في أوقاتها، وربما يسمع عنهم ممارسة أنواع من المعاصي والآثام دون أن يحذرهم أو يذكرهم، وفي الجانب الأخر يهتم بكسوتهم وإطعامهم، ويجلب لهم ما يسعدهم في الجانب المادي، ويحميهم من شدة البرد إلى غير ذلك، وهذا وان كان من واجباته، ولكن ما هو اوجب منه معرفة العقيدة الإسلامية والارتباط بها علمًا ومعرفة وسلوكًا وأدبًا، ومنهجًا، وحياة، ومن أجل ذلك ربط الإسلام بين العقيدة وبناء الأسرة؛ لأن هذا البناء إن استقام سهل على أفراد الأسرة الاستجابة لبقية فروع الإسلام وتعاليمه...
وفي الحديث: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْؤولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِه»، (متفق عليه) .
ولاشك أن قوام السعادة للإفراد والأسر والمجتمعات هي طاعة الله ورسوله، والقيام بحق الله من العبودية بجميع أنواعها؛ مثل: أفراد الله بالعبادة، والالتجاء إليه في السراء والضراء، ونبذ الشرك بأنواعه وأشكاله، وأداء ما افترض الله عليهم من صلوات وزكاة، وصيام رمضان الكريم، والبعد من مساخيط الله وغضبه؛ كالنظر إلى المحرمات، وتقليد الكفار في لباسهم وعاداتهم، فحال هذه الأسرة أن يمنحها الله السعادة والاستقراء، وديمومة النجاح والموقفية في مجالات الحياة أجمع؛ قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97]، فلابد من رب الأسرة غرس العقيدة السليمة في نفوس أبنائه، وتعليمهم مبادئ الدين الحنيف كالإيمان بالله واليوم الآخرة، وإن الإنسان عما قليل سيرحل تاركًا ما ورائه من مال وجاه وسلطان، وأنه لا ينفع الإنسان هناك إلا ما قدم من عمل صالح مبرور ينقذه من عذاب الله، وليكن ذلك بأسلوب الحكمة، وضرب الأمثلة، والتعليم بالتي هي أحسن..
ومن أسباب الفشل الأسري الذي يؤدي بالتالي إلى عدم الاستقرار والسكينة:
ضياع الحقوق، وانتشار الظلم بين أفراد الأسرة، ومن أسبابه الجهل بتعاليم الشريعة الإسلامية، فهناك بعض الحقوق أوجبها الله على الرجل تجاه زوجته وشريكة حياته لبناء عش الزوجية، وكذلك هناك بعض الحقوق على المرأة تجاه زوجها لا تعرف شيئًا عنها أو تتغافل عنها، وهذه بدوره يؤدي إلى النزعات والشقاق لأتفه الأسباب، وقد أوضح نبينا تلك الحقوق الملاقاة على الأسرة؛ جاء في الحديث: «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا، فإنما هنَّ عوان عندكم ليس تملِكون منهنَّ شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلنَ فاهجروهنَّ في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا ألا وإن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وإن حقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن»[2]، فإذا عرف الزوج ما له من الحق عليها، وعرفت الزوجة ما لها من الحق عليه، استقامت الحياة، وتفرغت الأسرة لتربية الأبناء على الشرع الحنيف، والمنهج التربوي القويم..
ومن أسباب فشل الأسر في أداء مهامها على الوجه الأكمل غياب الحكمة في التعامل، وفهم لطبيعة كل منهما، فترى الزوج مثلا يعاقب زوجته على أنها لم تُهيِّئ على مائدة الطعام نوعًا من أنواعه نسيانًا أو غفلة، أو لم تَضَعْ له نوعًا من الأطعمة التي يحبها ويرغب في تناولها، أو تعرض هي عن زوجها؛ لأنه لم يأخذها للسوق أو (المول الفلاني)، ولها في البيت ما يُغنيها ويَسَعُها من الأغراض والملابس والأزياء، وقد بيَّنت الأحاديثُ ما هي الحقوق الزوجية لكل واحد منهما، ولذلك لابد من الرجل أن يدرك أن المرأة خُلقت رقيقة المشاعر، سريعة التأثُّر، يغلب عليها جانب العاطفة، وأنه مهما بلغت من رجحان العقل، فلا بدَّ من الوقوع في الخطأ والزلل.
ومن أسباب فشل الأسرة في تحقيق أهدافها وأمنياتها:
عدم القناعة بما رزق الله والرضا بما قسمه المولى، والتطلع إلى ما عند الآخرين من مال وثروة وجمال ونعم، مما يؤدي إلى الحسد والأنانية والتكبر على نعم الله وآلائه، فالمرأة تنظر إلى من عند نظيراتها من لباس وزينة، فتتمرد على زوجها، وتطلب منه ما لا يقدر عليه، والزوج ينظر إلى النساء الجميلات فتصغر النعمة في عينه، وقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم الى حل لهذه الحالة وذلك في الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر - أي: أحرى - ألا تزدروا نعمة الله عليكم»، والعلاج أن ينظر الرجل ويتأمل في حال من لم يرزق بزوجة أو مال أو بيت أو ثروة، وليحمد الله على منا من الله عليه من نعمة من بيت بسيط، ومال يسير، وزوجة صالحة، فيقول الحمد لله الذي فضلنا على كثير ممن خلق تفضيلًا..
ومن أسباب الفشل:
هجر الآباء لبيوتهم، وغيابهم عن رعاية أبنائهم، ولا شك أن التنشئة الاجتماعية تؤثر على حياة الأولاد؛ حيث يكتسب الأبناء من آبائهم القيم والأخلاق والقدوة، وهذا ينعدم بغياب رب الأسرة عن إدارة بيته، فترى الأب يخرج من الصباح، ويعود لساعات متأخرة من المساء، ثم يخرج بعدها إلى المقهى مع الأصدقاء والندماء والسهر معهم ربما لمتصف الليل، يوزع الابتسامة والضحكات بينهم، حتى إذا دخل البيت تغير شكله، وتبدلت أخلاقه، واختلف طبعه، فتقع الوحشة بينه وبين أولاده، ويبخل ولا يجود بوقته على فلذات كبده، فتحصل حينها المشاكل والنزعات؛ لأن المرأة والأولاد يحتاجون إلى من يؤنسهم وينبسط معهم، ويحدثهم، فلينتبه الأب إلى خطورة الموضوع، وليجلس معهم خاصة عند مائدة الطعام، ليشعر أهله بالحنية والحنان والسكينة.....
ومن أسباب فشل الأسر في الإصلاح والتقويم:
أن الرجل ينسى ما تقدمه له شريكة حياته من خدمات، ويتغافل عن فضائلها، ويتذكر الهفوات والزلات فقط، ويضعها نصب عينيه؛ مما يعكر الحياة الزوجية، وتنقلب إلى جحيم لا يطاق، وربما تفعل ذلك ربة الأسرة مع زوجها المتفاني في راحتها وراحة عيالها، فلا يتحمل ذلك الخطاء منها، والحل ما أوصانا به سيد الرسل وخير الأنبياء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يَفْرَك مؤمنٌ مؤمنة؛ إن كرِه منها خُلقًا، رضِي منها آخر» [3]؛ (رواه مسلم)، وهذا الحل كفيل أن يحل الكثير من العقد والمشاكل التي تحدث في الأسرة، فليكن الرجل فطنا، وليشكر أهله ويمدحها بما تقدمه له من جليل الخدمات، وعظيم التحمل والعطاءات.
اللهم هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين إمامًا....
[1] البيت لأبي فراس الحمداني، وهو من بحر الهزج...
[2] صحيح الترمذي للمحدث الشيخ الالباني رقم 3087.
[3] رواه مسلم في صحيحه: أي: يَنبَغي للزَّوجِ ألَّا يُبغِضَ زَوجتَه بُغضًا شَديدًا يؤدِّي إلى ظُلمِها وتَركِها وإعْراضِه عنها، ثُمَّ علَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلكَ بأنَّه إنْ كَرِهَ الزَّوجُ منها خلُقًا سيِّئًا، وجَدَ فيها خلُقًا مُرْضيًا، كأنْ تكونَ شَرِسةَ الخُلقِ؛ لكنَّها دَيِّنةٌ، أو جميلةٌ، أو عَفيفةٌ، أو رَفيقةٌ به، أو نحوُ ذلك، فيَرضَى بهذا الخلُقِ الحَسنِ الَّذي يوافِقُه، فيُقابِلُ هذا بذاك، فيَحمِلُه ما رَضيَ منَ الحَسنِ، على الصَّبرِ على ما لا يَرضَى مِنَ السيِّئِ، فيَغفِرُ سيِّئُها لحَسنِها ويَتغاضَى عمَّا يَكرَهُ لمَا يحِبُّ، فلا يُبغضُها بُغضًا كليًّا يَحمِلُه على فِراقِها، وفي الحَديثِ: الحَثُّ على حُسنِ العِشْرةِ والصُّحبةِ. منقول من الموسوعة الحديثية.
____________________________________________________________________
الكاتب: مرشد الحيالي
- التصنيف: