الاحتساب على الصغار

منذ 2022-07-30

الصغار إذا نشؤوا على الخير اعتادوه، ولم يشقَّ عليهم إذا بلغوا، وإذا لم يألفوا العبادة في الصغر، ربما شقَّتْ عليهم وتثاقلوها في الكبر، وفي هذه الخطبة أشير إلى جانب الاحتساب على الصغار من أمرٍ بالمعروف ونهي عن المنكر.


نجد في كتاب ربِّنا وفي سنة نبيِّنا أحكامًا تتعلق بالصغار، منها ما يتعلق بالأمور الاعتقادية، ومنها ما يتعلق بالأمور التعبُّدية، ومنها يتعلق بالآداب، فالصغار إذا نشؤوا على الخير اعتادوه، ولم يشقَّ عليهم إذا بلغوا، وإذا لم يألفوا العبادة في الصغر، ربما شقَّتْ عليهم وتثاقلوها في الكبر، وفي هذه الخطبة أشير إلى جانب الاحتساب على الصغار من أمرٍ بالمعروف ونهي عن المنكر.

فالأولاد - ذكورًا وإناثًا - إذا كانوا صغارًا لم يبلغوا حد التكليف، لا يُخاطَبون بأحكام الشريعة، ويُكتَب لهم نوافل الطاعات، ولا يكتَب عليهم؛ لكن يُخاطَب أولياؤهم بأمرهم ونهيهم، وإذا أخلَّ الأولياء بذلك، أثموا وتعرَّضوا للوعيد؛ فعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع»؛ (رواه أبو داود (495) بإسناد حسن).

فإذا أُمروا بالصلاة وهم صغار، وصلَّوها في وقتها، خصوصًا الصلاة التي يسبقها نوم كالفجر، اعتادوها كبارًا فلم تشق عليهم، أما إذا فرط الوليُّ في تنشئتهم على المحافظة على الصلوات وتركهم، فقد أساء إليهم، وجنى على نفسه.

وإنك لتعجب من تقصيرنا في هذا الجانب، فتجد قلة من يصلى من الصغار مقارنةً بعدد أولادنا، خصوصًا صلاة الفجر، فلنتَّقِ الله في أنفسنا وفي أولادنا، ولنأمرهم بالصلاة، ونتفقدهم في حضور الجُمَع والجماعات.

والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «مروا أولادكم»، فوجَّه الخطاب للأولياء، ولم يُوَجِّهْهُ للأولاد الصغار؛ لأنهم غير مكلفين، فأمَرَ الأولياءَ أن يأمروا أولادهم الذكور والإناث بالصلاة، ولم يخص صلاة من صلاة، والأصل في الأمر الوجوب، ومن لم يمتثل أمر النبي فهو عاصٍ متعرضٌ للعقوبة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (22/51): من كان عنده صغير، يتيم أو ولد، فلم يأمره بالصلاة، فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير، ويعزر الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا؛ لأنه عصى الله ورسوله، وكذلك من عنده خدم أو زوجة، أن يأمر جميع هؤلاء بالصلاة، فإن لم يفعل كان عاصيًا لله ورسوله. اهـ.

وقال الرافعي في "العزيز" (1/393): قال الأئمة: يجب على الآباء والأمهات تعليم الأولاد الطهارة والصلاة والشرائع بعد السبع، والضرب على تركها بعد العشر. اهـ.

وكما يجب على الوليِّ أن يأمر أولاده الصغار بالمعروف، يجب عليه أن ينهاهم عن المنكر ويجنِّبهم المعاصي.

فيمنع الصغير من الوقوع في شيء هو معصية في حق المكلف، وإن لم يمنعْه وليُّه من المنكر أو مكَّنه منه، فالإثم على الولي لا على الصغير؛ لأنه لم يَجرِ عليه القلم؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: أخذ الحسن بن علي - رضي الله عنهما - تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كِخْ كِخْ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرت أنَّا لا نأكل الصدقة» ؟!))؛ (رواه البخاري (1491)، ومسلم (1069).

فلم يقر النبي سِبْطَه - وكان صغيرًا - على أكل شيء محرَّم على آل البيت خاصة؛ ولذا نجد أن النهي عن الأمر المحرَّم يأتي في بعض ألفاظه ذِكر الذَّكر فقط، فيدخل فيه المكلف وغير المكلف من الصغار وغيرهم كالمجانين، فلما حرم الحرير ذكر النبي أن الحرمة على الذكور، ولم يخصَّه بالمكلفين من الرجال؛ فعن أبي موسى الأشعري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: «حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي، وأحل لإناثهم»؛ (رواه الترمذي (1720) وقال: هذا حديث حسن صحيح) .

وفهم الفاروق - رضي الله عنه - أن الحكم عام للصغار والكبار، فروى ابن أبي شيبة في مصنفه (24657): أن عبدالرحمن بن عوف دخل ومعه ابن له على عمرَ، عليه قميصُ حريرٍ، فشق عمرُ القميص؛ ورواته ثقات.

وقد قعَّد شيخ الإسلام ابن تيمية قاعدة في هذا الباب، بعد أن ذكر الخلاف في لبس الذكور الصغار الحرير، واختار التحريم، فقال في "مجموع الفتاوى" (29/298): ما حَرُم على الرجال فعلُه، حرم عليه أن يمكِّن منه الصغير. اهـ.

فما كان محرَّمًا على الرجال تحريمًا مطلقًا، وجب تجنيبه الصغير، وما كان محرمًا على النساء تحريمًا مطلقًا، وجب تجنيبه الصغيرة، وقولي: "مطلقًا" قيد لما يباح أحيانًا، فلا يجب تجنيب الصغيرة منه، مثلاً: يجوز للمرأة أن تلبس الثياب القصيرة أمام زوجها، فيجوز أن تلبس الصغيرة الملابس القصيرة، والمسألة مسألة تقرير حل وحرمة، وليست مسألة الأفضل والأكمل.


وبعد:
فمما يجب علينا: منعُ أبنائنا من التشويش على المصلِّين في المساجد، ويجب أن نتفقدهم هل هم ممن له دور في إزعاج المصلين باللعب داخل المسجد أو خارجه أثناء الصلاة؟

ومما يجب علينا: أن نكفَّ أذى أبنائنا وتعديهم على الآخرين، فربما تعرض بعضهم للآخرين من كبار السن من الوافدين أو ممن هم في سنهم، فكف أذاهم من المنكر الذي افترض الله علينا إنكاره، وقد يكون واجبًا عينيًّا على الولي.

ومما يجب علينا: كفُّ تعدِّيهم، فيكف تعديهم على سيارات الآخرين، أو بيوتهم، أو آليات الشركات أثناء تنفيذها مشاريع داخل الحي، أو تعديهم على الأماكن العامة؛ كالمساجد والمدارس، والحدائق والشوارع، وغير ذلك.

فهذا العبث الذي نشهده، وهذا التعدي في الأشياء الخاصة أو العامة في الحي - هو من تعدِّي بعض أولادنا، وليس من شخص غريب عن الحي، فهل استشعرنا المسؤولية أمام الله وأمام الناس، وحاولنا أن نعرف هل أولادنا شركاء في هذا الخطأ أو لا؟

ومما يجب علينا: منعُهم من غيبة الناس، والاستهزاءِ بهم، وتقليد أصوات الناس وحركاتهم وتصرفاتهم على وجه التندر والسخرية، خصوصًا ممن لهم فضل عليهم كالمعلمين والمعلمات.

ومما يجب علينا: التأكد مما معهم من مقتنيات وأموال، هل حصلوا عليها بطريق مشروع أو لا؟ وكذلك ما يُحضِرونه من أشياء للبيت، فربما أخذت من غير وجهها الصحيح.

عباد الله:
الأولاد أمانة في أعناقنا، علينا أن نعينهم على ما ينفعهم، وأن نباعدهم عمَّا يضرهم ويكون سببًا في هلاكهم؛ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6].

معاشر الآباء:
لنحذَر أن نكون ممن دخل في قول ربنا عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27].

فمن قصَّر في هذه الأمانة ولم يُحِطْها بنصحه، فهو من أهل الوعيد، إن لم يتداركه الله بتوبة نصوح أو عفو منه؛ فعن معقل بن يسار قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول: «ما من عبدٍ استرعاه الله رعيةً فلم يحطها بنصيحة، إلا لم يجد رائحة الجنة»؛ (رواه البخاري (7150) ومسلم (142).

معاشرَ الإخوة:
تربيةُ الأولاد، وأمرُهم بكل خير، ونهيهم عن كل شر - مداه العمرُ كله ما داموا محتاجين لذلك التذكير، فلا ينبغي أن يدب اليأس في النفوس، أو ينقطع الرجاء من هدايتهم وصلاحهم، فربما كانت الهداية قاب قوسين أو أدنى، وعلى أقل تقدير معذرة إلى ربكم، فها هو أحد سادة المربِّين، وقدوة للعالمين لا يزال مع ابنه دعوة للخير، وتحذيرًا من الشر، حاثًّا له على الانضمام إلى حزب الناجين، محذرًا له من مغبة سلوك سبيل المجرمين، فلم يكلَّ ولم يملَّ في دعوة ابنه، حتى سبق ما في الكتاب من شقاوة الابن، إنه نوح - عليه السلام - مع ابنه، كما قص علينا ربُّنا ما دار بينه وبين ابنه، قال - تعالى -: {وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [هود: 42 - 46].

معاشر الإخوة:
في هذه القصة عزاءٌ لكل من بذل نصحَه، ورغب في هداية غيره ولم يفلح، فلا يلزم أن يكون عنده خلل في دعوته، أو عنده قصور في ذاته تسبَّب في عدم هداية المستهدف؛ إنما هي حكمة الله يهدي من يستحق الهداية؛ {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272].

__________________________________________________

الكاتب: الشيخ أحمد الزومان

  • 1
  • 0
  • 1,017

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً