هل الإنسانية قبل التدين ؟؟

منذ 2022-05-16

لا إنسانية حقيقية من غير دين صحيح ، ولا تدين تام من غير خلق فاضل وتحقق بالمعنى الصحيح للإنسانية ، والفصل بين الأمرين مغالطة وتضليل .

من أوسع أبواب الباطل : صك المصطلحات المضللة والشعارات المجملة وإشاعتها بين الناس حتى تتحول إلى حقيقة لا تقبل النقاش .

ومن تلك الشعارات التي تتكرر كثيرا حتى عبر صفحات المؤسسات الدينية الرسمية : شعار الإنسانية قبل التدين رغم ما فيه من إشكال وإجمال بل تضليل .

فهل فعلا الإنسانية قبل التدين ، أو الذوق قبل الدين ، أو الأخلاق قبل الدين ، أو الإنسان قبل الأديان ، أو أن تكون إنسانا قبل أن تكون متدينا !!

الحقيقة أن هذه العبارات كلها ، قائمة على مغالطة واضحة ، ونوع من الافتراضات غير الصحيحة أصلا ، أو الصراع المفتعل الذي لا وجود له ، عبر تقديم ثنائية معينة وعليك اختيار أحد أفرادها ،وتقديمه على الآخر ، وكأنه لا يمكن الجمع ابتداء حتى صرنا بحاجة للمفاضلة أو التقديم .

وقد ظهر من هذه الثنائيات قديما : ثنائية الدين والعقل أو النقل والعقل ، وأيهما الذي يقدم على الآخر ، وكأن الدين شيء في مقابل العقل ، أو أنه مجموعة نصوص خالية تمام من أية مضامين عقلية وربما كانت مناقضة له ، أو أن العقل جوهر مستقل ، يمكن أن يهتدي ويصل للحقائق كلها بلا دين .

ووجه الخطأ في تلك العبارات السابقة ، هو افتراض وجود دين بلا إنسانية ، أو تحقق معنى الإنسانية بلا دين ، أو أن الإنسان يمكن أن يكون إنسانا جميلا مهذبا ، وفقط ينقصه ( شوية دين ) لتكتمل الصورة اللطيفة ،وكل ذلك باطل.

وأشد منه بطلانا : التصور الخاطئ للدين أو للمتدين ، وتصدير نموذج منفر لا يعبر بحال عن حقيقة الدين أو التدين ، وتصويره على أنه مناط المقارنة ، وكأن المتدين مثلا : رجل يصلي ، ويصوم ، ويحج ، ولحيته تملأ صدره ، لكنه مرتش ، آكل للحرام ، سفاك للدماء ، فظ غليظ ، خال من كل أدب أو خلق ، وهمه فقط إشباع شهواته.

وبالله عليك : هل هذا متدين حقا ، أو هل هو نموذج حقيقي للمتدين ، أو هل هذا ما جاءت الأديان لتدعو إليه ، أو هل هذا الذي يوضع في مقابل الإنسانية على سبيل المقارنة ، ويخير الناس بين النموذجين ؟

وفي المقابل يتم تصوير نموذج الإنسان في أجمل صورة وأرقها ، فهو الرجل المهذب ، دمث الأخلاق ، الذي يخدم البشرية ، ويقوم بأعمال خيرية ، ويقرأ كتب الأدب ، ويهوي الموسيقي الكلاسيكية ، والفنون التشكيلية ، ويتردد باستمرار على الأوبرا ، ويحتسى القهوة في الصباح ، وطبعا لابد أن يكون ( جنتلمان ) في التعامل مع المرأة ويناديها بسيدتي الجميلة ، لكن ينقصه فقط أنه لا يصلي ولا يصوم ولا يلتزم بالأحكام الشرعية تحليلا وتحريما ، وربما كان ملحدا ، أو لا يؤمن بدين أصلا لكنه إنسان رائع حقا !!

وقناعتي أن الإنسان إذا أعرض عن الله ، ولم يؤمن بالوحي ، ولم يقم بالغاية التي وجد على الأرض من أجلها ، وهي العبادة بمفهومها الواسع والصحيح لا المزيف أو الشكلي ، فقد تخلى عن أهم مقوم لإنسانيته ، ومناط تفضيله وتكريمه ، وحينها فهو شر من الأنعام منزلة .

ويدل على ذلك قول الله سبحانه  { أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا}  وقال سبحانه { لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }  وقال سبحانه {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ . ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ . إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ}  وقال سبحانه {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}  وقال تعالى {وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ

وخلاصة الأمر :

أنه لا إنسانية حقيقية من غير دين صحيح ، ولا تدين تام من غير خلق فاضل وتحقق بالمعنى الصحيح للإنسانية ، والفصل بين الأمرين مغالطة وتضليل .

أحمد قوشتي عبد الرحيم

دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

  • 1
  • 0
  • 1,362

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً