الجنس الإلكتروني .. بوابة الضياع

منذ 2022-10-26

دخول الإنترنت في حياتنا كشف لنا حقيقة أنفسنا أمام أنفسنا، فحين غاب الرقيب ظهرت بواطننا وما يدور بداخلنا؛ فظهر بوضوح فينا كمّ الكذب والخداع والخيانة والجنس وقصص الحب المزيفة... إلخ

مما لا شك فيه أن الإنترنت باتت من أهم إنجازات الثورة الرقمية المعاصرة، لما وفرته من سهولة الاتصال بين أقطاب المعمورة، مما أثر إيجابا على كافة النشاطات المعلوماتية والاقتصادية والاجتماعية، بل ويتوقع للإنترنت أن تصبح أسلوباً للتعامل اليومي، ونمطاً للتبادل المعرفي والتجاري خلال السنوات القليلة القادمة، إلا أن كل هذه الانجازات لا تخفي الوجه الكالح الآخر للإنترنت فيما يعرف بالجريمة الالكترونية والجنس الالكتروني.

فمع الانفتاح السريع الذي دشنته الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال، استطاع الإنترنت أن يطرح نفسه وبقوة، بديلا موضوعيا وغنيا عن المجلات والأشرطة، وصار بإمكانه توفير مساحات أوسع للباحثين عن معرفة شبقية متعذرة.. لقد صار بالإمكان الآن الحديث عن «عولمة الجنس» فالمواقع الإباحية على الشبكة تتناسل كالفطر مشكّلة أكبر سوق للجنس عرفه التاريخ الإنساني، كما أن أرباحها تتضاعف ملايين المرات، مما يوضح حجم الزبائن الضخم عبر العالم.

ويرصد أحد المحللين تلك الظاهرة حيث يقول: لقد شكلت «مقاهي الإنترنت» منذ ظهورها وانتشارها، فضاءات لاستقطاب العديد من المراهقين والمتراهقين، الباحثين عن زمن افتراضي متحرر من كل أشكال الضبط والرقابة الاجتماعية، خاصة بعد تناسل أخبار عن بعض زبائن «الشات» الذين تمكنوا من العبور إلى جنة الشقراوات الأوروبيات عبر علاقات افتراضية تحولت إلى زواج فعلي، مما وفر «لغرف الدردشة» زبائن مدمنين على «الشات» يقضون الساعات الطوال وراء شاشة الحاسوب بحثا عن صدفة قد تقلب شروط العيش. ولأن زمن المعجزات قد ولى، فكذلك زمن الصدف، ليتحول البحث إلى إدمان على لعبة غير محددة الأبعاد، لعبة أشبه بكرنفال التنكر، الكل فيها مقنّع، والكل فيها مطارد، ولا تنتهي إلا كي تبدأ مع كل جلوس أمام الشاشة الصماء.

توضيح وتعريف:
الزنا الإلكتروني.. الزنا العقلي.. الجنس الافتراضي.. الفاحشة الإلكترونية.. الجنس الشفوي.. الدعارة الإلكترونية.. السيبرسكس شات... تتناسل التعريفات وتختلف لتلتقي عند وصف ممارسة جنسية شاذة، خارج المحددات والضوابط الاجتماعية والدينية والطبيعية، أي ممارسة جنسية مع شريك مجهول، متغير أو ثابت عبر الدردشة الإلكترونية، عن طريق تبادل الجمل المثيرة، والكلمات الساخنة المفعمة بالإثارة الجنسية، إضافة إلى تبادل الصور الماجنة، وتختلف العملية حسب تطور التقنية المستخدمة في التواصل، ابتداء من الكتابة، إلى ما تقدمه الكاميرا المتصلة بالحاسوب و«المايك» من إمكانية رؤية وسماع الآخر، وربما «التعري» قصد تقريب العملية الجنسية إلى الواقعية دون الوصول إلى الملامسة الجسدية.

كما برزت ظاهرة «بيع الجنس» عبر الشات أو ما يتعارف عليه بـ «الكام» وكذلك عبر خدمات الهاتف الجوال وغيره، مقابل شحن بطاقة جوال بدلاً من النقود، حيث تقوم بعض بائعات الهوى باستغلال غرف الدردشة والشات بنشر أرقامهن والبريد الالكتروني لمن يرغب بالحديث عن الجنس أو مشاهدة الاستعراض الجنسي لأجسادهن.

وهم الأمان:
الجنس الالكتروني من الأمور التي انتشرت مع انتشار الإنترنت، وخاصة في أوساط الشباب غير القادرين على الزواج، كما أنه تعدى إلى المتزوجين الذين قد لا يجدون المتعة مع زوجاتهم أو حتى مع أزواجهن، بل يسعى البعض إليه من باب الترفيه عن النفس وإشباع الغريزة الجنسية، ظنا أن فيه استمتاعا بلا مشاكل حقيقة كالزنا، أو الارتباط الحقيقي بين شاب وفتاة، أو ما قد ينجم عن العلاقة المباشرة من حالات إجهاض أو فقد عذرية الفتاة، أو انتقال بعض الأمراض كالإيدز أو السيلان أو غيرهما من الأخطار الصحية والاجتماعية التي تنجم عن العلاقة الجنسية المباشرة بين الجنسين.

وقفات مع المتورطين:
• دخول الإنترنت في حياتنا كشف لنا حقيقة أنفسنا أمام أنفسنا، فحين غاب الرقيب ظهرت بواطننا وما يدور بداخلنا؛ فظهر بوضوح فينا كمّ الكذب والخداع والخيانة والجنس وقصص الحب المزيفة... إلخ، ورغم كل تلك البشاعة إلا أنني أراها فرصة وليست أزمة؛ لنتمكن من إصلاح أنفسنا بصدق، وعن بيّنة ومعرفة تامة بدواخلنا بدون أي رتوش أو مغالطات.

• الجنس احتياج فطري وطبيعي خلقه الله سبحانه بداخلنا لنتقارب ونتزاوج، ولكي يحدث ذلك لابد أن يتم بضوابط ويتم برضا وبشرع الله سبحانه، والجنس ما أجمله حين يرتبط بمشاعر حقيقية وحب بين زوجين، وما أقبحه حين يتحكم فينا {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية:23].. يأمر فيُطاع، ويصبح هدفا في حد ذاته، فنتحول لبهائم {وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ}[الأعراف:176].. بهائم نمارس الجنس مقطوعاً من المشاعر مع أي سائر في الطريق، حتى لو كان الطريق هو شارع الإنترنت غير المرئي.

• الجنس الإلكتروني بوابة الشر لإدمان العادة السرية وإدمان الأفلام الإباحية والوقوع في فخّ مشاهدة ما لا تتصوره فانتبه، فالمعصية ولود، والنفس لا تقنع، والهوى متجدد، وما يغريك اليوم لا يحركك الغد ومن ثم تطلب المزيد من الشهوة والشذوذ.

• الجنس الإلكتروني سيفقدك براءة الإحساس، وبراءة الشوق، ولذة العلاقة الجنسية الحقيقية بينك وبين زوجتك أو مع زوجك فيما بعد؛ لأن الجنس الإلكتروني يقوم على التخيلات والإثارة بطرق غير واقعية، تجعل من يقع فيها غير راضٍ بعد ذلك عن العلاقة الطبيعية الفطرية.

• ما تقوم به يفقدك الكثير من طاقتك وجهدك وتفكيرك، وأصعب ما تفقده معه هو فقدك لاحترامك لنفسك وضغط الشعور بالذنب، وهو ما سيُوقعك -شئت أم أبيت- في حالة نفسية سيئة، قد تدفع لها ثمناً أنت لست مستعدا له إطلاقاً، ففرصتك الآن في تقوية إرادتك ومقاومة هذا الغول الذي يريد التهامك، ولن يتمكن منك كلما قاومت وقطعت نفسك عنه بالكلية وشغلتها عنه وحسمت أمرك.

• دع شعارات الخوف على الطرف الآخر، والوعود بالالتزام والاحتشام معه أثناء التواصل، واقطع صلتك بهذا الأمر تماما.. أعلم جيدا أن ألم الفراق للحبيب يكون أكثر من ألم الكي، ولكن ما تمارسه مع هذه الصديقة المزعومة ليس حباً وليس له أي علاقة بنسيان قصة الفراق، ولا يحمل أي نوع من المشاعر، ولكنه بصراحة جنس خالص ليس فيه أي شيء سوى القذارة، والسرقة، وممارسة العادة السرية، والزنا مع امرأة غريبة.

• خذ زمام المبادرة.. انقل جهاز الكمبيوتر من غرفتك الخاصة إلى أي مكان مكشوف في البيت حتى لا تحدّثك نفسك بالقيام بهذا الأمر مرة أخرى، فيصعب عليها إرغامك، وقلل دخولك على الإنترنت قدر إمكانك خصوصاً في تلك الفترة.

• نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.. اشغل وقتك في أمور مفيدة ومفضلة لديك، ولو بسيطة أو حتى تافهة من وجهة نظرك؛ فشغل الوقت والانشغال من الأمور التي ستحميك من نفسك الأمارة بالسوء.

• اقترب من الله سبحانه أكثر من هذا، واطلب التوبة والاستعانة به على نفسك، وابتغاء رضاه وتذوق حلاوة القرب والطاعة.

• احرص على تكوين صحبة مختارة من رواد المسجد الذي تصلي فيه، فالطبع لص، والمرء على دين خليله، ومخالطة الفضلاء والصالحين تدفع النفس للتشبه بهم.

• قيم ذاتك بدقة، وضع طريقة للثواب والعقاب معها، ففي كل مرة تنجح في المقاومة كافئ نفسك بأمر محبب لك أو كنت تتمنى الحصول عليه منذ فترة، فهذا من شأنه أن يدعم رغبتك في الاستمرار والشعور بالفخر والاحترام، وعلى العكس كلما وقعت في الأمر عاقب نفسك بحرمانها مما كنت ستقدمه لها، ولا تيأس وتقول: أنا فشلت.. أنا سيئ، ولكن قل: لا بأس سأكرر مرات النجاح من جديد، وسأكون أفضل. واعلم أن الله غفور مسامح، ويعلم صدق نيتك ورغبتك في الكف عما تقوم به.

• اقترب أكثر من أسرتك ووالدك وأهلك، فإن لم يكن لهم وجود بحياتك فتذكر أننا أنفسنا الذين نقرر من يقترب ومن يبتعد بتصرفاتنا وبما نمنحه لهم من مساحة قرب وبفهمنا لهم ولشخصياتهم، فابدأ أنت بفتح ذراعيك لأسرتك وستجد من بينهم حباً وحناناً لا تتصوره. 

  • 13
  • 0
  • 1,761

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً