كيف نرغب أطفالنا في الصلاة

منذ 2022-06-21

إن أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض، وإن كانوا يولدون على الفطرة، إلا أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «فأبَواه يُهوِّدانه وُينَصِّرانه ويُمَجِّسانه»...

إن أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض، وإن كانوا يولدون على الفطرة، إلا أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قال: «فأبَواه يُهوِّدانه وُينَصِّرانه ويُمَجِّسانه» ... وإذا كان أبواه مؤمنَين، فإن البيئة المحيطة، والمجتمع قادرين على أن يسلبوا الأبوين أو المربين السلطة والسيطرة على تربيته، لذا فإننا نستطيع أن نقول أن المجتمع يمكن أن يهوِّده أو ينصِّره أو يمجِّسه إن لم يتخذ الوالدان الإجراءات والاحتياطيات اللازمة قبل فوات الأوان!!!


وإذا أردنا أن نبدأ من البداية، فإن رأس الأمر وذروة سنام الدين، وعماده هو الصلاة؛ فبها يقام الدين، وبدونها يُهدم والعياذ بالله.


لماذا يجب علينا أن نسعى ؟
أولاً: لأنه أمرٌ من الله تعالى، ألم يقُل عز وجل {يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم ناراً وقودُها الناس والحجارة} } ؟ ثم ألَم يقل جل شأنه: {وَأْمُر أهلَك بالصلاة واصْطَبر عليها، لا نسألك رزقاً نحن نرزقُك}.
ثانياً: لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أمرنا بهذا أيضاً في حديث واضح وصريح؛ يقول فيه «مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر».


ثالثاً: لأن أولادنا أمانة وهبنا الله تعالى إياها وكم نتمنى جميعا أن يكونوا صالحين، وأن يوفقهم الله تعالى في حياتهم دينياً، ودنيوياً، و لأن أولادنا هم الرعية التي استرعانا الله تعالى، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «كُلُّكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته» ولأننا سوف نُسأل عنهم حين نقف بين يدي الله عز وجل.


كيف نرغِّب أ طفالنا في الصلاة؟
منذ البداية يجب أن يكون هناك اتفاق بين الوالدين- أو مَن يقوم برعاية الطفل- على سياسة واضحة ومحددة وثابتة، حتى لا يحدث تشتت للطفل، وبالتالي ضياع كل الجهود المبذولة هباء، فلا تكافئه الأم مثلاً على صلاته فيعود الأب بهدية أكبر مما أعطته أمه، ويعطيها له دون أن يفعل شيئاً يستحق عليه المكافأة، فذلك يجعل المكافأة التي أخذها على الصلاة صغيرة في عينيه أو بلا قيمة؛ أو أن تقوم الأم بمعاقبته على تقصيره، فيأتي الأب ويسترضيه بشتى الوسائل خشية عليه.
وفي حالة مكافأته يجب أن تكون المكافأة سريعة حتى يشعر الطفل بأن هناك نتيجة لأفعاله، لأن الطفل ينسى بسرعة، فإذا أدى الصلوات الخمس مثلاً في يوم ما، تكون المكافأة بعد صلاة العشاء مباشرة.


أولاً: مرحلة الطفولة المبكرة (ما بين الثالثة و الخامسة):
إن مرحلة الثالثة من العمر هي مرحلة بداية استقلال الطفل وإحساسه بكيانه وذاتيته، ولكنها في نفس الوقت مرحلة الرغبة في التقليد؛ فمن الخطأ أن نقول له إذا وقف بجوارنا ليقلدنا في الصلاة: لا يا بني من حقك أن تلعب الآن حتى تبلغ السابعة، فالصلاة ليست مفروضة عليك الآن ؛ فلندعه على الفطرة يقلد كما يشاء، ويتصرف بتلقائية ليحقق استقلاليته عنا من خلال فعل ما يختاره ويرغب فيه، وبدون تدخلنا (اللهم إلا حين يدخل في مرحلة الخطر )... فإذا وقف الطفل بجوار المصلي ثم لم يركع أو يسجد ثم بدأ يصفق مثلاً ويلعب، فلندعه ولا نعلق على ذلك، ولنعلم جميعاً أنهم في هذه المرحلة قد يمرون أمام المصلين، أو يجلسون أمامهم أو يعتلون ظهورهم، أو قد يبكون، وفي الحالة الأخيرة لا حرج علينا أن نحملهم في الصلاة في حالة الخوف عليهم أو إذا لم يكن هناك بالبيت مثلاً من يهتم بهم، كما أننا لا يجب أن ننهرهم في هذه المرحلة عما يحدث منهم من أخطاء بالنسبة للمصلى..وفي هذه المرحلة يمكن تحفيظ الطفل سور: الفاتحة، والإخلاص، والمعوذتين.


ثانياً: مرحلة الطفولة المتوسطة (ما بين الخامسة والسابعة):
في هذه المرحلة يمكن بالكلام البسيط اللطيف الهادئ عن نعم الله تعالى وفضله وكرمه (المدعم بالعديد من الأمثلة)، وعن حب الله تعالى لعباده، ورحمته؛ يجعل الطفل من تلقاء نفسه يشتاق إلى إرضاء الله، ففي هذه المرحلة يكون التركيز على كثرة الكلام عن الله تعالى وقدرته وأسمائه الحسنى وفضله، وفي المقابل، ضرورة طاعته وجمال الطاعة ويسرها وبساطتها وحلاوتها وأثرها على حياة الإنسان... وفي نفس الوقت لابد من أن يكون هناك قدوة صالحة يراها الصغير أمام عينيه، فمجرد رؤية الأب والأم والتزامهما بالصلاة خمس مرات يومياً، دون ضجر، أو ملل يؤثر إيجابياً في نظرة الطفل لهذه الطاعة، فيحبها لحب المحيطين به لها، ويلتزم بها كما يلتزم بأي عادة وسلوك يومي. ولكن حتى لا تتحول الصلاة إلى عادة وتبقى في إطار العبادة، لابد من أن يصاحب ذلك شيء من تدريس العقيدة، ومن المناسب هنا سرد قصة الإسراء والمعراج، وفرض الصلاة، أو سرد قصص الصحابة الكرام وتعلقهم بالصلاة،ومن المحاذير التي نركِّز عليها دوما الابتعاد عن أسلوب المواعظ والنقد الشديد أو أسلوب الترهيب والتهديد؛ وغني عن القول أن الضرب في هذه السن غير مباح، فلابد من التعزيز الإيجابي، بمعنى التشجيع له حتى تصبح الصلاة جزءاً أساسياً من حياته.


ويراعى وجود الماء الدافئ في الشتاء، فقد يهرب الصغير من الصلاة لهروبه من الماء البارد، هذا بشكل عام؛ وبالنسبة للبنات، فنحببهم بأمور قد تبدو صغيرة تافهة ولكن لها أبعد الأثر، مثل حياكة طرحة صغيرة مزركشة ملونة تشبه طرحة الأم في بيتها، وتوفير سجادة صغيرة خاصة بالطفلة..


ويمكن إذا لاحظنا كسل الطفل أن نتركه يصلي ركعتين مثلا حتى يشعر فيما بعد بحلاوة الصلاة ثم نعلمه عدد ركعات الظهر والعصر فيتمها من تلقاء نفسه، كما يمكن تشجيع الطفل الذي يتكاسل عن الوضوء بعمل طابور خاص بالوضوء يبدأ به الولد الكسول ويكون هو القائد ويضم الطابور كل الأفراد الموجودين بالمنزل في هذا الوقت ويلاحظ أن تنفيذ سياسة التدريب على الصلاة يكون بالتدريج، فيبدأ الطفل بصلاة الصبح يومياً، ثم الصبح والظهر، وهكذا حتى يتعود بالتدريج إتمام الصلوات الخمس، وذلك في أي وقت، وعندما يتعود على ذلك يتم تدريبه على صلاتها في أول الوقت، وبعد أن يتعود ذلك ندربه على السنن، كلٌ حسب استطاعته وتجاوبه.ويمكن استخدام التحفيز لذلك، فنكافئه بشتى أنواع المكافآت، وليس بالضرورة أن تكون المكافأة مالاً، بأن نعطيه مكافأة إذا صلى الخمس فروض ولو قضاء، ثم مكافأة على الفروض الخمس إذا صلاها في وقتها، ثم مكافأة إذا صلى الفروض الخمس في أول الوقت.


ويجب أن نعلمه أن السعي إلى الصلاة سعي إلى الجنة، ويمكن استجلاب الخير الموجود بداخله، بأن نقول له: أكاد أراك يا حبيبي تطير بجناحين في الجنة، أو أشعر أن الله تعالى راض عنك و يحبك كثيرا لما تبذله من جهد لأداء الصلاة )أما البنين، فتشجيعهم على مصاحبة والديهم ( أو من يقوم مقامهم من الثقات) إلى المسجد، يكون سبب سعادة لهم؛ أولاً لاصطحاب والديهم، وثانياً للخروج من المنزل كثيراً، ويراعى البعد عن الأحذية ذات الأربطة التي تحتاج إلى وقت ومجهود وصبر من الصغير لربطها أو خلعها...


ويراعى في هذه المرحلة تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة مثل أهمية التحرز من النجاسة كالبول وغيره، وكيفية الاستنجاء، وآداب قضاء الحاجة، وضرورة المحافظة على نظافة الجسم والملابس، مع شرح علاقة الطهارة بالصلاة، و يجب أيضاً تعليم الطفل الوضوء، وتدريبه على ذلك عملياً، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع أبنائهم.


ثالثا: مرحلة الطفولة المتأخرة (ما بين السابعة والعاشرة):
في هذه المرحلة يلحظ بصورة عامة تغير سلوك الأبناء تجاه الصلاة، وعدم التزامهم
بها، حتى وإن كانوا قد تعودوا عليها، فيلحظ التكاسل والتهرب وإبداء التبرم، إنها ببساطة طبيعة المرحلة الجديدة: مرحلة التمرد وصعوبة الانقياد، والانصياع وهنا لابد من التعامل بحنكة وحكمة معهم، فنبتعد عن السؤال المباشر: هل صليت العصر؟ لأنهم سوف يميلون إلى الكذب وادعاء الصلاة للهروب منها، فيكون رد الفعل إما الصياح في وجهه لكذبه، أو إغفال الأمر، بالرغم من إدراك كذبه، والأولََى من هذا وذاك هو التذكير بالصلاة في صيغة تنبيه لا سؤال، مثل العصر يا شباب: مرة، مرتين ثلاثة، وإن قال مثلاً أنه صلى في حجرته، فقل لقد استأثرت حجرتك بالبركة، فتعال نصلي في حجرتي لنباركها، وتحسب تلك الصلاة نافلة، ولنقل ذلك بتبسم وهدوء حتى لا يكذب مرة أخرى.


كما يجب تشجيعهم، ويكفي للبنات أن نقول:هيا سوف أصلي تعالى معي، فالبنات يملن إلى صلاة الجماعة، لأنها أيسر مجهوداً وفيها تشجيع، أما الذكور فيمكن تشجيعهم على الصلاة بالمسجد و هي بالنسبة للطفل فرصة للترويح بعد طول المذاكرة، ولضمان نزوله يمكن ربط النزول بمهمة ثانية، مثل شراء الخبز، أو السؤال عن الجار...إلخ.
وفي كلا الحالتين: الطفل أو الطفلة، يجب أن لا ننسى التشجيع والتعزيز والإشارة إلى أن التزامه بالصلاة من أفضل ما يعجبنا في شخصياتهم، وأنها ميزة تطغى على باقي المشكلات والعيوب، وفي هذه السن يمكن أن يتعلم الطفل أحكام الطهارة، وصفة النبي صلى الله عليه وسلم، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، ويمكن اعتبار يوم بلوغ الطفل السابعة حدث مهم في حياة الطفل، بل وإقامة احتفال خاص بهذه المناسبة، يدعى إليه المقربون ويزين المنزل بزينة خاصة، إنها مرحلة بدء المواظبة على الصلاة!!


ولاشك أن هذا يؤثر في نفس الطفل بالإيجاب، بل يمكن أيضاً الإعلان عن هذه المناسبة داخل البيت قبلها بفترة كشهرين مثلا، أو شهر حتى يظل الطفل مترقباً لمجيء هذا الحدث الأكبر!!
وفي هذه المرحلة نبدأ بتعويده أداء الخمس صلوات كل يوم، وإن فاتته إحداهن يقوم بقضائها، وحين يلتزم بتأديتهن جميعا على ميقاتها، نبدأ بتعليمه الصلاة فور سماع الأذان وعدم تأخيرها؛ وحين يتعود أداءها بعد الأذان مباشرة، يجب تعليمه سنن الصلاة ونذكر له فضلها.


وفيما يلي بعض الأسباب المعينة للطفل في هذه المرحلة على الالتزام بالصلاة:
1. يجب أن يرى الابن دائماً في الأب والأم يقظة الحس نحو الصلاة، فمثلا إذا أراد الابن أن يستأذن للنوم قبل العشاء، فليسمع من الوالد، وبدون تفكير أو تردد: لم يبق على صلاة العشاء إلا قليلاً نصلي معا ثم تنام بإذن الله؛ وإذا طلب الأولاد الخروج للنادي مثلاً، أو زيارة أحد الأقارب، وقد اقترب وقت المغرب، فليسمعوا من الوالدين:نصلي المغرب أولاً ثم نخرج؛ ومن وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد أن يسمعوا ارتباط المواعيد بالصلاة، فمثلاً: سنقابل فلاناً في صلاة العصر، و سيحضر فلان لزيارتنا بعد صلاة المغرب.


2. إذا حدث ومرض الصغير، فيجب أن نعوِّده على أداء الصلاة قدر استطاعته، حتى ينشأ ويعلم ويتعود أنه لا عذر له في ترك الصلاة، حتى لو كان مريضاً، وإذا كنت في سفر فيجب تعليمه رخصة القصر والجمع، ولفت نظره إلى نعمة الله تعالى في الرخصة، وأن الإسلام تشريع مملوء بالرحمة.


3. اغرس في طفلك الشجاعة في دعوة زملائه للصلاة، وعدم الشعور بالحرج من إنهاء مكالمة تليفونية أو حديث مع شخص، أو غير ذلك من أجل أن يلحق بالصلاة جماعة بالمسجد، وأيضاً اغرس فيه ألا يسخر من زملائه الذين يهملون أداء الصلاة، بل يدعوهم إلى هذا الخير، ويحمد الله الذي هداه لهذا.

__________________________________________
المصدر: كتيب كيف نرغب أحباب الله في الصلاة

  • 8
  • 1
  • 2,380

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً