الكسب الحلال
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثُ عديدة تَحُثُّ على طَلَب الرزق والكسب الحلال؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أَكَل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا مِن أن يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليه السلام كان يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه»
قال الله تعالى: {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ﴾ [الجمعة: 10]، وقال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15].
لقد قَصَّ لنا القرآنُ الكريم عن حياة الأنبياء والمرسلين، وأشار في آياتٍ عديدة إلى بعض المهَن التي كانوا يعملون بها؛ فهذا نوح عليه الصلاة والسلام كان يَعمل في النجارة، وقد صَنَع بيده السفينةَ التي كانت سببًا في نجاتهم مِن الغرق بعد فضْل الله؛ قال تعالى: {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ} [هود: 38].
وهذا نبيُّ اللهِ داودُ عليه الصلاة والسلام كان حدَّادًا، وقد ألَانَ اللهُ له الحديدَ، فكان يَصنع منه الدروعَ وغيرها مِن الأشياء النافعة؛ قال تعالى: {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [سبأ : 10 - 11].
وكان زكريا عليه الصلاة والسلام نجَّارًا؛ كما أَخْبَر بذلك النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وهذا حبيبنا ونبيُّنا وقدوتُنا صلى الله عليه وسلم كان يَرْعَى الغنمَ على قراريط لأهل مكة، وكان يَعمل في التجارة، فيُسافر ويَتعب؛ مِن أجْل تحصيلِ الرزق الحلال، وعلى الرغم مِن مكانتِهم العالية، وحَمْلِهم لأمانة الدعوة، إلا أنهم كانوا يعملون بأيديهم، ويتكسَّبُون أرزاقَهم عن طريقها.
وهكذا كان صحابةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حريصين على الكسب الحلال؛ عن طريق عَمَلِهم في التجارة وغيرها من المهَن الأخرى.
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديثُ عديدة تَحُثُّ على طَلَب الرزق والكسب الحلال؛ منها: قوله صلى الله عليه وسلم: «ما أَكَل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا مِن أن يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليه السلام كان يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه»؛ (رواه البخاري) ، وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «لأنْ يحتَطِبَ أحدُكم على ظهره، خيرٌ مِن أن يَسأل أحدًا فيُعطيه أو يمنعه»؛ (رواه البخاري).
وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: «لأنْ يأخُذ أحدُكم أَحْبُلَهُ، ثم يأتي الجبَل، فيأتي بحزمة مِن حطب على ظهره فيبيعها، فيكفَّ اللهُ بها وجهَه - خيرٌ له مِن أنْ يَسأل الناسَ؛ أعطَوْه أو منعوه»؛ (رواه البخاري).
فاليَدُ التي تعمل وتتكسَّبُ الرزقَ الحلالَ هي التي تُعطي، وهي التي تَعمل مِن أجْل إعفاف النفس عن التذلل للآخرين؛ أعطوه أو منعوه.
وإن من فضل الله تعالى علينا أنْ فَتح لنا أبوابًا كثيرة للعمل، والدولةُ وفَّقَها الله تعالى حريصةٌ على فتْح أبواب العمل الكثيرة مِن أجْل شبابِنا، وما هذه الكلِّيَّات والمعاهد والمدارس التي تتخصَّص في كثير من المهَن، إلا بشارة لأهل الجدِّ مِن الشباب؛ للحرص على ما ينفعهم في الدنيا والآخرة.
وهناك مِهَنٌ كثيرة يستطيع الشاب المسلم أن يتعلَّمها، وأن يعمل بها، ويستفيد منها، ويُفيد بها مجتمعه، ويستطيع عن طريقها إثباتَ مهاراتِه المتنوِّعة التي امتنَّ اللهُ بها عليه، مثلَ: الحاسب الآلي، والكهرباء، والميكانيكا، والسباكة، والبناء، والحدادة، وغيرها مِن المِهَن التي كان أجدادُنا حريصين على تعلُّمها والاستفادة منها.
فلماذا أَصْبَح كثيرٌ من الشباب يُعرِضون عن هذه المهَن، وينصرفون إلى غيرها من الوظائف؟ ولماذا لا يملؤون الفراغَ الموجوَد حاليًّا في مجتمعنا مِن هذه المهَن الشريفة؟ هل لأنها لا تُناسِب مكانتَهم؟ فليست الرفعة في المنصِب أو الجاه أو غيرها مِن أعراض الدنيا الزائلة، إنما الرفعة لِمَنْ طلَبَ مرضاةَ اللهِ تعالى، وحَرَص على الرزق الحلال، والله تعالى جعل لكل إنسانٍ بحسبه مِن المهارة في عمله، فبقَدْر محبَّته لِمِهْنَتِه بقَدْر ما يَبذُل مِن جهد؛ لينفع بها نفسَه، وينفع بها الآخرين، وإني أَحُثُّ شبابَنا الطيِّبَ الحريصَ على دينِه ووطنِه - على الإقتداء بالأنبياء والمرسلين في تعلُّم المهَن التي تكون لهم بابًا مِن أبواب إعفاف النفْس، ونفْع المسلمين.
وَفَّقَ اللهُ شبابَنا للعملِ المثمر الجادِّ الذي يُرضِي عنهم ربَّهم، ويَنفَع بلادَهم، وآخِر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد.
- التصنيف: