مأساة فلسطين

منذ 2022-08-06

ها هي فلسطين الوطن العربي الإسلامي المقدَّس، والقِبلة الأولَی للمسلمين، والمسجد الثالث الذي تُشدُّ إليه الرِّحال، أصبحت - نتيجة ضعف المسلمين - طُعمة للصهاينة، وتواجه الدَّمار والفوضی والقتل والتشريد جرَّاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني...

لم يزددِ المسلمون في القرون الأخيرة إلا ضعفًا وخِذلانًا، ولم تزدد أخلاقهم إلا تدهورًا وانحطاطًا؛ فقد أصبحوا أمة جوفاءَ لا روحَ فيها ولا حياة، وأصبحت دولهم فريسةً لكل مفترس وطُعمة لكل آكلٍ، وصدق رسول الله صلی الله عليه وسلم حين قال: «يُوشِك أن تداعی الأمم عليكم، كما تداعی الأكَلَةُ إلى قصعتها»، فقال قائل: أو مِن قلةٍ نحن يومئذٍ؟ قال صلی الله عليه وسلم: «بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غُثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوِّكم المهابة منكم، وليقذفَنَّ في قلوبكم الوَهْنَ ...»؛ [ (رواه أبو داود في سننه: ٤٢٧٩)، مضی المسلمون علی هذه الحالة وزيادة حتی أغارت عليهم الدول الغربية؛ فاعتزل المسلمون عن قيادتهم للعالم، وسلَّموا مفاتيح ملكهم إلی الغرب، وبلغ بعض الدول الإسلامية من الذل والهوان مبلغًا اتخذ اليهود أولياء.

 

وها هي فلسطين الوطن العربي الإسلامي المقدَّس، والقِبلة الأولَی للمسلمين، والمسجد الثالث الذي تُشدُّ إليه الرِّحال، أصبحت - نتيجة ضعف المسلمين - طُعمة للصهاينة، وتواجه الدَّمار والفوضی والقتل والتشريد جرَّاء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني الغاصب، شعبٌ يُقدَّر بالملايين، ويحرم الحريَّةَ ليعيش ذُلًّا وأسباب الحياة ليموت جوعًا، والحرية شعار الدول، وأسباب الحياة سهلة الوصول، لكنها تُقام في وجهها السدود والحصون والحواجز، إن الشعب الفلسطيني يُمنع عن السكون والطمأنينة حتی في المساجد؛ حيث يتعرَّض المصلون في المسجد الأقصی من قِبل قوات الاحتلال للاعتداءات الوحشية، ويقتحم الاحتلال باحاتِ المسجد، ويهاجم المصلين ويعتقل آخرين، كأن الحرية للفلسطيني في بلاده حرام أي حرام، فتُرصد لها العيون، وتُغلق لها الأبواب، أما الإسرائيلي، فلا تُقام في وجهه الأرصدة؛ لأن الإسرائيلي يهوديٌّ ومرحبًا باليهود، والفلسطيني مسلم ولا مرحبًا بالمسلمين، فكم من حق فلسطين سُلب؟ وكم من دمٍ أُريق؟ وكم من نفوس أُزهقت؟ وكم من ولد أُصيب وهو في حِضن أمِّه؟ وكم من أمٍ أُصيبت وفمُ ولدها علی ثديها، فرضع منها مكان اللبن دمًا؟ إذا طالب الشعب الفلسطيني بحقه وأن يتحرَّرَ ويكون أمره بيده، سُلِّط عليه أنواع العذاب في أبشع صورة، واستُخدم آخرُ ما وصل إليه العلم والاختراع في التدمير والتخريب، تحدث كل هذه الجرائم تحت مسمَعِ العالم وبصره، وهيئة الأمم المتحدة تعقد بدعوی تحقيق العدل وإنقاذ الإنسانية، وأجواء العالم تتجاوب بالديمقراطية، وحق المصير، ومؤازرة الحرية.

 

إنه ليس في تاريخ الظلم والعدوان قضية كقضية فلسطين، ولا في تاريخ التخاذل والهوان مثل موقف العالم في قضية فلسطين، ولا في تاريخ قلة الاهتمام مثل موقف الدول المسلمة - في شرق الأرض وغربها - في قضية فلسطين، فتخاذُل المسلمين هو الذي دفع اليهود وجعلهم يمدون أيديهم إلی الأراضي الفلسطينية، فما أخذ اليهود الذي أخذوه بقوتهم وسلاحهم، ولكن بإهمال المسلمين وتخاذلهم، إن قضية فلسطين قضية العالم، وإن مسؤوليتها قد قُسمت علی الشعوب جميعًا، والذي يؤسفنا هو أنه لا يری شعب نفسه أولی بها من غيره، ولا يضْطَلع بها أحد، ولا تری دولة نفسها مسؤولًا عنها، ولماذا التخلُّف عن هذه القضية؟ ونحن - المسلمين - لا ينقصنا العَدد والعُدد، ولا السلاح ولا المال؛ فلو بصق كل مسلم بصقة لأغرقت يهود العالم، ولو نفخ كل واحد منا نفخة لأطارتهم، وإذا كان لا ينقصنا شيء مما ذُكِر، فما الذي ينقصنا؟ إن الذي ينقصنا هو الدين والإيمان، فتَّشَ عقلاء الأعداء عن منابع القوة الكامنة في قلوب المسلمين، فوجدوا الدين والإيمان أكبر منبع للقوة والحياة في قلوبهم - وقد شهدوا ما فعل الإيمان قديمًا، وما أظهر من معجزات وخوارقَ، وما هو خليق بأن يفعل - فسلَّطوا علی المسلمين عدوَّیْنِ هما أضرُّ وأفتك بهم من الوباء الفاتك:

أ– الشك وضعف اليقين والإيمان؛ ولا شيء أدعی للضعف والجبن منه.

 

ب– الذل والهوان؛ ومعنی ذلك أن المسلمين صاروا يشعرون بالذل في داخل نفوسهم وأعماق قلوبهم، ويزدرون كل ما يتصل بهم من دين وعقيدة، وإذا تمكن الذل والهوان من أمة، ماتت تلك الأمة؛ فلا روح لها ولا حياة، وإن كنت تراها تغدو وتروح.

 

فقد ابتُلي المسلمون في القرون الأخیرة بعبادة المال، وحب الدنيا، والجري وراء النعم، وتقديم ملذات الدنيا علی نِعَمِ الآخرة، وإن هذه النفسية والتربية تَحُولُ دون الجهاد في سبيل الله، وتحمل المشاقِّ، وتجرُّعِ المرائر، ومكابدة الأهوال، والعقيدة السامية، لكن لا داعي لليأس والتشاؤم؛ فإن منبع الدوافع والبواعث - وهو الإيمان والحمية الدينية – موجود في الأمة، وإن العاطفة التي تبعث علی الجهاد لا تزال قوية، فالأمة الإسلامية أمة لم تُصب بالعُقم، كيف وقد أنتجت في كل أزمة ومحنة رجالًا مجاهدين واجهوا العدو ودافعوا عن الأمة بأسرها، فإذا عمرت القلوب بالدين والإيمان، وتزكَّت النفوس، وجاشت الصدور بالحماسة والشجاعة جَيَشَانَ المِرجل، وأخذ المسلمون عُدَّتهم للدفاع عن الأمة، يتحول المسلمون قوة خارقة للعادة.

 

وأخيرًا لنعلم أن ضياع فلسطين ودمارها جريمة كبيرة سيحكم فيها التاريخ حين ينكشف الخفي، ويُفتضح المزوِّرُ، وحینئذٍ يحدِّد التاريخ المسؤولَ عنها، ويجعله نكالًا للظالمين، علی أن المحكمة الكبری التي بين يدي رب الأرباب، يوم لا ينفع مال ولا بنون، ولا ينفع جند ولا أعوان.

__________________________________________________

الكاتب: محمد عارف عمرزهي

  • 12
  • 0
  • 1,501

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً