من أقوال السلف في التعامل مع الناس -2
إياك ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا أخراك, وإن قلَّ, فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
لزوم حسن الخلق, وترك سوء الخلق:
** قال ذو النون: أدوم الناس عناء...أسؤوهم خُلُقاً.
** قال الإمام ابن حبان: الواجب على العاقل أن يتحبَّب إلى الناس بلزوم حسن الخُلُق وترك سوء الخلق؛ لأن حسن الخلق يذيب الخطايا كما تذيب الشمس الجليد، وإن الخلق السيِّئ ليفسد العمل كما يفسد الخَلُّ العسلَ، وقد تكون في الرجل أخلاق كثيرة صالحة كلها، وخلق سيِّئ فيسد الخلق السيِّئ الأخلاق الصالحة كلها، ومن أعظم ما يتوسَّل به إلى الناس ويستجلب به محبتهم، البذلُ لهم مما يملك المرء من حطام هذه الدنيا، واحتماله عنهم ما يكون منهم من الأذى.
** قال العلامة السعدي:
& قوله تعالى: ﴿ {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ} ﴾ [القلم:4] فكان سهلاً ليناً, قريباً من الناس, مجيباً لدعوة من دعاه, قاضياً لحاجة من استقصاه, جابراً لقلب من سأله, لا يحرمه, ولا يرده خائباً, وإذا أراد أصحابه منه أمراً, وافقهم عليه, وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور, وإن عزم على أمر لم يستبد به من دونهم, بل يشاورهم, ويؤامرهم, وكان يقبل من محسنهم ويعفو عن مسيئهم, ولم يكن يعاشر جليساً إلا أتم عشرة, فكان لا يعبس في وجهه, ولا يغلظ عليه في مقاله, ولا يطوى عنه بشرهُ, ولا يمسك عليه فلتات لسانه, ولا يؤاخذه بما صدر منه من جفوة. بل يحسن إليه غاية الإحسان, ويحتمله غاية الاحتمال.
& قوله تعالى: ﴿ { وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ﴾ [الضحى:10] أي: لا يصدر منك كلام للسائل يقتضى رده عن مطلوبه, بنهر وشراسة خلق, بل أعطه ما تيسر عندك أو ردّه بمعروف وإحسان ويدخل في هذا السائل للمال, والسائل للعلم.
ــــــــــــ
& هل يليق بمؤمن بالله, ورسوله, ويدعي اتباعه والاقتداء به, أن يكون كلاًّ على المسلمين شرس الأخلاق شديد الشكيمة عليهم, غليظ القلب, فظ القول, فظيعه ؟ وإن رأى منهم معصية, أو سوء أدب, هجرهم, ومقتهم, وأبغضهم, لا لين عنده, ولا أدب لديه, ولا توفيق, قد حصل من هذه المعاملة من المفاسد, وتعطيل المصالح ما حصل...فهل يُعدُّ هذا إلا من جهله, وتزيين الشيطان, وخدعه له.
& ينبغي للجار أن يتعاهد جاره بالهدية, والصدقة, والدعوة, واللطافة بالأقوال, والأفعال, وعدم أذيته بقول أو فعل.
- معرفة الناس لا تكون إلا بعد تجربة:
قال الإمام ابن قتيبة: قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن فلاناً رجل صدق, قال: سافرت معه ؟ قال: لا. قال: فكانت بينك وبينه خصومة ؟ قال: لا. قال: فهل ائتمنته على شيء ؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به. أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد
- العدل مع كل أحد, حتى مع الجاني والظالم:
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل, لا بجهل وظلم.
** قال السعدي العبد عليه أن يلتزم أمر الله ويسلك طريق العدل ولو جُني عليه أو ظُلِمَ واُعتدي عليه, فلا يحلُّ له أن يكذب على من كذب عليه, أو يخون من خانه.
- المعاشرة بالمعروف ممن لا بد من معاشرته:
قال محمد بن الحنفية: ليس بحكيم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حتى يجعل الله له فرجاً, أو قال: مخرجا.
ــــــــــــ
** قال أبو هريرة رضي الله عنه: يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه, وينسى الجذع أو الجذل في عينه. وقال مثل ذلك الحسن البصري رحمه الله.
** قال سفيان الثوري: اشتغل بذكر عيوب نفسك عن ذكر عيوب غيرك.
** قال أبو سليمان الداراني: من اشتغل بنفسه شغل عن الناس.
** قال الربيع بن خيثم: ما أنا عن نفسي براض, فأتفرغ من ذمها إلى ذم الناس.
** قال الإمام ابن حبان: الواجب على العاقل لزوم السلامة بترك التجسس عن عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسه، فإن من اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره أراح بدنه، ولم يتعب قلبه، فكلما اطلع على عيب لنفسه هان عليه ما يرى مثله من أخيه، وإنَّ مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبُه، وتعب بدنُه، وتعذَّر عليه ترك عيوب نفسه، وإن من أعجز الناس من عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه مَنْ عابهم بما فيه، ومن عاب الناس عابوه.
ولقد أحسن الذي يقول:
إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا *** عليك وأبدوا منك ما كان يستر
** قال الإمام ابن عبدالبر: البحث والتطلب لمعايب الناس ومساويهم, إذا غابت واستترت لم يحل لأحد أن يسأل عنها, ولا يكشف عن خبرها.
** قال الحافظ ابن رجب: روي عن بعض السلف, قال: أدركتُ قوماً لم يكن لهم عيوب, فذكروا عيوب الناس, فذكر الناس لهم عيوباً, وأدركت أقواماً كانت لهم عيوب, فكفوا عن عيوب الناس, فنُسيت عيوبهم! أو كما قال.
ـــــــــــــــــ
- البعد والنفار عن من هو مولع بالخلاف:
قال الإمام الخطابي: قال بعضهم: " إن من الناس من يولع بالخلاف أبداً, حتى أنه يرى أن أفضل الأمور أن لا يوافق أحداً ولا يجامعه على رأي ولا يواتيه على محبة, ومن كان في هذا عادته فإنه لا يبصر الحق ولا ينصره, ولا يعتقد ديناً ومذهباً, إنما يتعصب لرأيه وينتقم لنفسه ويسعى في مرضاتها, حتى إنك لو رمت أن ترضاه, وتوخيت أن توافقه الرأي الذي يدعوك إليه تعمد لخلافك فيه, ولم يرض به, حتى ينتقل إلى نقيض قوله الأول, فإن عدت في ذلك إلى موافقته عاد فيه إلى خلافك."
فمن كان بهذه الحال فعليك بمباعدته والنفار عن قربه, فإن رضاه غاية لا تدرك, ومدى شأوه لا يلحق. قال الزجاج: كنا عند المبرد فوقف عليه رجل فقال: أسألك عن مسألة من النحو ؟ قال: لا, فقال: أخطأت. فقال: يا هذا كيف أكون مخطئاً أو مصيباً ولم أجبك عن المسألة بعد. فأقبل عليه أصحابه يعنفونه, فقال لهم: خلوا عنه, ولا تعرضوا له أنا أخبركم بقصته هذا رجل يحب الخلاف, وقد خرج من بيته وقصدني على أن يخالفني في كل شيء أقوله, ويخطئني فيه, فسبق لسانه بما كان في ضميره.
- قبول عذر المعتذر:
قال الإمام ابن حبان: الواجب على العاقل إذا اعتذر إليه أخوه لجرم مضى أو لتقصير سبق أن يقبل عذره، ويجعله كمن لم يذنب، ومن اعترف بالزلة استحق الصفح عنها؛ لأن ذل الاعتذار عن الزلة يُوجب تسكين الغضب عنها.
- التعاون على المعصية يؤدي إلى البغضاء, وإلى ذم الفاعل:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الناس إذا تعاونوا على الإثم والعدوان أبغض بعضهم بعضاً, وإن كانوا فعلوه بتراضيهم
ـــــــــــــــــــ
- العاقل لا يعادى ما وجد للمحبة سبيلاً:
** قال الإمام ابن حبان: العاقل لا يعادي ما وجد إلى المحبة سبيلًا، ولا يجب على العاقل أن يكافئ الشرَّ بمثله، وأن يتخذ اللعن والشتم على عدوِّه سلاحًا؛ إذ لا يستعان على العدوِّ بمثل إصلاح العيوب، وتحصين العورات حتى لا يجد العدوُّ إليه سبيلًا، والعاقل لا يُغيِّره إلزاق العدوِّ به العيوب والقبائح؛ لأن ذلك لا يكون له وقع، ولا لكثرته ثبات.
** قال الإمام ابن الجوزي: مما أفادتني تجارب الزمان أنه لا ينبغي لأحد أن يظاهر بالعداوة أحداً ما استطاع, فإنه ربما يحتاج إليه مهما كانت منزلته...فكم من محتقر احتيج إليه, فإذا لم تقع الحاجة إلى ذلك الشخص في جلب نفع وقعت الحاجة في دفع ضر, وقد احتجت في عمري إلى ملاطفة أقوام ما خطر لي قط وقوع الحاجة إلى التلطف بهم. واعلم أن المظاهرة بالعداوة قد تجلب أذى من حيث لا يعلم, لأن المظاهر بالعداوة كشاهر السيف ينتظر مضرباً,...وهذا فصل مفيد تبين فائدته للإنسان مع تقلب الزمان.
- ترك التجسس على الناس:
قال الإمام ابن حبان: التجسس من شعب النفاق، كما أن حُسْن الظن من شعب الإيمان، والعاقل يحسن الظن بإخوانه، وينفرد بغمومه وأحزانه، كما أن الجاهل يسيء الظن بإخوانه، ولا يفكر في جناياته وأشجانه.
- ما بقي عند الله بقي عند الناس:
قال عمر بن عبدالعزيز: عليك بالذي يبقى لك عند الله, فإن ما بقي عند الله بقي عند الناس, وما لم يبق عند الله لم يبق عند الناس.
ــــــــــــــــ
- كيف يتعامل الإنسان مع كلام الناس فيه:
** قال سفيان الثوري: إذا عرفت نفسك فلا يضرك ما قيل فيك.
** قال الإمام أحمد بن حنبل: إذا عرف الرجل نفسه فما ينفعه كلام الناس.
** قال الإمام ابن حزم:
& طرح المبالاة بكلام الناس, واستعمال المبالاة بكلام الخالق عز وجل, هو باب العقل كله والراحة كلها...فمن حقق النظر...كان اغتباطه بذمِّ الناس إياه أشدَّ من اغتباطه بمدحهم إياه لأن مدحهم إياه إن كان بحقٍّ, وبلغه مدحُهُم له, أسرى ذلك فيه العُجب, فأفسد بذلك فضائله وإن كان بباطلٍ فبلغه فسُرَّ فقد صار مسروراً بالكذب, وهذا نقص شديد. وأما ذمُّ الناس إياه, فإن كان بحق فبلغه, فربما كان ذلك سبباً إلى تجنُّبه ما يُعاب عليه, وهذا حظ عظيم, لا يزهدُ فيه إلا ناقص, وإن كان بباطلٍ فصبر, اكتسب فضلاً زائداً بالحلم والصبر, وكان مع ذلك غانماً لأنه يأخذ حسنات من ذمَّه بالباطل
& لا يسرُّك أن تُمدح بما ليس فيك, بل ليعظم غمُّك بذلك, لأنه نقصك ينبه الناس عليه, ويسمعهم إياه, وسخرية منك وهزء بك, ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل, ولا تأسَ إن ذممت بما ليس فيك, بل افرح, فإنه فضلك ينبّه الناس عليه, ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح, سواء مُدحت به أو لم تمدح, واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم, سواء ذُممت به أو لم تُذم.
** قال مالك بن دينار: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم, ولم أكره مذمتهم, لأن حامدهم مفرط, وذامهم مفرط.
ــــــــــــــــ
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: قال الفضيل: " من عرف الناس استراح.", يريد والله أعلم: أنهم لا ينفعون ولا يضرون
** قال العلامة ابن القيم: الوقوف عند مدح الناس وذمهم علامة انقطاع القلب وخلوه من الله تعالى, وأنه لم تباشره روح محبته ومعرفته, ولم يذق حلاوة التعلق به والطمأنينة إليه.
- النصيحة للمسلمين:
قال الإمام ابن حبان: الواجب على العاقل لزوم النصيحة للمسلمين كافة، وترك الخيانة لهم بالإضمار والقول والفعل معًا، وعلامة الناصح إذا أراد زينة المنصوح له أن ينصحه سرًّا، وعلامة من أراد شينه أن ينصحه علانية، فليحذر العاقل نصحه الأعداء في السر والعلانية.
- التعامل بحلم مع الغضبان:
قال الإمام ابن الجوزي: متى رأيت صاحبك قد غضب وأخذ يتكلم بما لا يصلح, فلا ينبغي أن تعقد على ما يقوله خنصراً, ولا أن تؤاخذه به فإن حاله حال السكران, لا يدري ما يجري. بل اصبر لفورته, ولا تعول عليها, فإن الشيطان قد غلبه, والطبع قد هاج, والعقل قد استتر. ومتى أخذت في نفسك عليه, أو أجبته بمقتضى فعله كنت كعاقل واجه مجنوناً, أو كمفيق عاتب مغمى عليه, فالذنب لك.
بل انظر بعين الرحمة, وتلمح تصريف القدر له, وتفرج في لعب الطبع به, واعلم أنه إذا انتبه ندم على ما جرى, وعرف لك فضل الصبر.
وهذه الحالة ينبغي أن يتلمحها الولد عند غضب الوالد, والزوجة عند غضب الزوج, فتتركه يتشفى بما يقول, ولا تعول على ذلك, فسيعود نادماً معتذراً.
ــــــــــــــ
- متفرقات:
** قالت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: من يعمل بشيءٍ من معصية الله, يعود حامده له من الناس ذاماً.
** عن وهب قال: لا بد لك من الناس, فكن فيهم أصمعاً سميعاً, أعمى بصيراً, أخرس نطوقاً.
** قال إبراهيم بن أدهم: ما كرهت لنفسك فلا تأته إلى غيرك.
** قال بكر عبدالله المزني: إن رأيت إخوانك من يكرمونك ويعظمونك ويصلونك, فقل: هذا فضل أخذوا به, وإذا رأيت منهم جفاءً وانقباضاً. فقل: هذا ذنب أحدثته.
** قال عروة بن الزبير: مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة, وليكن وجهك منبسطاً, تكن أحبّ إلى الناس ممن يعطيهم العطاء.
** قال سفيان: إني لألقى الرجل أبغضه, فيقول لي: كيف أصبحت ؟ فيلين له قلبي.
** قال أيوب السخباتي: لا يسود العبد حتى يكون فيه خصلتان: اليأس مما في أيدي الناس, والتغافل عما يكون منهم.
** قال الإمام ابن حزم:
& لا تُجب عن كلام نُقل إليك عن قائل حتى توقن أنه قاله, فإن من نقل إليك كذباً, رجع من عندك بحق.
& من استخف بحرمات الله تعالى, فلا تأمنه على شيءٍ.
& إياك ومعارضة أهل زمانك فيما لا يضرك في دنياك ولا أخراك, وإن قلَّ, فإنك تستفيد بذلك الأذى والمنافرة والعداوة.
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية: مخاطبة الناس تكون على قدر عقولهم.
ــــــــــــــ كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ
- التصنيف: