دعوة للتواصل بين الأغنياء ومرضى الفقراء

منذ 2022-08-30

عندما تكون مريضاً وفقيرا .. دعوة للتواصل بين الأغنياء ومرضى الفقراء..بالتعاون والتكاتف لو بالقليل نكفي إخواننا المرضى والمحتاجين، و (إنما السيل اجتماع النقط)

لا شك أن التطور في المجال الطبي متسارع  ولا يقاس بالأمتار ولا بالكيلوات، بل بالأرقام الفلكية مقارنة مع عقود قريبة خَلتْ، لكن للأسف كلما تطور الطب أكثر في التشخيص والعلاج ابتعد وتحاشى متوسطي الدخل، وعاند الفقراء وتنزه عن الاقتراب منهم.

رحلة معاناة هذه الشرائح طويلة جداً وذيلها له بداية وقد لا ينتهي إلا بموت صاحبه أو ابنه أو والدته، فإن ظفر بمقابلة الدكتور، قد يعجز عن دفع فاتورة العلاج، مع أنها عبارة عن بعض الحبوب وقارورة شراب وحقن دوائية، وقد يصل إلى حاجته لعملية تحتاج إلى مبلغ كبير بالنسبة لدخله المتواضع.

ومع صعود مستوى المرض يزداد عدد الناس العاجزين عن دفع تكاليف علاجه، فلربما احتاج المريض إلى تحاليل أو أشعة وهكذا.

لكن دعنا نرتقي خطوة أعلى حيث لا يوجد المكان المناسب في بلد الفقير للكشف، فهو بحاجة إلى سفر إما داخل دولته أو خارجها وهي قاصمة الظهر، عندها ينقسم عائلته إلى فريقين: فريق يحاول تجميع المبلغ الضخم لتكاليف السفر والإقامة والعلاج والعملية التي تسيطر على نصيب الأسد من المبلغ المجمَّع هذا إذا أفلحوا في تجميعه، والفريق الثاني: يتابع إجراءات السفر والبلد الأنسب لميزانيتهم الهزيلة وسياحتهم الإجبارية الثقيلة.

صورة أخرى لهذه المأساة تكمن في العائلة فهي في سباق مع الموت الذي قد يخطف المريض قبل اكتمال المال، أو قبل إكمال إجراءات السفر والانتقال إلى بلاد أخرى، فمثلًا ترى الرجل يرى أمه تموت أمام عينيه ولا يستطيع أن يفعل شيئاً، لأن صاحب القرار أصبح (... دولار) عداً ونقداً... وقلْب هذا المبلغ قد قُدَّ من الحجارة فهو لا يلين ولا يستكين، وهناك بعض الحالات يموت المريض بين السماء والأرض، وبالتالي يضطر أهل الميت (المريض سابقاً) إلى السفر بالجثة إلى البلد الوجهة للدفن لا للعلاج.

أما الشريحة الأكبر - خصوصا في بلاد النزاعات - فترفع الراية البيضاء مبكراً وتنتظر الساعة التي يغفو فيها مريضهم ليدفنوه لأن (كرامة الميت دفنه)، وهم يفعلون ذلك لأن الأبواب قد أوصدت في وجوههم، وضنَّ (بخل) الأغنياء بأموالهم، مع أن الرياضة والفن والتبذير والتفاخر في الأفراح وأمور كثير تافهة تصب عليها الأموال صبًّا على المستويين الرسمي والشعبي... فتجد في المجتمع الواحد أغنياء مع التبذير المقرف، والفقراء فقراً مدقع.

ومجتمعاتنا - ولله الحمد - فيها الكثير من الخيِّرين، لكن كثير منهم يعيش حياته الخاصة، ولا يختلط غالبا إلَّا بمن هم على شاكلته؛ أي أن هناك حلقه مفقودة بين الفقراء وبين الأغنياء، فالفقير لا يستطيع الوصول إلى الغني، والغني لا يتنزَّل إلى مستوى الفقراء ويتحسس حالهم، ويتلمس احتياجاتهم، وكثير من الأغنياء مستعد لمعالجة المرضى من الفقراء لكنه لا يثق بمن يضع ماله في أيديهم لتصل إلى مستحقيها، فعلينا في كل مجتمع أن نوجد حلقة تصل هذه السلسة المنقطعة، وتُطَمْئْن فضلاء الأغنياء أن أموالهم تصافح يداً خشنة، وتعالج مريضا يائساً، قد أيس من الحصول على هذا الكنز بالنسبة للفقير والتافه بالنسبة للموسر فـ (الدالّ على الخير كفاعله).

ومن الطرق الرائعة لسد هذه الفجوة ووصل هذه السلسلة إقامة الجمعيات الخيرية التي رأس مالها الأمانة والشفافية والبحث الجاد والتنقيب عن المستحقين فعلا والذين  {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} ، فإذا وجدت هذه الجمعيات بتلك المواصفات فليبشروا بالأموال تنهال عليهم فقد قال صلى الله عليه وسلم: (مثل أمتي مثل المطر، لا يُدرى أوله خير أم آخره).

رسائل .. رسائل ..

  • هل أنت غني؟ ومعظمنا غني بالنسبة إلى ملايين الفقراء، فإذا كنت كذلك فلا تكن غني وغبي واعلم أن الله سبحانه وتعالى يبتلي بالغنى كما يبتلي بالفقر {(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً)} ، فمن ادخر المال ولم ينفقه فيما يحب الله عليه فهو مخذول وإنما جنى على نفسه قال تعالى: {(هَا أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ)} .
  • يا أيها الغني المال عارية وأمانة أعطاكم الله إياه ليختبركم، فلا تبخل على نفسك، (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
  • يا معشر الأغنياء ليس لكم من أموالكم إلا ما قدمتم إلى دار الخلود فإن (مالُك ما قدَّمتَ ومالُ وارثِك ما أخَّرتَ)
  • باختصار (فاتقوا النّار، ولو بشق تمرة).
  • يا أيها الفقراء اعلموا أن الفقر ابتلاء، قد يكون أشد من الغنى، فقابلوه بالصبر والجد والاجتهاد في التكافل مع إخوانكم فأنتم أكثر من تذوق ما يعانيه إخوانكم (لا يعرف الجرح إلا من يكابده *** ولا الصبابة إلا من يعانيها)... واصبروا فقد قال رسولنا صلى الله عليه وسلم:(اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء).
  • فاصبر أخي الفقير وفر من الفقر بالأسباب المشروعة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ولعل فقرك سبب لدخولك الجنة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( «اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ» )، فأنت ليس لديك كثير أموال تحاسب عليها، ولا لديك تجارات غششت فيها، ولم تدخر شيئا يبلغ نصاباَ، بل أنت مستحق من مال من بلغ ماله النصاب ووجبت عليه الزكاة.
  • يا من يحب الخير ولا يملك المال، كن سفير خير وحلقة وصل ونقطة التقاء بين اليد العليا واليد السفلى، بين المحتاج إلى الأجر والثواب والمحتاج إلى العلاج، سلاحكم في ذلك الأمانة، والتحري والبحث عن أشد المحتاجين والبدء بهم .. فـ ( «أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعَهُمْ لِلنَّاسِ» ).
  • يا من ولاهم الله على أموال المسلمين لا تقدموا الغناء والرياضة والكماليات على علاج الناس وتوفير ما يحتاج الناس إلى السفر إلية من أجهزة وكوادر، وقبل ذلك الأدوية غالية الثمن أو العمليات باهظة الثمن، والتي لا تصل إليها الأيادي الخشنة، فأللهَ الله أن نصل ما انقطع، ونجمع ما تشتت ونوفق بين المحتاج للمال (الفقراء)، والمحتاج إلى الثواب والسعادة (الأغنياء) ..
  • يا أيها الغني إن كنت حصيفا لا تنتظر أن يأت إليك أهل الخير والإحسان لينتزعوا منك فتاتا، بل ابحث أنت عن المحتاجين كما تبحث عن الصفقات الرابحة، الصدقة على الفقراء صفقة مع الله، والله أكرم الأكرمين، ونسبة الخسارة في التجارة مع الله صفر، وكلها ربح في الدنيا {(وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)} ، وتذكر الآن قبل يوم القيامة الذي قال الله فيه: {(وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي)} .
  • (إن القليل بالقليل يكثر)، وإن الفقراء فقرا مدقعًا، والأغنياء غنىً فاحشا، عادة يكونون قليل في المجتمعات والغالب هم من مستوري الحال، والذين عيشهم كفاف، وهؤلاء قد تنزل بأحدهم نازلة من مرض أو غيره، فلا يستطيع فرد من إخوانه متوسطي الحال سدَّ حاجته، لكن لو اجتمع عشرة أو مائة لسهل عليهم أعانة أخيهم، فالمقصود أننا بالتعاون والتكاتف لو بالقليل نكفي إخواننا المرضى والمحتاجين، و (إنما السيل اجتماع النقط).
  • الرسالة الأخيرة لولاة الأمور وأهل الحل والعقد في كل بلد، بأن يتفقدوا الجمعيات، فبعضها ظاهرها جمعية خيرية، وباطنها عصابة إجرامية، فيجب أن تكون هذه الجمعيات والمؤسسات تحت نظر ورقابة الجهات المسؤولة، وتتصف بالشفافية لكي يثق بها الناس، ويتأكدوا أن أموالهم ليست  بأيدي شحاتين في مكاتب.

 ( {وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ} )

  • 2
  • 0
  • 840

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً