من فضائل عشر ذي الحجة

منذ 2022-06-28

قال: ﷺ «ما مِن أيَّامٍ أعظمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَملِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ؛ فأَكْثِروا فيهِنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحْمِيد»

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعَل أيامَ العشرِ من أفضل الأيام، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ القدوسُ السلام، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه أفضلُ الخلق وسيدُ الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الكرام، أما بعد:

فإنَّ مِن رَحمةِ اللهِ عزَّ وجلَّ بعِبادِه أنْ مَنَّ عليهِم بأيامٍ مُبارَكةٍ، يُضاعِفُ لهم فيها الأجرَ، ويُعطي فيها جَزيلَ الثَّوابِ رَحمةً منه وكرَمًا، ومنها: الأيامُ العَشرُ الأُوَلُ مِن ذي الحِجَّةِ؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم عن عشر ذي الحجة: «ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذِه» ؟ قالوا: ولَا الجِهَادُ؟ قَالَ: «ولَا الجِهَادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بشيءٍ» [1].

 

وفي هذا الحَديثِ يُرشِدُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى فَضْلِ العملِ الصَّالحِ في العَشْرِ الأوائلِ مِن ذي الحِجَّةِ، ويُبيِّنُ أنَّ أجْرَ العَملِ الصَّالحِ فيها يَتضاعَفُ ما لا يَتضاعَفُ في سائرِ الأيَّامِ، فعلَى المُسلِمِ أنْ يَغتَنِمَها ويُكثِرَ فيها الطاعاتِ، ومِن أجَلِّ الطاعاتِ فيها ذِكرُ اللهِ عزَّ وجلَّ، وأعظمُ الذِّكرِ قِراءةُ القُرآنِ، والتَّكبيرُ والتَّهليلُ والتَّحميدُ، وفي مُسنَدِ أحمدَ وغيرِه: أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ قال: «ما مِن أيَّامٍ أعظمُ عِندَ اللهِ ولا أحَبُّ إليه مِن العَملِ فيهنَّ مِن هذه الأيَّامِ العَشرِ؛ فأَكْثِروا فيهِنَّ مِن التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحْمِيد»[2].

 

ويَشملُ العَملُ الصالحُ الفَرائضَ والواجِباتِ وكلَّ أعْمالِ البِرِّ والمَعروفِ وأعمالَ التَّطوُّعِ مِن العِباداتِ؛ مِن صَلاةٍ وصَدَقةٍ وصِيامٍ وبالأخصِّ صِيامُ يومِ عَرفةَ، كما يَشمَلُ أيضًا ترْكَ المنهيَّاتِ والمنكَراتِ[3].

 

• ومن فضائل عشر ذي الحجة: أنَّ فيها يومَ عرفة، وهو يومُ الحجِّ الأكبر، وصيامُه: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ»[4].

 

• ومن فضائل العشر: أنَّ فيها يومَ النَّحر، وهو اليومُ العاشرُ من ذي الحجة، أولُ أيامِ عيد الأضحى، والأضاحي سنةُ أبينا إبراهيم الذي أمِرْنا باتباع مِلَّتِه، وسنةُ نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، فالأضحيةُ مشروعةٌ بكتاب الله وسنةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبإجماعِ المسلمين، وبها يُشاركُ أهلُ البلدان حجاجَ بيت الله الحرام في بعض شعائرِ الحج، فالحجاجُ يتقربون إلى الله بذبح الهدايا، وأهلُ البلدان يتقربون إليه بذبح الضحايا.

 

• ومن فضائل العشر: اجتماعُ أمهاتِ العبادة فيها، وهي الصلاةُ والصيامُ والصدقةُ والحجُّ.

 

عباد الله، من الأعمال التي ينبغي أنْ يَحرِصَ عليها المسلمُ في العَشْر من ذي الحجة:

• التوبةُ والإقلاعُ عن المعاصي وجميعِ الذنوب، كما يجبُ الحرصُ على الصلاة، وهي من أجَلِّ الأعمالِ وأعظمِها وأكثرِها فضلًا، ولهذا يجبُ على المسلم المحافظةُ عليها في أوقاتِها مع الجماعة، - ومن الأعمال التي ينبغي أن يحرص عليها المسلمُ في العشر من ذي الحجة: صيامُ هذه الأيام أو ما تَيسَّر منها، وبالأخصِّ صومُ يومِ عَرَفَة لمنْ لمْ يكنْ حاجًّا.

 

• ومن الأعمالِ المُستَحبَّةِ في عَشْرِ ذي الحِجَّةِ: التكبيرُ والتحميدُ والتهليلُ والذِّكْرُ: قال تعالى: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} وقد فُسِّرتْ بأنها أيامُ العشر.

 

• ومما يستحب فيها كذلك: كثرةُ الأعمالِ الصالحة: من نوافل العبادات كالصلاةِ والصدقةِ والجهادِ وقراءةِ القرآنِ والأمرِ بالمعروفِ والنهي عن المنكرِ ونحوِ ذلك.

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحشر: 18].

 

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونَفَعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، إنه تعالى جوادٌ كريم، ملكٌ بر رؤوفٌ رحيم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبِعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعدُ:

فالمعاصي سَببُ البعدِ والطَّرْدِ عن رحمة الله، والطاعاتُ أسبابُ القُرْبِ من الله تعالى، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبيَ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ اللَّهَ يَغَارُ، وإنَّ المُؤْمِنَ يَغَارُ، وَغَيْرَةُ اللهِ أَنْ يَأْتِيَ المُؤْمِنُ ما حَرَّمَ عليه»[5].

 

عباد الله، هناك أعمالٌ على المسلم أنْ يُكثرَ منها في أيام العشرِ وفي غيرِها، ومنها على وجه التذكير: قراءةُ القرآن ـ والاستغفارُ - وبِرُّ الوالدين ـ وصِلةُ الأرحامِ والأقارب ـ وإفشاءُ السلام وإطعامُ الطعام ـ والإصلاحُ بين الناس ـ والأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر ـ وحفظُ اللسانِ والفَرْج ـ والإحسانُ إلى الجِيران ـ وإكرامُ الضَّيف ـ والإنفاقُ في سبيل الله ـ وإماطةُ الأذى عن الطريق ـ والنفقةُ على الزوجةِ والعيال ـ وكفالةُ الأيتام ـ وزيارةُ المرضى ـ والمُساهمَةُ في قضاء حوائجِ المسلمين - والدعاءُ للمسلمين بِظَهرِ الغيب ـ والصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ـ وعدمُ إيذاءِ المُسلمين ـ والتَّحلي بالرِّفق ـ وصِلةُ أصدقاءِ الوالدين ـ وأداءُ الأماناتِ والوفاءُ بالعهد ـ وإغاثةُ المَلْهوف ـ وغَضُّ البصرِ عن محارمِ الله ـ وإسباغُ الوضوء ـ والدعاءُ بين الآذانِ والإقامة ـ وقِراءةُ سورةِ الكهف يومَ الجُمعة ـ والمحافظةُ على صلاة الجماعة ـ والمحافظةُ على السُّننِ الراتبة ـ والحِرصُ على صلاةِ العيد ـ وذكرُ اللهِ تعالى عَقِبَ الصلوات ـ والحِرصُ على الكسْبِ الحلال ـ وإدخالُ السرور على المسلمين ـ والشَّفقَةُ بالضعفاء ـ واصطناعُ المعروف والدِّلالةُ على الخير ـ وسَلامةُ الصَّدْرِ وتَرْكُ الشَّحْناء ـ والتعاونُ مع المسلمين فيما فيه الخير.

 

• فاتقوا الله عباد الله وصلُّوا وسلِّموا على محمدٍ عليه الصلاة والسلام، فقد قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: «من صلى عليَّ صلاةً صلى الله عليه بها عشرًا».

 

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعليٍّ، وعن سائرِ أصحابِ نبيك أجمعين، وعن التابعين وتابع التابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم بمنِّك وكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشركَ والمشركين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهم آمِنَّا في دُورنا، وأصلح وُلاةَ أمورِنا، اللهم وفقْ وليَّ أمرِنا خادمَ الحرمين الشريفين الملكَ سلمانَ بنَ عبدِالعزيز لما تُحبُّ وترضى، وهيِّئ له البطانةَ الصالحة، اللهم وفقْ وليَّ عهده الأميرَ محمد بن سلمان لكل خير وهيِّئ له البطانة الصالحة، اللهم وفِّق جميع ولاة المسلمين للحكم بشريعتك واتباع سنة رسولك محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم وفِّق شبابنا لما تحب وترضى، واهدهم سبُلَ السلام، وجنِّبهم الغلوَّ والمجون والآثام، اللهم اغفِر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم مصرِّف القلوب والأبصار صرِّف قلوبنا على طاعتك، اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تُهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.

 

اللهم فرِّجْ همَّ المهمومين من المسلمين، ونفِّس كرْبَ المكروبين، واقْضِ الدَّين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

عباد الله، {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}  [النحل: 90، 91]، واذكروا الله العظيم الجليل يذكُرْكم، واشكروه على نعمه يَزِدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.

 


[1] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 969.

[2] تخريج المسند الصفحة أو الرقم: 5446.

[3] الدرر السنية، الموسوعة الحديثية https://old.dorar.net/hadith/sharh/5572

[4] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1162.

[5] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2761.

______________________________________________________________

الكاتب: محمد بن حسن أبو عقيل

  • 12
  • -1
  • 1,862

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً