أهمية الأمن
إن الأمن قد احتلَّ مرتبة متقدمة، وحاز اهتمامًا كبيرًا في الإسلام، بل في جميع الأديان السماوية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:
فإن الأمن قد احتلَّ مرتبة متقدمة، وحاز اهتمامًا كبيرًا في الإسلام، بل في جميع الأديان السماوية؛ ولذلك فإن مما اجتمعت عليه الشرائع السماوية الكلياتِ الخمس؛ التي هي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ المال، وحفظ النسل؛ أي توفير الحماية الكاملة لهذه الكليات، وذلك بتشريع الأحكام المؤدِّية إلى أمن الناس على هذه الكليات؛ ومن أجل ذلك وُضعت الحدود في الإسلام، حتى يأمن الناس على تلك الكليات، ويرتدعُ من تُسوِّل له نفسه بالإخلال بأمنهم في تلك الجوانب المهمة من حياتهم.
وقد شنَّع القرآن على من تعرَّض لنفس بريئة بالقتل، فصوَّره وكأنه قد قتل الناس جميعًا؛ فقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32]، وجعل ترويع الآمنين، وقطع سُبُل المسافرين الآمنين حربًا لله ولرسوله، وسعيًا بالإفساد في الأرض، ورتَّب على ذلك أقسى العقوبات؛ فقال سبحانه: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 33، 34].
ووصف إقامة القصاص بالحياة المطلقة الشاملة؛ فقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
وقرر أنَّ قطع يد السارق والسارقة جزاء ونكال؛ فالجزاء للسارق نفسه بما فعل، والنَّكال له ولغيره؛ أي: تحذيرًا من تكرار ذلك الفعل.
كما أن الإسلام مجَّد الأمن، وأعلى من شأنه؛ فامتنَّ به على قريش؛ فقال تعالى: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1 - 4]، وقال جل وعلا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]، وفي المقابل جعل نقص الأمن عقوبة لمن كفر بنعمته؛ فقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ * وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ} [النحل: 112، 113]، وانظر كيف قرن الله تعالى بين الأمن وازدهار التجارة، وتوفر الاقتصاد، وبين الجوع والخوف؛ مما يؤكد أنه لا نماء ولا استقرار، ولا ازدهار اقتصاديَّ إلا في ظل توفر الأمن، فرأس المال جبان، لا يمكن أن يستقر في موضع مضطرب، يسوده الخوف والإرهاب.
ولهذا؛ فإن من أعظم وظائف الحاكم في الإسلام توفير الأمن لرعيته، وإقامة العدل بينهم؛ قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].
ومع أهمية جميع التدابير، واتخاذ كافة الإجراءات الإدارية والتشريعية لحماية الأمن، بشرط بنائها على الأسس الشرعية في حفظ الأمن واستقراره، إلا أنه يبقى العامل الأكبر لتحقيق الأمن وتوفيره هو إيمان الناس بربهم وخوفهم منه، وإخلاص التوحيد له سبحانه وتعالى؛ وبذلك يكون الأمن الطبيعي غير المتكلف، الذي ينبعث من النفوس، ويظل ثابتًا وملازمًا للناس في حال وجود الرقابة البشرية أو عدمها، كما تكرر ذلك في فترات كثيرة من التاريخ حين يسود الإيمان؛ قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]؛ قال المفسرون: أي: في ظل توفر الإيمان الكامل، والتوحيد الخالص، يتوفر الأمن الكامل في الدنيا والآخرة، وبمقدار ما ينقص من ذلك، ينقص الأمن، فعلى الأمة مع سعيها لوضع الوسائل المادية لتوفير الأمن، أن تسعى لتوفير الوسيلة الأهم لذلك؛ وهي خوف الناس من ربهم، وصدق إيمانهم به، وتمام مراقبتهم له.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وجنِّبنا الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
_______________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم
- التصنيف: