علمتنى السيدة "أم سلمة "رضى الله عنها
وها هى تعلمنا درساً جديدة فى رجاحة العقل وصواب الرأى وكيف أن المرأة تبدى رأيها فى أمور جوهرية مثل ما فعلت يوم الحديبية
هي هند بنت أمية بن المغيرة ، كان أبوها -رضي الله عنها- من أجواد قريش، يُعرف بـ"زاد الركب" لكرمه وأمها هي "عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن عبد المطلب"، ولنتوقف مع هذة الأسرة لنعرف كيف تنشأ الذرية الصالحة ؟ فإذا أردت أن تعرف السر فى صلاح الأبناء ابحث عن الآباء هل لهم علاقة بالله من صلاة فى جوف الليل أوكثرة صدقات أو خلق طيب من قضاء حوائج الناس أو كرم ضيافة ؟؟ تلك هى الأخلاق التى ميزتهم عن غيرهم وكانت السبب فى صلاح حال أبنائهم , فقد ربط النبى صلى الله عليه وسلم بين الإيمان وإكرام الضيف وعندما ذكر ابراهيم عليه السلام فى القرآن قرنه بإكرام الضيف فى أكثر من سورة لمكانة هذا الخلق عند الله ولأنه دليل إيمان ليتخلق كل أب وأم بأخلاق القرآن عسى أن يكون هذا هو الطريق الموصل لهداية أبنائهم .
لنعود إلى قصة السيدة " أم سلمة " رضى الله عنها
ها هى الابنة الصالحة تتزوج فمن تتزوج إذن ؟
تزوَّجت أم سلمة من ابن عمِها أبو سلمة ، وهو عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن مخزوم القرشي، أحد العشرة السابقين إلى الإسلام؛ إذ لم يسلم قبله إلاَّ أبو بكرٍ الصديق ونفرٌ قليلٌ وهو ممن شهدوا بدر وأحد وأبلى بلاءً حسناً ومات شهيدا فى أُحد وهو ابن عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وما أن علمت قريش بإسلامهم حتى لاقوا العذاب منهم فهاجرت السيدة أمُّ سلمة مع زوجها رضي الله عنهما إلى الحبشة، ثم عادوا إلى مكةبعد أن بلغ المسلمون في الحبشة إسلام أهل مكة، فوجدوا أمر قريشٍ على حاله، وأنّ ما بلغهم من إسلام أهل مكة كان باطلًا، فلم يجرؤ منهم أحدُ أن يدخلَ مكة إلا مستجيرًا أو مستخفيًا،... وعادت إلى مكة ولكن الإيذاء اشتد وأُمروا بالهجرة إلى المدنية
ونترك أم سلمة تروى لنا قصة هجرتها إلى المدينة فتقول رضي الله عنها: لمَّا أجمع أبو سلمة الخروج إلى المدينة رحل لي بعيره ثم حملني عليه، وحمل معي ابني سلمة بن أبي سلمة في حجري، ثم خرج بي يقود بي بعيره، فلمَّا رأته رجال بني المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم قاموا إليه، فقالوا: هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتك هذه؟ علامَ نتركك تسير بها في البلاد؟ قالت: فنزعوا خطام البعير من يده، فأخذوني منه. قالت: وغضب عند ذلك بنو عبد الأسد، رهط أبي سلمة، فقالوا: لا والله لا نترك ابننا عندها إذ نزعتموها من صاحبنا. قالت: فتجاذبوا ابني سلمة بينهم حتى خلعوا يده، وانطلق به بنو عبد الأسد، وحبسني بنو المغيرة عندهم، وانطلق زوجي أبو سلمة إلى المدينة. قالت: ففُرِّق بيني وبين زوجي وبين ابني. قالت: فكنت أخرج كل غداة فأجلس بالأبطح ، فما أزال أبكي، حتى أمسى سنة أو قريبًا منها، حتى مرَّ بي رجل من بني عمي -أحد بني المغيرة- فرأى ما بي فرحمني، فقال لبني المغيرة: ألا تُخْرِجون هذه المسكينة، فرَّقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها. قالت: فقالوا لي: الحقي بزوجك إن شئت. قالت: ورد بنو عبد الأسد إلي عند ذلك ابني".
لنتوقف عند هذا المشهد لنتعلم درس فى التضحية والبذل فى سبيل الله وأن لكل شئ ثمناً يجب أن يدفع فقد شهدت الشهادتين أنها مسلمة وقدمت الدليل على صدق إيمانها فقد فرقوا بينها وبين زوجها وابنها ولم يردها ذلك عن دينها ولم تزعزع عن فكرتها وإصرارها على اللحوق بهم والهجرة فعلم الله ما فى قلبها وجند لها الجنود حتى تجتمع مع زوجها
أرءيت حين يرى الله منك خيرا يأخذ بيدك إليه يمتحنك فيرى صلابة الإيمان فى قلبك فلا يتركك طرفة عين بل يرفعك درجات وهل يستوى عند الله الذين آمنوا وهاجروا مع الذين آمنوا ولم يهاجروا فقد برهنوا بهجرتهم على إيمانهم بل الدرجات العليا من الإيمان فعندما يتفرق شمل الأسرة ومع ذلك لم يردهم عن دينهم فهناك الكثير ممن يؤمنوا ويلتزموا بشرع الله فإذا أوذى فى الله لم يصبر ولم يحتمل وتهتز عقيدته ويترك الطريق خوفاً على ابن أو زوجة أو وظيفة صدق فيه قول الحق إذ يقول :" {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ ۚ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ} [10 سورة العنكبوت ] استقبل الإيذاء بجزع وتصور أنه العذاب والحقيقة أن كل الناس سواء فى إيمانهم حتى يأتى البلاء فيُظهر المنافق من المؤمن
ثم تكمل الحديث أم سلمة عن قصة هجرتها فتقول "فارتحلتُ بعيري، ثم أخذتُ ابني فوضعته في حجري، ثم خرجتُ أريد زوجي بالمدينة. قالت: وما معي أحد من خلق الله. قالت: فقلتُ: أتبلَّغ بمن لقيتُ حتى أقدَم على زوجي. حتى إذا كنتُ بالتنعيم لقيتُ عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبد الدار، فقال لي: إلى أين يا بنت أبي أمية؟ قالت: فقلتُ: أريد زوجي بالمدينة. قال: أَوَمَا معكِ أحد؟ قالت: فقلتُ: لا والله إلاَّ الله وبُنَيَّ هذا.
قال: والله ما لك مِن مترك. فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي بي، فوالله ما صحبت رجلاً من العرب قطُّ، أرى أنه كان أكرم منه كان إذا بلغ المنزل أناخ بي، ثم استأْخَر عنِّي، حتى إذا نزلتُ استأخر ببعيري، فحطَّ عنه، ثم قيَّده في الشجرة، ثم تنحَّى وقال: اركبي. فإذا ركبتُ واستويتُ على بعيري؛ أتى فأخذ بخطامه فقاده حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلمَّا نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقُبَاء، قال: زوجك في هذه القرية -وكان أبو سلمة بها نازلاً- فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعًا إلى مكة"
إنه لدرس كبير نتعلمه منك أمنا الحبيبة أنه كلما صدق المسلم مع ربه وأصر على التمسك بدينه جند الله له جنود تساعده على مواصلة السير إلى الله وإن كان على غير دينه فإن الله هو الذى يحركهم ليدافعوا عن عبده فكيف يخاف من أطاع الله وسلم أمره له ,المؤمن الحق لا يخاف إلا ذنوبه أن تكون سبباً فى هلاكه وإبعاده عن حفظ الله له ورعايته
وتمضى الحياة بهم فى المدينة على خير مقام ثم تأتى أول معركة يدخلها المسلمون معركة بدر فكما كان أبو سلمة من السابقين للإسلام كان من السابقين إلى الخروج مع النبى لملاقاة العدو فى بدر ثم تأتى معركة أحد فيشارك فيها ويبلى بلاءاً حسناً ويموت شهيداً فقد عاش بإخلاص ومات بإخلاص فلم تستسلم للحزن وتعيش فى كآبه لأن زوجها مات وكيف ستعيش من بعده ولكنها حمدت الله واسترجعت فعن أمِّ سلمة قالت: أتاني أبو سلمة يومًا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لقد سمعتُ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً سُرِرْتُ به. قال: «"لا يُصِيبُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مُصِيبَةٌ فَيَسْتَرْجِعَ عِنْدَ مُصِيبَتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي، وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا. إِلاَّ فُعِلَ ذَلِكَ بِهِ قالت أمُّ سلمة: فحفظت ذلك منه فلمَّا تُوُفِّي أبو سلمة استرجعتُ، وقلتُ: اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرًا منها."» ولكن من خير من أبى سلمة ؟ هكذا قالت أم سلمة فى نفسها فما أن انقضت عدتها حتى طلبها رسول الله للزواج
ما أجمل أن يتيقن المسلم فى الله وأن يدعو وهو على يقين بالعوض لثقته فى الله أنه لن يضيعه فأتاها من هو أفضل من زوجها بحق بل سيد العالمين أجمعين رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فكان ردها عليه «" يا رسول الله، ما بي أن لا تكون بك الرغبة فيَّ، ولكني امرأة بي غَيرة شديدة، فأخاف أن ترى منِّي شيئًا يعذبني الله به، وأنا امرأة قد دخلتُ في السن وأنا ذات عيال. فقال: "أَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْغَيْرَةِ فَسَوْفَ يُذْهِبُهَا اللَّهُ تعالى مِنْكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ السِّنِّ فَقَدْ أَصَابَنِي مِثْلُ الَّذِي أَصَابَكِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتِ مِنَ الْعِيَالِ فَإِنَّمَا عِيَالُكِ عِيَالِي". فقالت: فقد سَلَّمْتُ لرسول الله» . وكان من أسباب زواجه بأم سلمة بالإضافة إلى تأليف قلبها وحق زوجها الذى قدم روحه لله هو عقد صلة بينه وبين قومها من بنى مخزوم
كم كان مجتمعاً طاهراً نظيفاً لم يترك الأيم بدون زوج تخرج إلى المجتمع لتعمل لتعول أسرتها فتتعرض للفتن فيطمع بها القريب والبعيد ويستغل احتياجها وضعفها لينال منها بأى شكل فتضطر إلى أن تعيش فى عزلة عن المجتمع لتفادى كلام الناس فهى فى كلتا الحالتين مُلاحقة منهم و إذا فكرت بالزواج وهو حقها الشرعى تنهال عليها سيل من الإتهامات والنظرات المشينة من قبل البعض ،يا ليتنا نعود إلى شرع الله فإذا ألتزم الناس بالشرع وقدموه على عاداتهم وتقاليدهم ليتحصن المجتمع بأكمله من شرور الفتن
هذه كانت أم سلمة الزوجة أما عن حكمتها وفقهها
كانت أم سلمة رضى الله عنها سبب بركة وخير على كثير من النساء وسبب فى نزول بعض آيات من القرآن الكريم ؛ فعن مجاهد قال: قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، تغزو الرجال ولا نغزو، وإنما لنا نصف الميراث. فنزلت: {{وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ}} [النساء: 32]، ونزلت: {{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ...}} [الأحزاب:. و «عن عمرو بن دينار، عن سلمة -رجل من آل أمِّ سلمة- قال: قالت أمُّ سلمة: يا رسول الله، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء؟ فأنزل الله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى...} [آل عمران: 195] إلى آخر الآية»
اذا تأملت هذه الآيات وجدت أن بينها عامل مشترك وهو الهمة العالية للسيدة أم سلمة أنها تريد أن تجمع بين العديد من أبواب الخير من عبادة وجهاد وهجرة بهمتها العالية وأنها تريد أن يعم الخير نساء المسلمين كان من الممكن أن تقول فى نفسها يكفى أنى زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنى على طاعة ولكنها تريد الدرجات العلا فى علاقتها بربها وأن تكون من السابقين الأولين إلى مرضاة الله عزوجل
من تملك مثل هذه الهمة من فتايتنا ونساءناا ؟!......
كما علمتنا الحرص على تفقهها فى الدين وما يقرب إلى الله فمرة تسأل النبى عن كيفية الإغتسال وهى تشد ضفائرها فيجيبها أن يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين ومرة تسأل عن الطواف فى مناسك الحج وكأنها حريصة على أن تؤديه كما يحب الله ويرضى و ونحن نجد الكثير الآن يؤدى الصلاة والصيام والحج دون السؤال عن الواجب والمكره والمستحب فيقع فى محاذير وهو يظن أنه يُحسن صنعا والأكثر من ذلك أنه عندما يسأل يجد من يفتيه على غير علم فيضله الطريق فعلى المسلم إن كان حريصا على أداء الطاعات كما يجب عليه أن يسأل أهل الذكر والفقه من العلماء الثقات وقد روت عن النبى صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث بلغت ثلاث مائه وثمانية وسبعين حديثا ومنها - الأحاديث الخاصة بالنساء بغرض التعليم والتوجيه فكم من امرأة مسلمة حرصت على التفقه فى دينها والبحث عن الحلال والحرام كما فعلت أمنا الحبيبة السيدة ام سلمة رضى الله عنها
وها هى تعلمنا درساً جديدة فى رجاحة العقل وصواب الرأى وكيف أن المرأة تبدى رأيها فى أمور جوهرية مثل ما فعلت يوم الحديبية فعن أم سلمة قالت "لما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من شروط صلح الحديبية قال لأصحابه: "قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا"، فوالله ما قام منهم رجل، حتى قال ذلك ثلاث مرَّات، فلمَّا لم يَقُمْ منهم أحد دخل على أمِّ سلمة، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أمُّ سلمة: يا نبي الله أتحبُّ ذلك؟ اخرج ثم لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدْنه ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا " ولم يقل لها هذا ليس من شأنك هذا شأن الرجال ولكن أخذ بمشورتها عكس ما ينتشر من أحاديث موضوعه ليس لا اصل منها "شاورهن وخالفهن " وكان الله يريد أن يجرى على أيديها الخير وتكون لها نصيب منه ونحن نرى فى عصرنا من يحبط من همة زوجته إذا أرادت أن تتعلم العلم أو تمارس أى هواية لها بل يسفه من رأيها إذا تحدثت وما كل ذلك إلا لعقده نقص عنده أو تربى فى بيت لا يحترم المرأة ولا يقدر قيمتها إنه درس للرجال قبل النساء
كما علمتنا الإيجابية من خلال دورها فى المجتمع بالنصح والإرشاد والسعى لإخماد نار الفتنة فبعد وفاه الرسول صلى الله عليه وسلم شاركت فى أحداث عصرها فدخلتْ ذاتَ يوم على أمير المؤمنين عثمان بن عفان قائلة له: "ما لي أرى رعيَّتك عنك نافرين، ومن جناحك ناقرين، لا تُعَفِّ طريقًا كان رسول الله يحَبَهَا، ولا تقتدح بزند كان أكباه، وتوخَّ حيث توخَّى صاحباك -أبو بكر وعمر- فإنهما ثَكَمَا الأمر ثَكْمًاولم يظلمَا، هذا حقُّ أمومتي أَقْضِيه إليك، وإن عليك حقَّ الطاعة. فقال عثمان رضى الله عنه : أمَّا بعد، فقد قلتِ فوعيتُ، وأوصيتِ فقبلتُ.
وفي حديث أمِّ سلمة أنها أتت عائشة لما أرادت الخروج إلى البصرة فقالت لها: إنك سُدَّة بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُمَّته، وحجابك مضروب على حرمته، وقد جمع القرآن ذيلك فلا تَنْدَحِيه، وسكن عُقَيْرَاكِ فلا تُصْحِرِيهَا، الله من وراء هذه الأُمَّة، لو أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليك عهدًا عُلْتِ، بل قد نهاك رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفُرْطة في البلاد؛ إن عمود الإسلام لا يثاب بالنساء إن مال، ولا يُرْأَبُ بهن إنْ صَدَعَ، حُماديات النساء غضُّ الأطراف وخفر الأعراض، وقِصَرُ الوَهَازَة.ما كنتِ قائلة لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عارضكِ ببعض الفلوات ناصَّة قلوصًا من منهل إلى آخر؟ أن بعين الله مهواك، وعلى رسوله تردِّين قد وجهت سدافته -ويُروى سجافته- وتركتِ عهيداه. لو سرتُ مسيرَكِ هذا ثم قيل: ادخلي الفردوس. لاستحييتُ أن ألقى محمدًا هاتكة حجابًا قد ضربه عليَّ. اجعلي حصنكِ بيتكِ، ووقاعةالستر قبرك، حتى تلقيه وأنت على تلك أطوع ما تكونين لله ما لزمتِه، وأَنْصَر ما تكونين للدِّين ما جلستِ عنه، لو ذكَّرْتُك قولاً تعرفينه نهشته نهش الرقشاء[لمطرِقة, فقالت عائشة: ما أقبلني لوعظك! وليس الأمر كما تظنِّين، ولنعم المسير مسير فزعتْ فيه إليَّ فئتان متناجزتان -أو متناحرتان- إن أقعد ففي غير حرج، وإن أخرج فإلى ما لا بُدَّ من الازدياد منه
قد يكون حديث طويل ولكنه يدل على حرص أم سلمة رضى الله عنها على عائشة رضى الله عنها وخوفها أن تقع فى الفتنة من حيث لا تدرى
فمن استطاعت أن تصلح فى مجتمعها بما أوتيت من حكمة وعلم وحصافة رأى فلتفعل ترى أم سلمة لم تقل إنى امرأة مسنة ومالى والحكم والخلافة ولكنها أمتثلت لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن انس بن مالك :" «إنْ قامَتِ السَّاعةُ وفي يدِ أحدِكُم فَسيلةٌ فإنِ استَطاعَ أن لا تَقومَ حتَّى يغرِسَها فلْيغرِسْها"» فأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر ونصحت لله ولرسوله وعندما رأت ام سلمة القتنة تطل براسها وتمسك كل فريق برأية واختلاط الحق بالباطل فضلت اعتزال الفتنة وأن تتفرغ للعبادة فى أخر حياتها
وفاة أم سلمة رضي الله عنها:
ثم رحلت أمنا أم المؤمنين أم سلمة رضى الله عنها في ولاية يزيد بن معاوية سنة إحدى وستين للهجرة وقد تجاوزت الرابعة والثمانين من عمرها، وقيل: عُمِّرت تسعين سنة رضي الله عنه فسلام عليكم امنا الحبيبة رحلت عن الدنيا ومكانتك فى قلوبنا تزداد يوما بعد يوما فنعم القدوة الصالحة لنساءنا وفتياتنا نسال الله أن يجمعنا بك فى مستقر رحمته
- التصنيف: