عمل قوم لوط

منذ 2022-10-19

جريمة نكراء يقدم عليها كل من انتكست فطرته، واتصف بكل صفات الخنا والعار؛ إنها جريمة عمل قوم لوط، التي كلِفت بها النفوس الخبيثة، وغذَّتها وسائل وروافد عديدة.

فطر الله جل وعلا بني آدم على حب الخير والنزاهة والعفة، وسمو الهدف، وحسن الأخلاق، كما فطرهم على كره الشر والرذائل، والساقط من الأخلاق والأفعال والأقوال، بيد أن قومًا من بني البشر شذوا عن فطرة الله التي فطر الناس عليها، فقلبوا الموازين، واستبدلوا بالخير الشر، وبالعفة والنزاهة الخسةَ والقذارة، فعمدوا إلى ما نهى الله عنه فأتوه، وإلى ما أمر الله به فقلَوه وتركوه، يعيش أحدهم في عالم الجرائم والذنوب والمعاصي، تنازعه فطرته الخيرة فيكبتها، ويدعوه واعظ الخير في قلبه فلا يعبأ بدعائه، لا يتورع عن ارتكاب أي ذنب مهما عظم؛ لأن الجرم قد استحكم، وغلبة النفس قد طغت.

 

جريمة نكراء يقدم عليها كل من انتكست فطرته، واتصف بكل صفات الخنا والعار؛ إنها جريمة عمل قوم لوط، التي كلِفت بها النفوس الخبيثة، وغذَّتها وسائل وروافد عديدة.

 

عمل قوم لوط – أيها الإخوة – جريمة بدأها على وجه الأرض قوم لوط عليه السلام، وأكرم الله لوطًا وشرَّفه وطهره منهم ومن فجورهم، ولم تُعرَف هذه الموبقة قبلهم؛ قال الله تعالى: {أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ * إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [الأعراف: 80، 81]، وقد خوَّفهم لوط عليه السلام ووعظهم وحذَّرهم مغبة فجورهم ذاك، ولكنهم حقًّا قوم مسرفون، فتمادوا في غيِّهم حتى هموا بضيوف نبيهم لوط عليه السلام ليفعلوا بهم الفاحشة، وقد دفعهم لوط ليُثنيهم عن مرادهم، وقدم لهم له بناته ليزوجهم إياهن؛ وقال لهم: {هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} [هود: 78]، وقد رأى الملائكة الكرام ما دار بينه وبين قومه؛ فقالوا للوط عليه السلام: {إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ} [هود: 81]، وأمروه أن يترك البلدة من عشيته قائلين له: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ} [هود: 81]، وقالوا له مخبرين بلحوق قومه سريعًا في مصارع الغابرين في الأمم الشقية: {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} [هود: 81]، بلى، إنه لقريب؛ قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 82، 83]، إن الجزاء دائمًا يكون من جنس العمل، فها هم قوم لوط لما قلبوا فطرة الله قلب الله عليهم ديارهم، وجعلهم عِبرة لغيرهم، فهذا مكان عذابهم باقٍ إلى يومنا هذا.

 

عباد الله: جريمةُ عمل قوم لوط حكمها في شرع الله معلوم، فهي كبيرة من كبائر الذنوب، حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم منها أشد التحذير وأعظم النكير، حتى خافها على أمته من بعده؛ فقال عليه الصلاة والسلام: «إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط»؛ (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وروى الحاكم وحسنه الألباني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس بخمس: ما نقض قومٌ العهدَ إلا سلَّط عليهم عدوهم، وما حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت، ولا طففوا المكيال إلا مُنِعوا النبات وأُخذوا بالسنين، ولا منعوا الزكاة إلا حُبس عنهم القَطْرُ».

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «يا معشر المهاجرين، خصال خمس إذا ابتُليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجَور السلطان عليهم، ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم، فأخذوا بعض ما كان في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عز وجل ويتحرَّوا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم»؛ (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

 

عباد الرحمن: احذروا موارد اللعنات من رب البريات؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ملعونٌ من وقع على بهيمة، ملعون من عمِل بعمل قوم لوط»؛ (رواه أحمد، وصححه الألباني)، وروى النسائي بسنده عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لعن الله من عمِل عملَ قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط».

 

وروى الترمذي بسند صحيح قوله صلى الله عليه وسلم: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به»، وهذا فيما إذا كان المفعول به قد أمكن نفسه للفاعل راضيًا غير مكره، وإلا فهي من المصائب المكفِّرة، فحدُّ الفاعل والمفعول به الراضي القتلُ، وقد أجمع على ذلك الصحابة والعلماء من بعدهم، ولكن اختلفوا في كيفية قتله؛ فمنهم من يرى إحراقه بالنار، ومنهم من يرى رميه من أعلى شاهق في البلد، ومنهم من يرى ضرب عنقه بالسيف؛ وهو الصواب، فهو جرثومة في المجتمع لا يسلم منها سوى ببتْرِها عنه.

 

أيها المؤمنون: لقد كان السلف رحمهم الله شديدي الحذر والتحذير من مقدمات تلك الفاحشة؛ كالنظر إلى الأمرد أو مجالسته، ولو كان ذلك في طلب العلم؛ قال الحسن ابن ذكوان: "لا تجالس أولاد الأغنياء؛ فإن لهم صورًا كصور العذارى، وهم أشد فتنة من النساء"، وقال بعض التابعين: "ما أنا بأخوفَ على الشاب الناسك من سَبْعٍ ضارٍ من الغلام الأمرد يجلس إليه".

 

وجاء رجل إلى الإمام أحمد رحمه الله ومعه صبي حسن الوجه، فقال له الإمام: من هذا منك؟ فقال: ابن أختي، قال: لا تجئ به إلينا مرة أخرى، ولا تمشِ معه في طريق؛ لئلا يظن بك من لا يعرفك، ولا يعرفه سوءًا.

 

إنها الفاحشة التي نزل بأهلها عذاب لم ينزل على غيرهم؛ لقبح جريمتهم، وشناعة فجورهم، فاحشة أعقبتها الحسرات، وذهبت اللذات، وانقضت الشهوات، وتمتعوا قليلًا وعذبوا طويلًا؛ {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83].

 

ومما يلحق بذلك – يا عباد الله – إتيان المرأة في الدبر، فملعون من فعل ذلك، ولا ينظر الله إليه:

وإذا خلوت بريبة في ظلمــــــةٍ   ***   والنفسُ داعية إلى الطغيانِ 

فاستحي من نظر الإله وقل لها   ***   إن الذي خلق الظلام يرانـي 

 

 

فاتقوا الله تعالى يا عباد الله، واعتصموا به، واستغيثوا به واستعينوه، واحرصوا على الفضيلة وسُبُلها، وربُّوا ذريتكم عليها، واسألوا الله صلاحكم وصلاحهم؛ قال الفضيل بن عياض رحمه الله: "لو أن لوطيًّا اغتسل بكل قطرة من السماء، لقِيَ الله غير طاهر"، فلهذه الجريمة أضرار كثيرة جدًّا يقصُر دونها العدُّ والإحصاء، وهذه الأضرار متعددة؛ فأضرار دينية، وخلقية، واجتماعية، ونفسية، وصحية، وغير ذلك، فهي كبيرة من كبائر الذنوب، وسبب للبعد عن علَّام الغيوب، وسبب لمقت الله وأليم عقابه، وأخذه الشديد في الدنيا والآخرة، بل خطرها على التوحيد؛ إذ إنها ذريعة للعشق، والعشق ذريعة للشرك والتعلق بغير الله تعالى.

 

ومن أضراره قلة الحياء، فالحياء هو الحياة:

فلا والله ما في العيش خيرٌ   ***   ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ 

 

ومنها سوء الخلق، وقسوة القلب، وقتل المروءة والشهامة، وانتكاس الفطرة، وذهاب الغَيرة من القلب، وسواد الوجه وظلمته، وحرمان العلم وبركته، وذهاب الشجاعة.

 

ومن أضرارها زوال البركات والخيرات، وحلول العقوبات، وقلة الأمن، وشيوع الفوضى، وحرمان الأمة من السعادة الحقيقية وتفسخ المجتمع وتحلله، وهل يرجى ممن يلوط العَذِرَةَ، أو يدعو الناس لنفسه كالمرأة خيرًا؟! {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46].

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد...

  • 2
  • 0
  • 2,221

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً